الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

مشاهدات من مسيرة النهضة العُمانية المباركة


 كنا وعلى مدى عقدين من الزمان تقريبا وعندما يهل علينا نوفمبر من كل عام من خلف الحُجب ونحن بالسلطنة فإننا نكون على أهبة الإستعداد وبوقت كاف للتعبير وبلسان عربي مبين عن ماشاهدناه ولمسناه وعايشناه على ثرى هذه الأرض الطيبة سلطنة عُمان أعني .
كنا شهودا على كل الذي إنجزته النهضة العُمانية المباركة في تلك الفترة ، وكيف إستطاعت عُمان ترويض المستحيل في واحدة من أروع الملاحم التي شاهدناها في منظومة بناء الأوطان ، وفي كيفية رص الصفوف ، وفي كيفية الإرتقاء بأغلى رأس مال على وجه الأرض الإنسان بالتأكيد ، جئنا لعُمان في الثمانينيات وقد أتاحت لنا
الاقدار الرخية أن نكون عُمانيين في كل شئ حتى اللهجة والطباع والعادات وكنا روادا للسبلات وفي كل المناسبات ، لذلك وبعد أن غادرنا عُمان كانت مفاصل أرجلنا قوية وقادرة على مساعدتنا على الجلوس والنهوض دفعة واحدة كما يحدث في السبلات العُمانية عند وصول زائر جديد ، ذلك سر دفين لا يعلمه إلا أهل عُمان وأنا بطبيعة الحال ، وفي السبلات والمناسبات كان حديثنا وبلهجتنا العُمانية القحة التي لا زلت أحتفظ بها كان في الغالب يدور عن تغطياتنا الصحفية ولقاءاتنا مع رموز المجتمع العُماني في إطار بلورة ناطقة للإنجازات والمشاريع والأفكار التي بنت عُمان وأعادت صياغة التاريخ من جديد بنحو فريد تلك كانت عصارات النهضة وهي تسري في عروق وشرايين الحياة بالسلطنة .
أما اللهجة العُمانية التي أتقنها كانت في الواقع تثير التساؤلات هل هذا الذي يتحدث عُماني أم سوداني ، الذين يتحدثون معنا بالهاتف يجزمون بإنني عُماني والذين يشاهدونني يجزمون بإنني عُماني غير ملتزم بالزي الرسمي ، على ذلك كان تعاملي مع المجتمع العُماني سهلا وجميلا ورائعا ، لطالما زرت أسر وعائلات وأصدفاء في ولايات السلطنة المختلفة ، ولي في كل ولاية صديق وعزيز ، وعبر تغطياتنا الصحفية والإجتماعية وعلاقاتنا الأسرية وفي وبنسبة 90% كانت مع أسر عُمانية ، لذلك فإنني وعندما أتحدث عن مافعلته النهضة العُمانية ونحن نقف الآن على منعطف الذكرى الثامنة والأربعين من عمر هذه المسيرة الهادرة فإنني وبالصدق كله أتحدث من داخل كيان المجتمع وأعرف كيف كانت الألسن تلهج بالشكر وبالحمد والثناء لهذا الرجل الذي عاهد شعبه فأوفى ، جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ المعظم حفظه الله ورعاه ـ كنت وفي كل لقاءاتي الصحفية والإجتماعية ومن داخل السبلات في الغبرة بالعاصمة مسقط حيث وضعت حجر الأساسي لعلاقاتي الإجتماعية الممتدة حتى الآن ، وفي نادي بوشر الرياضي حيث غرست أول اشجاري المثمرة ، وبما إنني وبعد ذلك كتبت وعبرت وسجلت كل ماشاهدته على ثرى عُمان في صحيفة الوطن العُمانية وذاك أضحى الآن جزءا لايتجزأ من التاريخ الصحفي العُماني ، كان كل ماكتبناه يعبر تماما عن حقيقة أن عُمان الحديثة قد أنطلقت من وعد واحد سيظل أبد الدهر ساطعا كالشمس عندما قال جلالته حفظه الله يوم إنطلقت النهضة (التعليم ولو تحت ظل شجرة) ، نعم هكذا كانت البداية ، وكنا نعرف كيف بذلت السلطنة المال والغالي والنفيس من أجل هذا المبدأ النبيل والخطير ، وكنا كذلك شهودا على إفتتاح جامعة السلطان قابوس عام 1986 ، وقد كان لي شرف إلقاء محاضرة لطلبة الإعلام بها عن الصحافة الإلكترونية في التسعينات وبإعتبار إنني أشرفت على أطلاق أول موقع لصحيفة عُمانية على الإنترنيت في التسعينات وهو موقع صحيفة الوطن الإلكتروني .
ومع إكتمال الجامعة أيقنت عندها بأن النهضة العُمانية قد أكملت وبحمد الله البنية الأساس لإنطلاقة مدوية ميممة شطر المجد ، وهذا ماحدث بالضبط بعدئذ ، فطلبة جامعة السلطان قابوس إضافة لآلاف الخريجين من الجامعات العُمانية الأخرى والمبتعثين خارج السلطنة هم الآن يقودون دفة الحياة في السلطنة ، ويحققون إنجازات علمية مدوية خارج عُمان وداخلها ، إذن سلطنة عُمان وفي هذه الذكرى المباركة يقودها الأفذاذ من أبناءها المتواجدين في كل المواقع والجهات والمؤسسات .
وإذا كنت الآن أكتب عن تلك الفترة وأنا هنا في الخرطوم وفي مجلة الواحة العُمانية لصاحبها صديقي حمود الطوقي ، فإن الطوقي نفسه هو أحد أبناء النهضة العُمانية البررة وموقعه الآن في خاصرة الصحافة العُمانية يؤكد صدق ودقة هذا الذي نقول ، فعُمان قد راهنت على التعليم ومخرجاته ، لذلك والآن أمامنا دولة متحضرة لها في خارطة الأرض مكانا عليا وسامقا بين الأمم والشعوب .
وإذا كنت الآن أكتب من العاصمة السودانية الخرطوم فذلك لايعني بإن عُمان باتت بعيدة عن حدقات العيون ، ذلك لم يحدث ولن ، لقد قالها لنا الأديب السوداني الطيب صالح عليه رحمة الله في محاضرته الشهيرة في النادي الثقافي بمسقط في التسعينيات أن الوطن يبدو من البعد أجمل ، فها أنذا أنظر إلى وطني الثاني عُمان من أعلى شرفة في الخرطوم فأراها من على البعد بالفعل أجمل ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب  ـ الخرطوم