الجمعة، 30 نوفمبر 2012

المواطن العُماني متواضع ومؤدب بطبعه


معالي / هلال بن خالد المعولي
أكثر من عشر أعوام مرت على الواقعة غير إنها لا تزال حية تتقد في رأسي ، وعبرها ومنها ومن أتونها تكبر يوميا هالات  الدهشة وعدم التصديق أو لنقل عدم الإستيعاب ..
المكان : عيادة الدكتور / هاشم سوار الذهب ـ بحي مطرح التجاري بالعاصمة العُمانية مسقط .
الوقت : حوالي الساعة الثامنة مساء .
المشهد الداخلي : إزدحام واضح ، كل المقاعد ممتلئة ، لا مكان لزائر جديد ليجلس إنتظارا لدورة ، الكل ملتزم بالنظام ، الكل يطالع ساعته متلهفا لحظة دخوله ومن ثم خروجه بالسلامة عائدا لبيته .
في طرف المقعد الطويل كنت أجلس وبجانبي زوجتي وأبنتي الصغيرة نضال التي أتينا بها للدكتور / هاشم ، وهي سوادني الأصل بولندي الجنسية ، وقد أشتهر في مطرح الكبرى بإعتباره  أحد الأعلام في الفرع الطبي الذي تخصص فيه ، بل كان في ذلك الوقت هو الوحيد الذي يشار إليه بالبنان ، وقد جئنا إلينا بتوصية من الكثير ممن زاروه قبلا فوجدوا عنده العلاج الناجع .
فجـــــــــــــاة
دخل العيادة رجل نظرت لوجهه فأيقنت قسما إنني أعرفه ، بدأت التفكير من يكون من يكون ، وما أسمه ، وما عمله ، بغتة إستقر الأسم كاملا في عقلي ، قلت لنفسي يا إلهي أيعقل أن يكون هو ؟.. جاء وهو يرتدي الدشداشة العُمانية المعروفة ويعتمر (الكمة) في رأسة ، تلفت يمينا ويسارا فلم يجد مكانا خاليا ليجلس فيه ، فأثر الوقوف إنتظارا لدوره .
على الفور نهضت من مكاني وتقدمت نحوه وقلت له تفضل معاليكم بالجلوس في مكاني ، أصر على الوقوف ، وأقسمت على أن يجلس في مكاني ، وأشتد حمي الجدل الخافت بيننا ، وفي نهاية المطاف تقدم بإقتراح وافقت عليه ، قال لي : نجلس (رباعة) أي سويا في نفس المكان ، أبلغت زوجتي بان تضغط في الجهة الأخرى لنحصل على بعض سنتمرات من (الكنبه) ففعلت ، أصر على أن أجلس أولا ففعلت ، ثم جلس هو ثانيا في أدب وخفوت صوت .
لا أحد ممن كان في العيادة في ذلك الوقت قد إنتبه عمن يكون هذا الشخص الذي كنت أحاوره وكان يصر على أن يظل واقفا ، زوجتي بجانبي هي الأخرى لم تعلم من هو هذا الشخص الذي يجلس بجانبي وفي بضعة سنتمرات ، في البيت أخبرتها فشهقـــــت وكاد يغمى عليها إذ هي لم تصدق ما قلته لها .
هذا المواطن العُماني العادي كان في الواقع معالي الفريق / هلال بن خالد المعولي ـ المفتش العام للشرطة والجمارك وقتها ، هو الوزير المسئول عن شرطة عٌمان السلطانية بأسرها ، وهو الوزير المسئول عن توفير الأمن للمواطنين والمقيمين في كل أنحاء السلطنة .
لا أخفيكم سرا إنني إذ معاليه يجلس بجانبي لحد التلاصق دارت بخلدي سيناريوهات عديدة أخذت تمور وتفور كمرجل في عقلي ، بعضها كان مضحكا ، وبعضها كان مبكيا ، وبعضها كان غارقا في بحور تراجيديا سوداء المعالم والملامح .
فقد جنح خيالي بعيدا ، لأتصور بل لأتخيل بان هذه الواقعة التي لا تصدق قد حدثت في إحدى الدول النامية ، عندما يقرر وزير الداخلية والمسئول الأول عن الشرطة والأمن زيارة عيادة لأحد الأطباء ، فماذا سيحدث ، وكيف ستتم هذه الزيارة ، وماهي نتائجها وإحتمالاتها وماهو تأثير غبارها وعثارها على المواطنين تعساء الحظ والذين تواجدوا في العيادة الطبية لحظة زيارة معالية لها؟..
تخيلت بداية بأن رجال الأمن وهم يحملون سياطا وعصي وعدد كاف من القنابل المسيلة للدموع سيتقدمون معاليه بوقت كاف للعيادة المذكورة ، وقتها فإن معاليه لا يزال جالسا في مقعد سيارته محفوفا بطوقه الأمني .
رجال الشرطة سيبدأون في تنظيف العيادة من النمل البشري تمهيدا لدخول معالية ، أما من يعترض على الخروج من ما يسمون أنفسهم بالمواطنين فان علاجهم موجود بحوزة الشرطة ، وعندما يتم تنظيف العيادة تماما سيترجل معاليه محفوفا بطوقة الأمني المحكم ليقابل الطبيب في إطار الخصوصية الواجب توفيرها لمعاليه ، وبعد خروجه بالسلامة يمكن للصراصير البشرية أن تعود مجددا إن أرادت ..
هذه الصورة وبكل ملامحها وتفاصيلها دارت بخلدي إذ معاليه يجلس بجانبي ، ضحكة مجلجلة قررت أن تخرج بغير إردة مني ، غير إنني كنت أسبق فأغلقت الباب دونها ، ولم يسمع معاليه شيئا ولم يعلم إلى أين قادني هذا الخيال المجنون ...
ألم أقل لكم سادتي أن المواطن العُماني مؤدب ومتواضع بطبعة ...

هناك 4 تعليقات:

  1. هذآ الرجل منتهى التواضع انته تتحدث وهو متقاعد انا مري عليا موقفين احداهم عندما كان مرافق لمولانا الراحل عليه رحمة الله تعالى وكان بجانه المفتش الحالي اتو يخلصون معامله في صحار جالسين ع الكراسي الذي برع بدون تكيف ينتظرون الدور عندما رايتهم طلبت منهم الدخول وبعد الحاح وافقا والله تعجز الكلامات عن وصف الاخلاق والتواضع الذي كانا يحملانها...والثانيه في موقع اخر من ربوع البلد الغالي الله يحفظه ويحفظه سلطانه وشعبه الوفي

    ردحذف
  2. إن جميع منتسبي شرطة عُمان السلطانية يكنون لشخص هذا الرجل العظيم الحب والأحترام والتقدير وعندما تقاعد الكل تحسف على ذلك كان يعمل بجد واجتهاد همه رضا الله تعالى ومن ثم الوطن والسلطان ولا أستبعد رضى والديه الكريمين والأحباب والعائلة الكريمة والأولاد والناس.

    ردحذف
  3. أدعو الله تعالى بأن التقي به في هذه الدنيا الزائله وأن يجمعنا وإياه في الفردوس الأعلى من الجنة اللهم آمين يا رب العالمين.

    ردحذف