السبت، 12 أكتوبر 2019

عزيزي الجرداني أو تلعم لماذا حدث ما حدث ؟..


عزيزي الجرداني أو تلعم لماذا حدث ما حدث ؟..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ـ الخرطوم
00299121338306

زميلي العُماني وصديقي ورفيق دربي القديم بالوطن العُمانية العزيز حتى النخاع أحمد الجرداني وفي معرض تعليقه على تغريدتي بشأن إختطاف السودانيات ببنغازي الليبية قبل يومين قال : المفروض ما يروحوا ليبيا .
بالطبع جميعنا نتفق مع الجرداني في رايه هذا السديد ، فما كان ينبغي لهؤلاء الحرائر ان يذهبن الى هكذا دول الأمن فيها ليس في أفضل حالاته وهذه صيغة (تخفيف) يعرفها زملاء المهنة ، وماكان للسودانيين عامة نساء ورجال التواجد هناك ، تلك حقيقة لا جدال فيها أو حولها عزيزي الجرداني .  
 غير اننا وإذ في الحلق غصة وعلى اللسان طعم امر  من  المر ، وعبر ذات اللسان المثقل بالأسقام نرفع الأكف عالية لرب العالمين ، ثم نلهج بحار الدعاء لرب العزة أن يحفظهم وإذ هم في التو واللحظة في صراع لا هوادة فيه مع أمواج المستحيل هربا من وطن هو الأغلى والأغنى افريقيا وعربيا ، غير أن ساسته على مر العقود فشلوا في أن يقدموا لهم فقط الأمل على طبق من فخار ، ألم تسمع عزيزي الجرداني بشباب لنا هم في عمر الزهور حملتهم أقدام لهم منهكة لإجتياز الأهوال والأنواء ميممين وجوههم شطر ليبيا الـ لا قذافيه ثم وقعوا صيدا سهلا في مخالب تجار وعصابات البشر فيما خلف الصحارى التي يجف فيها حلق العندليب كما قال صديقي الراحل الطيب صالح ، هؤلاء لم يجدوا في الوطن وفي الواقع موطئ قدم فقرروا الموت بعيدا عن ترابه رغم عشقهم له ، كان ذلك خيارهم الأول ، وإن إبتسم لهم الحظ بأنيابه الصفراء ووصلوا لشواطئ أوروبا وعيونهم جاحظة وفي أفئدتهم هواء لايقين ، فإنهم لايعلمون أن كانوا قد أفلحوا أم ستعيدهم أوروبا من جديد للوطن مصفدين في أغلال الإنكسار ، تعيدهم إلينا كسقط متاع عثرت عليه  سهوا هكذا تأدبا فأعادته لأهله على أن لايعودوا لمثلها أبدا .
أوتعلم عزيزي أحمد ان الشباب في هذا الوطن قد وصلوا لقناعة مهلكة مفادها ان لامستقبل لهم يذكر في بلادهم ، ذاك هو القنوط عينه المنهي عنه في القرآن الكريم ، وقد تملكهم من قمة رؤوسهم لأخمص أقدامهم ، ولم يبق لهم لا أمل يرتجي ولا عشم يلوح في متاهات السراب .
 لذلك فإنهم وعندما يموتون غرقا أو سحلا أو ركلا أو رميا بالرصاص في الكهوف والجحور البعيدة النائية عن الوطن وعن الأهل والأحباب والعشيرة ، فإنهم في الواقع يبتسمون وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة ، خلافا لما زعمه المتنبئ العظيم عندما قال :
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
فالمتنبئ لايعلم كيف أن المنايا غدت في نظر هؤلاء الشباب وفي عصر غير عصره كيف غدت هي عينها وذاتها الأمانيا ، ذهب المتنبئ ولم يعلم بأنه قد كذب .
السؤال الكارثة عزيزي الجرداني هو من فعل هذا بشبابنا الذين كنا نضرب بهم الأمثال في كل شيء بديع ووديع ، من سرق الأحلام الوردية من العيون والجفون ومن الذي أوردهم موارد الهلاك فيما خلف حدود الوطن ، من الذي أجبرهم على ركوب أمواج هي كالجبال عاتية وهم يعلمون أن لاعصام منها إلا سفينه نوح ، وسفينه نوح أستوت قبلا على الجودي ولن تعود للإبحار من جديد ، لنبحث معا وسويا عن من إرتكب هذا الجرم الفادح بهم لنهيل عليه اللعنات الساحقات الماحقات ، ونمزقة أربا بالدعاء الملتهب والمتوجه بالضراعة إلى الرحمن الرحيم ..



الاثنين، 30 سبتمبر 2019

لقد أحسن حمدوك صنعا عندما تحدث بالأنكليزية


دكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني تحدث في الأمم المتحدة باللغة الإنكليزية فهاج البعض وماج ، حقيقة لا أدري أين المشكلة ، قديما كانت الدراسة بجامعة الخرطوم باللغة الانكليزية ، وكان الطلاب يتحدثون العربية بطلاقة رغما عن أنهم يدرسون بالأنكليزية فهي لغتهم الأم ، أحدهم سامحه الله ولا أدري من هو على وجه التحديد قاد عملية التعريب في العهد البائد بالجامعة وفي كل الجامعات  السودانية ، وتلك كانت أكبر جريمة إرتكبت بحق الطلاب السودانيين منذ فجر الإستقلال بل وبحق الوطن برمته .
قديما حتى جيلنا كان خريج الثانوي يتحدث الانكليزية بغير تكلف وبإجادة واضحة ، حتى شاعت وسط العرب أقصوصة أن السودانيين هم أفضل من يتحدث الإنكليزية ، تلك كانت مقولة سمعتها بنفسي من الدكاترة واساتذة جامعة بغداد وباقي الجامعات العراقية ، فاذهلتني ، إذ لم أكن أعلم وقتها بأننا الأفضل ، غير إنني لا أدري كيف ترسخت هذه الجدلية في العالم العربي ، ما من شك أن فطاحلة جامعة الخرطوم من الخريجين والذين شغلوا مراكز مرموقة خارج السودان في الجهات والمنظمات الدولية أكدوا عمليا هذه النظرية ، وفي داخل السودان لم يكن هناك من يعلم عن هذا الأمر شيئا ، ولم يكن هناك إي إحتفاء أو تمجيد بوجود شيء مميز نملكه كسودانيين ، هذا الأمر موجود خارج السودان لا داخله  .
سألت الأساتذة ببغداد من قال لكم اننا افضل من يتحدث الانكليزية ضحكوا وقالو هذا امر معروف وثابت .
فماذا حدث بعد ذلك ، وزراء التربية والتعليم في حكومات الإنقاذ قاموا بتغيير المناهج القديمة التي قدمتنا كافذاذ في هذه اللغة بأخرى لا تسمن ولا تغني عن جوع ، كما أهملوا تأهيل أساتذة اللغة الإنكليزية واعتبروها لغة الكفار !ّ...
النتيجة الكارثية كانت على صيغة انحطاط مخجل في مستوى طلابنا في كل مراحل التعليم في هذه اللغة .
الآن 90% من الخريجين في الجامعات والثانويات لا يستطيعون التحدث بهذه اللغة ، وإذا ما قابلهم أجنبي يتحدث بها يهربون منه باعتباره طاعون قاتل  .
وما حدث ايضا إنهيار في المستوى الاكاديمي لطلاب الطب الذين لا يعرفون عن هذه اللغة شيئا ، وهم بذلك لا يستطيعون متابعة الأبحاث العالمية في النت في مجال تخصصهم ، لقد حلت بنا كارثة قومية إسمها اللغة الإنكليزية .
غير أن الضجة التي أثيرت وإذ حمدوك يتحدث بالإنكليزية في الأمم المتحدة قد فتحت الباب على مصراعية لإعادة فتح ملف اللغة الإنكليزية في السودان ، لقد إتهموا الرجل بأنه قد نأي عن لغته العربية ، وإنه قد إنحاز للغة الكفار ، وإن من باب إحترامه للغته الرسمية أن يتحدث بها ، وأن مافعله معاليه يؤكد علمانيته ، كلها وجميعها إتهامات وطعنات وجهت للرجل إزاء مايرونه جريمة لاتغتفر بحق العربية ، ومن جانبي إختلف مع تلك الآراء تماما فالرجل وفي هذا المحفل تحدث بالأنكليزية لا إحتقارا أو تقليلا من شأن العربية ولكنه رأى بانه سيوصل فكرته باقصر الطرق للآخرين والسودان يمر بهذا المنعطف الخطير الذي تعلمونه ، كما إنني لا ادري لماذا يتم الربط سريعا مابين حديث حمدوك بالإنكليزية وما بين جدلية إحتقاره المزعوم للغتنا الجميلة لغة القرآن الكريم .
ليس بالضرورة من يتحدث الإنكليزية إنه علماني ، ففي العهد الزاهر للغة الإنكليزية في السودان وقبل إرتكاب جريمة التعريب ، كان القرآن يتلى في المساجد وفي المنازل آناء الليل وأطراف النهار ، وكانت الخلاوي تعلم وتحفظ القرآن بالعربية كما ينبغي وكان الناس كلهم وجميعا أتقياء وشرفاء ويحبون الله ورسوله ، وعندما إكتمال نصاب التعريب غدى الناس أكثر سفها ومجونا ، وكان مستوى اللغة العربية في كافة المؤسسات التعليمية تحدثا وكتابة وفصاحة وبلاغة أفضل مما هو عليه الحال الآن ، وكان الشعراء ينظمون القصيد بالفصحي والعامية وصولا لسقف الكمال إلا قليلا ، إذ كله لله فقط كما نعلم .
إذن في الوقت الذي كانت فيه اللغة الإنكليزية مزدهرة في السودان ، كانت اللغة العربية مزدهرة وبقدر يفوق حد التصور ، ولن يزعم أحد بأن التدريس بالأنكليزية قد نال من مكانة العربية في السودان ، وبهذا التميز في هذا اللغة إستطاع السودان غزو أوروبا على ذات النسق الذي فعله مصطفى سعيد في رائعة الطيب صالح الخالدة موسم الهجرة للشمال ، إذ قالها مصطفى سعيد بوضوح وجلاء :
نعم يا سادتي إنني جئتكم غازيا في عقر داركم ، قطرة من السم الذي حقنتم به شرايين التاريخ ، انأ لست عطيلا ، عطيل كان أكذوبة .
هل تعلمون كيف إستطاع مصطفى سعيد غزو بلاد الأنكليز لقد فعل ذلك بسلاح فتاك كان يملكه أسمه اللغة الأنكليزية ومع هذا فقد كان فحلا في اللغة العربية ، ورأينا فصاحته وبلاغته عندما عاد لوطنة وإلى قرية نائية من قرى شمال السودان ليموت فيها .
ما نرجوه من معالي رئيس الوزراء الموقر أن يحدثنا ويخاطبنا باللغة الإنكليزية على الأقل مرة في الشهر ليكن هذا برنامج ثابت من برامج حكومته ، وفي إطار برنامج وطني يهدف لإعادة الإعتبار لها ، على الأقل من باب من علم لغة قوم آمن شرهم ، ثم نرجو منه إعادة التدريس في كل الجامعات بالإنكليزية ، وتبقى في ذات الوقت مناهج اللغة العربية قوية وصارمة ولا مهادنة فيها ، وتبقى كذلك مادة أساسية في إمتحان الشهادة الثانوية والرسوب فيها يعنى الرسوب في الشهادة كلها .
ليس هذا فحسب بل نامل من حكومته محاكمة كل المسؤولين السابقين الذين إرتكبوا جريمة التعريب بحق هذا الشعب المبدع .

 ضرغام أبوزيد
هاتف : 00249121338306

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

الإختبار بل الإبتلاء الأسوأ للثورة السودانية


الإختبار بل الإبتلاء الأسوأ للثورة السودانية
🕳🕳

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ~ الخرطوم
00249121338306
dirgham@yahoo.com

🌺🌻🌺

 نحن الآن أمام تحد لاقبل لنا به ويتمحور حول أن يكون الوطن أو لايكون ، فالبروفيسور ابراهيم غندور وعندما كان وزيرا للخارجية  كان قد أبلى بلاء حسنا ، إذ تكللت جهوده برفع العقوبات الأميركية وجميعنا يذكر بالإحترام والوقار تلك الصورة الفوتغرافية وهو يجهش بالبكاء  حبا في الوطن وعشقا لترابه   يوم صدور قرار رفع العقوبات .

 وجميعنا لن ينسى شجاعته ورباط جأشه يوم صدح بالحقيقة في وجه المخلوع واعلنها داوية بان وزارته افلست ولم يعد بمقدورها دفع مخصصات السفراء وأعباء السفارات المالية ، لم تكن وقتها الخارجية وحدها هي التي افلست الوطن كله كان كذلك وما قاله الرجل كان إرهاصا ونذير شؤم للنظام.    

بعدها أمسى مغضوبا عليه ، ثم ركلوه بعيدا بقسوة وتشفي ، لم ينبس ببنت شفه ، تولى إلى الظل وهو يسمع ويرى ، وحتى إذا ما جاءت الطامة الكبرى وافرزت سقوط الطاغية والطغاة غدى الرجل محسوبا على الذين ركلوه قبلا ، هكذا صنفوه ، وفقا لتصانيف أقدار الثورة ،  تلك كانت لعمري وبالمنطق قسمة ضيزى  .

  الأنكى بعدئذ هو انه قد غدى رئيسا لحزب (المخلوع) الذي (خلعه) بغير وجه حق من كرسي الخارجية وهو الأجدر ، فكان ان أعاد الية الصفعة كما ينبغي ، يوم اعلنها بأن حزبه الجديد رغما عن انه يحمل ذات الإسم إلا أنه لن يدافع عن المفسدين  .
  
في هذه النقطة قلب لنا البف ظهر المجن ، فاحتار الثوار في تصنيف هذه الحالة ، هل يحسب على العهد البائد والذي خرج منه مظلوما ومدحورا ومبكيا عليه من جموع الشعب ، أم نعتبره ثائرا فحلا ككل الثوار سيما وانه وعندما تبين له بان الطاغية عدو للوطن تبرأ منه .
  وإذا كان البف وحزبه الجديد القديم أعلن وقوفه وتاييده للدكتور حمدوك قائدا للمرحلة الإنتقالية يكون بذلك قد سحب البساط من تحت أقدام المعادين للسامية الكيزانية .

 واذا كانت الكفاءة والمقدرة والفصاحة والبلاغة والكاريزما الشخصية هي المؤهلات الأساس لتولي حقيبة الخارجية وهي الحقيبة الأخطر على الإطلاق في هذا المنعطف الخطير من عمر الثورة ومن عمر الوطن ، فإن البوف هو الأجدر لقيادة الدبلوماسية السودانية في هذا الوقت بالذات ، سيما وأن المنصب لا يزال شاغرا رغما عن إنه ليس كذلك واللبيب بالاشارة يفهم  .

  ثم نسأل هل المؤتمر الوطني تحت زعامة البف هو نفسه المؤتمر الوطني تحت زعامة المخلوع أو تحت زعامة هارون ؟..

بالقطع (لا) تلك حقيقة مثلى ، فالحزب تحت زعامته اقرب للثورة والثوار وللسودان الجديد من الحزب البائد تحت زعامة المخلوع .

 إذن وبما أن الوطن يحتاجه الآن ، وما من شك أن حمدوك يعلم وقد يتفق معي فيما ذهبت إليه ، سيما وأنه افصح منها لسانا ودهاء ، ثم أليس لسان هارون عليه السلام قد منحة قلادة النبوة قبلا ، اذن فهذا الشئ تحتاجة الثورة لتجندل اصحاب (الحلاقيم) الكبيرة فيما خلف البحار ..
  
المعادلة الدامية هل يقبل ساسة السودان الجدد ايلولة أهم وزارة على الإطلاق في حكومتهم الثورية ، لرجل كفء لا محالة وجريمته الوحيدة الآن هو انه غدى رئيسا للحزب الذي ثار الشعب عليه .
   
الويل كل الويل لنا إن نحن آثرنا الإنتماء الحزبي على مصلحة الوطن العليا ، ثم ومن باب الدهاء السياسي فإن عودة (رنجو) الدبلوماسية السودانية لحديقته كفيل بتقليم أظافر ومخالب نعلمها جميعا ،  وهذا يصب في صالح إستقرار الوطن وهو عامل أساس في تحقيق الرفاة المنشود لهذا الشعب عاثر الحظ مع ساسته وقادته ..   

  

الجمعة، 6 سبتمبر 2019

عندما تموت الأشجار واقفة


عندما تموت الأشجار واقفة

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب
00249121338306

انتقل للرفيق الأعلى عصر يوم الثلاثاء 5 سبتمبر 2019 خالي الوحيد والأثير والعزيز يحي عبد الله يحي إبراهيم ، وذلك بعد صراع مرير مع قسوة الزمن ومع تراكمات السنين التي وقفت أمام ناظريه كجبل يعانق عنان السماء فلم يمنحه فرصة إختلاس النظر إلى مابعد خط الأفق للمرة الاخيرة على الأقل  .

ثم هو نفسه أحسبه قد زهد منها وفيها ، جلست إليه قبل فترة قصيرة من رحيلة كان ينظر إليها من طرف خفي ، وبنصف عين واحدة لا أكثر ، كأنه يقول أنها لا تستحق أكثر من ذلك ، وما بين حنايا الصدر المفعم بالذكريات البعيدة الغائرة والتي يستلهما من بئر مظلمة الأعماق كنت أحسبه يقول كما قال زهير بن أبي سلمى  :

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لا ابا لك يسأم

الخال وصل لذات قمة الجبل الذي وصفه لنا هذا الشاعر الجاهلي الفحل ، لذلك لم يكن يعبأ بالموت كثيرا أو قليلا ، لم يعد ير في الآفاق أي فرح يستحق أن ينال منه نصف إبتسامة ناهيك عن ضحكات مجلجلات ، فقد ولى زمان الضحك ، وإنقضى أوان الإبتسام ، قد تجاوز الخال الثمانين حولا التي وصفها زهير للوصول لقاع الزهد ، وإن كان الخال بات ينتظر هذا الذي تهابه الملوك بيقين وصبر وجلد ، فإنه في الواقع يعلم يقينا بأنه أوفي ووفي في عمره الطويل الذي إختصه الله به كعطاء من القادر للعبد الشاكر .
الخال كان ميكانيكيا بارعا في مصلحة النقل الميكانيكي تلك المؤسسة القومية التي دمرتها حكومة الإنقاذ فيما دمرت من خمائل السودان الوطن .
كانت تربطني به علاقات خاصة وحميمة منذ أن كنت طفلا ، وأدين له بكل ما أنا فيه ، لقد تعلمت منه الفصاحة والبلاغة وأصول الكلام ، كان ذكيا ولماحا وخارقا ، أعطاه الله بسطة في الجسم والعلم ، إستلهمه من القراءة والإطلاع والتمعن ، عندما كنت في السنة الأولى أوسطي وكانت الأسرة في مدينة 24 القرشي بولاية الجزيرة ، فالوالد عليه رحمة الله كان موظفا في إدارة الموظفين العموميين وكان دائم التنقل والترحال ما بين المدن السودانية ، جئت إلى أمدرمان وإلى حي العباسية شرق دكان عابدين بشارع الأربعين لأسكن مع الخال في بيته ، لم يتزوج طيلة عمره ، لقد كرس حياته كلها لكفالة أبناء أخته خديجه عبد الله يحي عليها رحمة الله ، محمد وشعيب أبناء آدم شعيب ، وهما اليتيمان اللذان لم يريا والدهما قط ، ثم تكفل بعد ذلك بمختار إبن أبوبكر وإبن خديجة أيضا ، إضافة لكفالة أخته الأخرى فاطمه التي ترك لها زوجها إبن واحد هو يوسف عثمان حسن ، تلك كانت أسرة الخال يحي ، قام تجاهها بكل الواجب الذي يقوم به الأباء حيال أبنائهم وأسرهم ، ثم جئت أنا لألتحق بتلك الأسرة قادما من ولاية الجزيرة حيث الوالد والأخوان والأخوات ولأدرس المرحلة الوسطي .
تلك السنة التي سكنت فيها مع الخال ، كانت في الواقع نقطة التحول الجوهرية في كل حياتي ، لذلك فإن الخال عندي هو أهم منعطفات حياتي كلها .
لقد حدثت في تلك السنة أمور عظام رسمت خطوط مستقبلي المهني والعملي بكل تفاصيلة العريضة والدقيقة ، صالون الخال وهو الميكانيكي كان في الواقع عبارة عن مكتبة ضخمة ، فيها كل المجلات والإصدارات التي كان تصدر في ذلك الزمان أي في نهاية الستينات ، مجلة المصور ، روزليوسف ، آخر ساعة ، العربي ، والكثير من الكتب والإصدارات ، لقد عشقت صالون الخال وكان مزاري الأثير نسبة لما به من كنوز ثقافية هائلة ، لقد إلتهمتها كلها ببساطة وشغف ، ثم ما بعد ذلك حدث ما لم أكن أعرف سره ولا أسبابه .
في المدرسة أجريت مسابقة للصفوف الثلاثة في لكتابة موضوع أو مقال لم أذكر عنوانه لفائدة صحيفة المدرسة الحائطية ، أشتركت فيها ، لم أحس بأي عناء أو جهد وأنا أكتب مشاركتي في تلك المسابقة ، ثم أعلنت النتيجة ، مقالي هو الفائز على مستوى المدرسة ، سألوني كيف كتبته ، لم تكن لي إجابة محددة ، ولم أعرف لماذا كل هذا الكلام كان يكتنز في رأسي .
فيما بعد أدركت بأن ذلك ناتح عن ما قرأته بديوان الخال ، وتلك كانت الإنطلاقة الكبرى في دروب الكتابة ، في كل المراحل الدراسية كان دفتر مادة الإنشاء أو ما يسمى اليوم بالتعبير يمتلئ في بضع موضوعات ، وكان الأساتذة يطلبون مني قراءة ما كتبته أمام الزملاء ، وكنت بعد ذلك المشرف على الجمعية الأدبية في المرحلة الإعدادية .
لقد أسر لي الخال عليه رحمة الله بسر الأسرار ، وهو القراءة والإطلاع ، وكان صالونه وثقافته واسعة الأرجاء هي التي وضعتني فيما بعد في طريق الأشواك الطويل الذي سرت فيه وفي جعبتي قلم  قادر على التصوير والتحليل ، وهو ذاته القلم الذي حفرت به إسمي في الجبال النارية بالعاصمة العُمانية مسقط ، لم يكن القلم قلمي ولا المداد مدادي ، كان الخال هو صاحب كل هذا العطاء ، لذلك كان في الواقع صديقي الأثير ، كنت أفهم لغته تلك العميقة المكتنزة بالهمسات واللمسات التي لا يشعر بها إلا من أمتلك أسرار اللغة ، لهذا كان جلوسي معه يطول ، والحديث معه غير خاضع لمعنى الملل ، كان يفتقدني إذ ما غبت عنه ، وكنت أحن إليه عندما تشغلني عنه أنواء الحياء ، كان هذا الميكانيكي الخال هو أستاذي الأول ، ومدرستي الأولى ، والواحة الظليلة التي انيخ فيها مطاياي بعد كل سفر وترحال مابين المدن البعيدة النائية .
كنت أقول له ضاحكا لولاك لما تعلمت من الحياة شيئا فإنت أستاذي الأكبر ، كان يضحك ويقول بل إنت أستاذي ، يا للهول أنا أستاذ لهذا الجبل الشامخ ، أي تواضع ذاك الذي كان يعتريك ياخال ، وأي زهد ذاك الذي الهمك لرفض قلادة الوفاء التي كللت بها جبينك وأنا أوقن بأنني لم أستطع رد الجميل كله ، فما منحتني أياه لا يرد ، سيبقى في العقل وفي القلب وفي الفؤاد إلى أن يأذن الله بأمر كان مفعولا ، وما سيأذن به الله معروف للكل إذ ستبقى من بعد ذلك تلك الأمنية الأعز وهي أن ألتقيك في ظلال رحمته وفي فردوسه الأعلى مع النبين والصديقين والشهداء ..  



الجمعة، 24 مايو 2019

إلى أين ستقودنا الدكتاتورية اللفظية ؟..


البروفيسور إبراهيم غندور تعرض لتحرش من شاب ثوري إلتقاه في بقالة وأسمعه إياها (يا كوز) ، البوف رد
نعم أنا كذلك وسأظل ، الحقيقة المثلى أن هذه الكلمة (كوز) باتت سلاحا سهلا يستخدم في كنف عنفوان الثورة لردع كل من يخالفنا الرأي ، وبغض النظر عن صحة أو خطأ ماذهب إليه كإيذان لميلاد دكتاتورية لفظية وحسية وعملية وواقعية جديدة ربما لن تقل شراسة عن دكتاتورية النظام البائد ، الزميل والصديق والكاتب العُماني العلم / زاهر بن حارث المحروقي سألني ماذا تعني كلمة (كوز) ولمن تقال ، أوضحت له كل الذي قلته لكم فأسرها زاهر في نفسه .
الدكتاتورية الجديدة ليس فيها مجال للدفاع عن النفس ، كما أن التهمة نفسها لاسند أو مسوق قانوني لها أو فيها ، هي تلقى جزافا ، ومن ثم على المستهدف بالكوزنة أن يجد لنفسه طريقة ما للخلاص ، تماما كمقطع الفيديو الأليم لتلك المرأة السودانية العصامية التي حاصرها الإتهام في السوق وإجتمع حولها نفر كبير من أنصار الكلمة (التهمة) فأذاقوها الأمرين .
وعلى الصعيد الشخصي فقد تعرضت للتحرش اللفظي بذات الكلمة والتي يمثلها صورة الديك الأبيض الشهير هذه الأيام والذي يدل ويشير للكوزنة في أبهى معانيها وذلك في جروب (سودان وحدة تنوع ثقافي) ، إسم الجروب يتعارض مع منهجه بطبيعة الحال ، فليس فيه وحدة ولا تنوع ثقافي ، فبعد أن أجمعوا على إنني كذلك قرروا طردي من الجروب بإعتباري ثورة مضادة !!..
هؤلاء المساكين لايعلمون بأنني قد سبقت الثوار بأربع أعوام كاملة عندما طالبت البشير عام 2015 بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة في تنبؤ مبهر للثورة وللدمار الذي ستقترن به وهذا ماتم على وجه الدقة .
فمن الأحق بالثورة نحن أم أولئك الذين أتهمونا بالكوزنة والثورة المضادة ، لم أندهش إذ هم أتخذوا وسيلتهم المفضلة في الحوار وهي (القمع) .
الأقصوصة بدأت مع موقفي الثابت والواضح بشأن البيانات الغير موقعة والتي تعج بها الأسافير ، محرضة تارة ، وحاثة على تصرفات قد تفضي لجرائم جنائية كما حدث بالفعل مع البيانات الغير موقعة والتي طالبت أولئك الشباب المخلصين لثورتهم بتوسيع دائرة الإعتصام لتشمل إحتلال شوارع الخرطوم ، في أكبر أخطاء الثورة على الإطلاق ، ماحدث هو أن المواطن العادي تأزى بنحو إليم ، وفشل المرضى وسيارات الإسعاف من الوصول للمستشفيات وغيرها من صور الإنفلات ، ثم حدثت صدامات مسلحة في إطار المعمعة سقط فيها جرحى وقتلى ، ثم إستدركت الثورة فداحة الخطأ فعادت عنه ولكن بعد فوات الأوان .
فقد وقعت بالفعل جرائم ، وأريقت دماء ، عدنا للبيانات المحرضة ، لأجل تقديم المحرضين لـ (العدالة) وهي إحدى شعارات الثورة فوجدناها غير موقعه ولا أسماء فيها ، إذن من المسؤول عن هذا الخطأ القاتل ، حتى الأن لا أحد ، وسجلت الجريمة ضد مجهول .
لذلك كان موقفي الذي طردت بسببه من ذلك الجروب الديكتاتوري يتمحور حول ضرورة أن يحمل أي بيان أسم كاتبه رباعيا وموقعه من التنظيم الذي يتحدث بإسمة لأجل تحديد المسؤولية عند وقوع الكوارث والنوائب ، ومن أجل الحد من الأكاذيب والإشاعات التي باتت تزكم الأنوف في الأسافير ، ومن أجل تحديد المسؤولية بنحو فردي أو جماعي حاسم ، ومن أجل أن يتحمل كل مذنب ومخطئ وكاذب عقاب جرمه وإفكه ، ألم تندلع الثورة أصلا من أجل إستتباب أركان العدل بعد أن إنفرط عقده في العهد البائد ؟..
غير أن الثورة هنا وفي هذا النقطة تصر حتى الآن على تقديم البيانات غير موقعه ومجهولة المصدر ، إذ يسرها أن يُساق الناس كالأنعمام ، فالشعار الذي يوضع أحيانا على أعلى البيان يمكن إستنساخة وبالتالي لايعد كافيا للتحقق من المصدر ، وبذلك إختلط الغث بالسمين إذ يمكن لأي شخص أن يكتب بيانا ويبثه عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويزعم فيه إنه (تجمع المتعطلين المتحد) على سبيل المثال لا الحصر ، وإنه يدعو الثوار لأي فعل ذميم ، كردم نهر النيل مثلا ، وعندما ينساق البعض لتنفيذ الأمر وتقع جريمة ، لن نجد المحرض الأساس ، العدالة مكبلة ساقيها ومعصوبة العينين في كنف الثورة ، الجنون هو مانراه الآن في وسائل التواصل .
كل أعداء الوطن في المنافي هم الآن في الخرطوم جاءوا لمؤازة الثورة زعما ، غير أن الحقيقة المثلى هو أنهم هنا للإجهاز على الوطن وبضربة سيف واحدة وتحت خيمة الثورة ، لقد إنفرط العقد وبنحو غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث .
المخلصون والحادبون على مصلحة الوطن والثوار بحق لايعلمون حتى الآن بأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون ، فإذا مامات الوطن ماتوا هم أيضا ..
هناك هدف متفق عليه في دوائر الأعادي في باريس ولندن وواشنطن وتل أبيب ، هي إستراتيجية قديمة لن تتحقق إلا بتدمير الجيش السوداني والدعم السريع واللذان يقفان كشوكة في خاصرتهم ، ثم هما كالغصة في حناجرهم ، الثوار لايعلمون .
غير إنهم سيدركون عندما يقفون أمام المقاصل التي ستنصب في شوارع الخرطوم إذ ما إنهار الجيش وحلت محله جيوش الأعادي بعد أن يخرجون من أجداثهم متدثرين بأحقاد السنين على وطن هو الأطول باعا شموخا وعزة وكبرياء في قارة المآسي والأفعال فادحة العواقب .
الإتحاد الإفريقي لايعلم شيئا عن أسرار الصراع المميت لتدمير هذا الهرم الإفريقي الأشم ، لذلك نراه يهذى في إديس أبابا بغير علم ، وكنا نود أن يدرك بان المسألة ليست تسليم سلطة للمدنيين فحسب ، إنها أكبر من ذلك بكثير ، إفريقيا لاتعلم بأنها لن تهنأ بأي سلام إذ ما تفتت وطن بحجم السودان ، غير إن البيت الأبيض يعلم ، وبأريس ولندن يعلمون ، فخارطة تقسيم السودان موجودة في تلك العواصم منذ سنين طويلة مضت وهم يحلمون بتنفيذها الآن على أرض الواقع ، هي سايكس بيكو الجديدة بكل تجلياتها ، وهاهي لحظات قطف الثمار وقد دنا أجلها.
لن يغفر التاريخ أبدا للذين يناصبون الجيش العداء بإعتباره مخلوقا مسخا وغريبا يتعين سحقه ، لن يصدقوا عندما يعلمون أن بقائهم في الوجود مرهون ببقاء هذا الجيش قوة ضاربة وساحقة ، هم يصفقون عندما تأت تصريحات من واشنطن تطالب بسرعة تسليم السلطة للمدنيين هكذا بغير تعقل أو تمهل ، هم يعتقدون بأن الوحش ترمب محب فعلا للسودان وأهله لذلك يهللون ويكبرون مع كل تصريح نشاز صادر من بيته الأسود  ، جمعينا نريدها مدنية صرفة ، لا أحد يختلف في ذلك ، ولكن من هم أولئك المدنيون ؟!..
واقعنا السياسي أو شارعنا السياسي يعج بالغريب وبالعجيب ، مشاهد ما أنزل الله بها من سلطان ، إذ هي المرة الأولى في تاريخ الأمم والشعوب التي تتأفف فيها بعض (الكيانات أو الكائنات) السياسية السودانية من ذكر كلمة (انتخابات) ، الكلمة أضحت مخيفة ومفزعة وغير مقبولة ، مع إنها الهدف الأساس لعودة الديمقراطية المفتقدة لهذا الوطن ، وهي أحدى وأكبر مطالب الثورة ، من ذلك نخلص إلى أن السعي المحموم ليس للديمقراطية كهدف وغاية وإنما للسلطة حتى بغير إستئذان من صاحب الأمر والنهي إلا وهو (الشعب) المغيب لايزال والممنوع من قول كلمة تخص حاضرة ومستقبله ، فأين العدل ثم أين الإستواء ؟!!
وفي اسوأ السنياروهات على الإطلاق ولانرغب أبدا في الوصول لذلك الدرك السحقيق من القنوط ، فان المجلس العسكري وحتى لايقف أمام التاريخ حاسر الرأس ملعونا أمام الأمة إلى يوم الدين ، بإعتباره قد فرط ثم أضاع السودان بكل مجده وشموخه ، وإذا لم يستوعب الفرقاء هول الكارثة وحجم الخطر ، فعليه أن يعيد السلطة لصاحبها (هتلر) القابع الآن في سجن كوبر مع باقة من الإعتذار النبيل ، لنرى بعدها من ياترى قادر على إنتزاعها من بين يدي هذا الأسد الهصور العائد لعرينه بعد غياب قصير ؟!!!!!..



ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ـ الخرطوم
مشرف جروب قدامي المحاربين الإعلاميين
00249121338306
dirgham@yahoo.com


السبت، 20 أبريل 2019

(كيزان) قريش هم أنفسهم الصحابة الكرام


بداية لابد من أن نؤكد على الأرض بعض الحقائق الدامغة ، فثورة الشباب السوداني أرها الآن تُسرق ، والأرض تميد تحت أقدام المعتصمين الشباب بساحة القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة وهم لايدرون مايحاك بهم في الخفاء والعلن ، ذلك إنني كنت قد حددت ملامح طريق المستقبل وبجلاء وقبل سقوط النظام البائد بشهرين ، حدث ذلك في مقالي بمدونتي الإلكترونية بعنوان (السودان بين مطرقة الواقع وسندان المستقبل) بتاريخ 7 فبراير 2019 ، والموجود تحت الرابط :
والذي نشرته أيضا صحيفة أصداء الإلكترونية العُمانية ، حيث أوضحت فيه بأن الثورة هي ثورة الشباب أصلا وبدءا ، وأوضحت فيها لماذا هم ثائرون وناقمون ، وإقترحت عليهم الشروع بتكوين حزب الشباب وفورا ليتسنى لهم قيادة هذا الوطن والإنتقال به لرحاب المستقبل ، إذ أرى بأن لامكان في كابينة قيادة السودان الجديد للتقليديين (الكهول) والذين تعرفونهم جيدا ، المفارقة بأن نصيحتي للشباب باتت اليوم تجد لها أصداء طيبة في المجتمع ، غير إن مايحزن هو إنني لم أسمع أحد وقد ذكر بأنني صاحب الإقتراح الأصلي ، ذلك في الواقع غير مهم الأهم إنني حددت ملامح الطريق وعلى التاريخ وهو أمين ومؤتمن ولا يجامل ولايهادن حفظ الحقوق لأصحابها إن لم تراعى من قبل البشر .
الآن الثورة على مفترق طرق ، فهاهم الكهول يتفاوضون مع المجلس العسكري تمهيدا للقفز على الكراسي اللعينة ، ولكنني لم أر شبابا في خضم التدافع المحموم ، لقد أقنعوهم أو لنقل خدعوهم بالبقاء في الميدان يغنون ويأكلون ويمرحون ويرقصون ويطلقون أهازيج الظفر ، بينما هم أو (كبار السن) يخططون لحكم البلاد ، تلك هي الكارثة ، لقد عهدناهم قبلا ولم نجد فيهم خيرا يذكر ، ليكن شعار المرحلة القادمة بأن لامنصب ولا حقيبة وزارية لمن تعدى الـ 40 عاما ، وعلى الشباب الإنتباه لهذه النقطة المشتعلة قبل أن يجدوا أنفسهم في قارعات الطرق يلوكون مرارة علقم الخداع .
حتى الآن وبعد مرور حوالي أسبوعين على سقوط الطاغية والثورة تمضي في طريق التمكين الطويل المترع بالأشواك والأوحال برزت هنا وهناك منقصات وعثرات من الممكن أن تفضي بكل الإنجاز إلى المحرقة ، لقد رأيت مقاطع فيديو لأناس ينفذون القانون بأيديهم وبعصيهم وبألسنتهم وقد أضحت سيوفا بتارة على من يرون بأنهم كانوا (كيزان) ، رأينا ضربا وسحلا ومهانة ، هنا نقول بأن الثورة وإذا ما سارت الأمور على هذا النحو يمكننا القول عندها بأنها قد (إنحرفت) عن جادة الصواب ، ذلك بأن الثوار وقد أسقط في أيديهم لا يستطيعون القول بأنهم ناضلوا لإجتثاث الظلم وغرس نبتة العدل والتي من المفترض أن تمسي بمرور الأيام دوحة مترامية الأطراف تغطي الوطن جميعه بظلها الظليل ، لا يستطيعون الزعم بأنهم كذلك وبإعتبارهم يسيرون في ذات طريق (الكيزان) ، وإنه بالتالي لافرق بين ظالم وظالم فكلاهما في النار .
هذه هي القضية التي لم ينتبه إليها الغاضبون وهم ينفذون القانون بأيديهم ، تاريخيا وإسلاميا وعندما سقطت مكة تحت سنابك جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجميعنا يعلم ماذا فعل (كيزان) قريش برسول الله ، لقد ساموه مر العذاب ومر الهوان ، ثم طردوه من موطنه مكه فهاجر ليثرب التي أضحت فيما بعد المدينة المنورة ، كان في إمكانه أن يفعل ذات الذي فعله ثوار السودان ، فهو الأعز والأعلى والأقوى ، لقد تبدلت موازين القوى ، غير إنه عفا عنهم جميعا ، ماحدث بعد ذلك هو إن (كيزان) أو كفار قريش أمسوا هم أنفسهم الصحابة الكرام والذين عندما نذكرهم الآن لابد من أن نقول عبارة (رضي الله عنه) توقيرا وإجلالا ، فكيف نال كيزان قريش هذه المكانة الرفيعة عند الله ورسوله ، نالوها بسلاح فتاك إستخدمه رسول الله وهو العفو عند المقدرة ، فأسلموا وحسن إسلامهم وأضحوا جنودا أشاوس تحت راية رسول الله ففتحوا الأمصار والأقطار ودانت لهم الريادة والسيادة على كل جزيرة العرب .
فلو أن رسول الله إستباح دمائهم ، لأضحوا معارضين أشداء للنظام الجديد بمكة ، نحن لاننادي بغض الطرف عن المسروقات في العهد البائد فهي حق معلوم لهذا الشعب الصابر لابد من إستعادته ، ولا نطالب بغض الطرف عن القصاص من الرموز الذين فسدوا ثم أفسدوا ولكننا نطالب بالتعقل وركوب موجة الموعظة الحسنة فهي أمضى سبيلا في الحصول على نتائج باهرة تصب في مصلحة الوطن وضمان مستقبله .
لنا أن نصدق بأن نيران الكراهية المشتعل أوارها هذه الأيام في كل ربوع الوطن لكل (كوز ندوسوا دوس) لن تفضي في نهاية المطاف لبناء وطن كالبنيان المرصوص ، فالكراهية لن تلد غير الغل ، والغل لن يصاحب غير المقت ، والمقت لن يلد غير الإنتقام ذاك الكريه والذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع (أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم) ، فهل ياترى سنمضي قدما في بناء منظومة للكراهية سامقة في ربوع الوطن ثم نقف على الإطلال والدمن لنزعم بأن الثورة قد أنجزت ماوعدت ، وأنها قد أوفت وقدمت للعالم هذا السودان الجديد الشامخ ، والحقيقة المثلى هو إنه إطلال ورفات وجماجم وأشلاء هذا ماسيكون حكما لاقدر الله .
لننتبه لهذه المفارقة المكانية والزمانية وهي أن المعارضة السودانية التي كانت في الخارج وفي عواصم أوروبا وأميركا ، وكانت تسعى لأسقاط النظام ، هاهو النظام قد سقط ، فأرتج عليهم ، لقد كانوا يسعون لإسقاط النظام ، غير أنهم وفي قرارة أنفسهم لايتمنون سقوط النظام ، أوروبا لن تمنح أي مزايا للإقامة بدعوى الإضطهاد من قبل نظام شمولي في الخرطوم ، إذن لابد لهم من العودة للوطن ، ستتوقف الأعطيات والبذخ الذي كانوا فيه يتقلبون ، لقد إنتفت الأسباب .
هل تدرون سادتي ماذا سيحدث في المستقبل القريب أن إنتم لاتزالون ترفعون أعلام الكراهية وتطبقون القانون بأيديكم ، ماسيحدث هو إن (الكيزان) سينتقلون لأوروبا وأميركا ليحلوا محل المعارضة التي كانت هناك ، وسيقولون بأنهم مضطهدون في وطنهم وفي جعبتهم مقاطع فيديو تثبت ذلك ، وستمنحهم العواصم المتحضرة حق اللجؤ السياسي ، وسيبدأون من هناك في إرسال زخات من الصداع للنظام الجديد في الخرطوم ، صداع كالذي كان يلف عمر البشير حتى أعياه ثم أرداه .
وهل تعرفون من هم المتمردين الجدد في أطراف الوطن وعلى الحدود مع الدول المجاورة هم أنفسهم (الكيزان) ، وسيبدأون من هناك بشن الهجمات وإثارة النعرات وعرقلة جهود التنمية بالوطن .
إذن التاريخ سيعيد نفسه من جديد ، وسنجد أنفسنا في دوامة صراعات لا تنتهي إلى يوم الدين ، والسبب بسيط هو أننا لم نستطع أن نستلهم من سيرة المصطفى أي معنى يعيننا على التصرف بحكمة عندما نصرنا الله نصرا عزيزا ، اللهم إني قد بلغت اللهم فأشهد ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ـ الخرطوم
dirgham@yahoo.com

السبت، 13 أبريل 2019

البشير وأقصوصة المُلك الذي لايبلى


الشيطان هو الذي وسوس لآدم عليه السلام عندما قال له (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) ، ولأن المُلك الذي لايبلى سيبقى أبد الدهر لعنة تطارد بني الإنسان ، تماما كالنازلة التي صدقها آدم ، والنتيجة إنه هبط بنا إلى هذه الديار المنكوبة في حظها من المصائب والنوائب .
ا
لرئيس السوداني السابق أو المخلوع عمر البشير ، هكذا أمسى وصفه ، صدق هو الآخر أقصوصة المُلك الذي لايبلى ، حدث ذلك عندما وسوس له المنتفعون وبطانة السؤ بأن يستمر ، فعقد العزم على المضي قدما حتى الرمق الأخير ، هم شياطينه الذين أوعزوا إليه فكرة الترشح لفترة جديدة أو لفترة مفتوحة من بعد تعديل الدستور ليسمح له بالبقاء شاهرا سيفه أبد الدهر فوق رؤوس الشعب السوداني البطل ، تلك كانت القشة التي قصمت ظهر بعيره الأعرج ، وذلك هو الإستفزاز الذي حرك بركان الغضب في سويداء المواطن المستكين حلما وصبرا ، فغضب ثم ثار ، والسوداني عندما يغضب فإنه سيتحول لبركان لن ينطفئ أبدا وهذا ماحدث على وجه الدقة .
النكبة الحديثة بدأت مع تباشير انتخابات عام 2015 ، عندها ووقتها كنت أنا (المجنون) الوحيد على إمتداد الوطن طولا وعرضا الذي قدم النصيحة خالصة للبشير بأن لايترشح لفترة أخرى تمتد حتى 2020 ، وهو القابع فوق الصدور كالقدر منذ عام 1989 ، حدث ذلك يوم السبت 10 يناير 2015 أي قبل أربعة أعوام وثلاثة أشهر منذ يوم النزع ، والواقعة موثقة في مدونتي الإلكتروني تحت الرابط :
وفي ذات المقال الذي حمل عنوان :
(إن كنتم تحبونه لا ترشحونه) وهذا المقال سيبقى الأهم على الإطلاق في تاريخ السودان الحديث ، لجهة إنه سبق أحداث اليوم بأعوام ثلاثة .
قلت في ذاك المقال بأن الفرصة مواتية للبشير لدخول نادي العظماء الأفارقة بمعية نلسون مانديلا والمشير سوار الذهب ، وأن عليه أن لا يترك الفرصة تتسربل من بين يديه ، فالسوانح لا تأتي تباعا ، ولو إنه إستمع لنصيحتي وترك هذا الكرسي اللعين لكان قد أسدى خدمة جليلة لنفسه أولا ، وللسودان الوطن ثانيا ، كان سيرسي قواعد راسخة للديمقراطية السودانية لتغدو ملهمة للقارة بأسرها ، وكان من المفترض أن نقود الآن إفريقيا القارة في سلامة وعلو كعب نظامنا الديمقراطي المتفرد ، وكان سيحظى أبد الدهر بالإحترام كله من أبناء شعبه ومن شعوب القارة بأسرها ، لكنه رفض ، لقد أعتبرني أعضاء المؤتمر الوطني الحاكم معتوها لا يعرف ماذا يقول ، لقد صدقوها وآمنوا بفكرة الخلود كحتمية يستحقها فخامته .
ولأن الخلود هو في الواقع سراب كذوب ، فقد أبى البشير إلا أن يحيل نفسه وبنفسه لمزبلة التاريخ رفيقا شامخا لكل الرؤساء والزعماء الأفارقة الذي رفضوا مغادرة الكرسي إلا بـ (النزع) الأليم .
في الواقع ماكنت أريدها له ، فلو صدقني وإنتصح يوم نصحته لكان الآن في رغد من العيش مريح بين أهله وعشيرته ، كنت أرى الجحيم هناك يمور فيما خلف خط الأفق محدثا جلبة وصراخا وهتافا وإحتجاجا ، لعلها كانت نذر الثورة التي أقتلعته أو إنتزعته ، ورغم ذلك فإنني أقر بأنني لست زرقاء اليمامة ، عندما قالت لقومها إني أرى شجرا يسير ، فقالوا لها كذبت هذه المرة ، ألمسألة ببساطة هي إن الرجل الحصيف ينبغي له أن يدرك بأن الذين وسوسوا له كانوا أصحاب مصالح خاصة لا أكثر ولا أقل ، وهي ذاتها المصالح التي تسمى بصحيح اللغة بـ (الفساد) الذي أهلك  الوطن بما فيه ومن فيه ، وعليه الآن دفع الثمن كاملا ، فلا عذر لمن أنذر .
في التو واللحظة فإن التاريخ الذي لايرحم وعندما يتناول أقصوصة عمر حسن أحمد البشير من بعد سقوط كلمة (الرئيس) من أمام أسمه ، وسقوط (فخامة) من سياق وصفه ، ليُذكر فقط بأسمه المجرد من أي ألقاب دنيوية ، وعندما يتم إستعراض ماقدمه طيلة الـ 30 عاما من السباحة عكس تيار الحقيقة ، سنخلص إلى إنه لم يقدم شيئا يشفع له يوم الدين وأمام شعبه قبل ذلك ، لقد أضاع بإرادته الحرة فرصة أن يغدو حزبه البائد الآن قدوة لأحزاب القارة ، ومن المفترض جدلا إنه الحزب الأقدم ربما في القارة وقد إقترب رشدا من عمر النبوه هكذا إفتراضا ، لقد أضرم النار في كل عضوية حزبه ثم إنتحر على طريقته الخاصة ، وكانت الـ 30 عاما التي قضاها ملتصقا بالكرسي كانت في التاريخ هباء منثورا ، هذا هو إنجازه الأََضخم .
كان على الأقل لو تركها عام 2015 كما نصحته لكان ذلك الحدث يعتبر إنجازا يحسب له لا عليه ، وقد يغفر له الشعب كل عثراته المهلكات الماضيات ، ولكنا كوطن قد إنجزنا شيئا في الأعوام الأربعة التي فصلت مابين تاريخ النصيحة وتاريخ النزع .
وعلى الصعيد الشخصي كان سيجنب نفسه إرهاصات المحاكمات لا المحاكمة التي تنتظره هو وزوجته الأحدث ورفاق دربه الميمامين الذين أثروا على حساب قوت الشعب وعلاج أفراد الشعب ومستقبل شباب الشعب ، وتعليم أبناء الشعب ، والتعليم أضحي للقادرين عليه لا لكل أبناء الشعب ، وتلك الطامة الكبرى وقد أرعدت ،  لقد تم تخصيص كل الخدمات التي كانت في يوم من الأيام مجانية لكل الناس ولم يعد الفقراء يستطيعون شراء دواء أو مقابلة طبيب إلا بعد الدفع ، وبدون الدفع الموت الرحيم في الإنتظار ، ولطالما إنتقلت أرواح علينا عزيزة للرفيق الأعلى بسبب أنهم لايملكون ثمن العلاج في وطن يفترض أنه الأغنى إفريقيا ، ولطالما غردنا وكتبنا وإنتقدنا تلك الوقائع السوداء بدون أن نجد آذانا صاغية ، كل الذين قضوا نحبهم لضيق ذات اليد في عهد البشير ملفاتهم مفتوحة أمام المحاكم التي ينتظرها البشير ، والأخطر أن ذات الملفات مفتوحة أمام رب العزة فإلى أين المفر ؟!..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ـ الخرطوم
dirgham@yahoo.com

الخميس، 7 فبراير 2019

السودان بين سندان الواقع ومطرقة المستقبل

إذا كنا قد طالبنا مرارا وتكرارا عبر مقالات وتغريدات وتعليقات طالبنا من الأحزاب السودانية بعددها ذاك المهول طالبناهم بالإندماج وصولا لثلاثة أحزاب على أكثر تقدير ، إلا إن ماقلناه وقتئذٍ لم يجد آذنا صاغية ، ذلك أنهم وجميعا يتطلعون للسلطة وللجلوس على الكرسي الملعون ، ورغم أن السعي للوصول لتلك الغاية هو حق مشروع ولاغبار عليه ، ولكننا نتحدث هنا عن فوضوية وجود أحزاب بذلك العدد ، ففيه تشتيت للقوى وتفريق حتمي بين أبناء الوطن في شعاب المصالح الذاتية لا الوطنية بالضرورة ، إلى أن جاءت الإحتجاجات الأخيرة لتكشف عوارات تلك الأحزاب ، ليتضح لنا جميعا أنها لاتملك من أمرها رشدا ، وأنها لاتملك أي رصيد جماهيري يذكر ، وأنها صفر ضخم على الشمال لا أكثر ولا أقل .
الإحتجاجات قادها (الشباب السوداني) هكذا يمكننا تلخيص الواقع ، وحتى من يسمون أنفسهم بـ (تجمع المهنيين) لا نحسب إنه قد قاد الحراك الأخير ، الأسباب الموضوعية والواقعية والمنطقية هي التي حركت الأحداث ، الشباب وجدوا أنفسهم في قارعات الطرق ، كل الأبواب كانت أمامهم موصدة ، كل الآمال التي يحلمون بتحقيقها رجاء وعشما في مستقبل مشرق لم تكن إلا حشفا ، كل تلك الإرهاصات كانت تلمع أمامهم هناك في متاهات الشوق النبيل وفي بحور السراب البعيدة وإذ هي تنادي بأن حي على الضياع ، كل الذين لفظتهم الجامعات ولا نقول تخرجوا فيها هم عطالى وبعضهم قد ضل صراحة سواء السبيل ، فعاقر المنكرات والمخدرات أو هي التي عاقرته لايهم ، وزاد الطين بله واقع إقتصادي معروف ولسنا بصدد وصفه وإعادة رسم سحناته التي لا تسر الناظرين .
لن ننسى أبدا مجموعات الشباب السوداني الذين وقعوا ضحايا للعصابات الليببية فساموهم سؤ العذاب ضربا وسحلا وتعذيبا ، شاهدناهم في مقاطع فيديو تم تداولها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، عندها أيقنا بأن هؤلاء الشباب وهم فلذات الأكباد حقا ، آلوا على أنفسهم إجتياز الحدود السودانية الليبية هربا من المصير الأسود الذي ينتظرهم في حضن الوطن الذي ماعاد دافئا بل غدى ساما وحارقا وقاتلا ، رأوا في العذاب والهوان في الصحارى الليبيه أو على متن قوارب الموت في عرض المحيطات تتناوشهم أسماك القرش ويواجهون غضب الأمواج العاتيات أملا في الوصول لشواطئ إيطاليا ومنها لفراديس أوروبا الرحيبة ، أولئك الأعزاء هو الأعز في دنيانا نحن الأباء الأجلاء إفتراضا ، تركوه لأن الوطن لايستحق أن يُعاش فيه ، هكذا غدى ، ثم إنه قد بخسهم حقهم في الوجود على ترابه ، فتركوه ميممين وجوههم صوب وصدر الموت الحنون ، فهم وأن ماتوا غرقا أو سحلا أو غدرا فهذه هي الشهادة الحقه المفضية لجنات الله الرحيبة .
هذا المشهد بكل ضبابيته ، بكل دخانه ، بكل لهيبه وناره ، بكل عذاباته وآلامه ، بكل جراحاته النازفة من شرايين الحقيقة الساحقة والماحقة هي التي قادت الأحداث في شوارع المدن السودانية وليس تجمع المهنيين ذلك الكيان الواتسابي والفيسبوكي المفتقر للأسماء والشخوص التي من المفترض أنها تقود الأحداث جهرة لا خلف الأبواب الموصودة في عواصم أوروبا  أو لنقل أنها تقود الأحداث فيما خلف دخان الضباب وهما وزعما .
المحصلة أن الأحداث قد رسمت لنا صورة واضحة لملامح السودان الجديد فيما بعد موت الأحزاب السودانية وتشييعها لمواثها الأخير الذي لاقيام بعده ، تفريقا مابين موت الإنسان الذي سيعقبه نشور آت لامحالة ، ومابين موتها الذي لانشور بعده أبدا .
 لقد قرر شباب السودان الإعلان للأمة السودانية الصابرة لاتزال ، إنتهاء العصر الطباشيري السوداني الكالح الملامح والقسمات ، والمتدثر بأسمال الحزبية وبالقبلية والطائفية والعشائرية والمناطقية ، وبداية عصر جديد عنوانه الدال عليه في الآفاق البعيدة والمقترنة هناك مع خط الأفق أو خط الإستواء هو ميلاد السودان المتحد والذي يقوده الشباب لا الكهول ، الشباب المؤمن بوطن واحد تسوده العدالة وحكم القانون ، ولا مكان فيه لمحسوبية أو عشائرية ، تلك الأفات والديدان التي أقعدت الوطن منذ إستقلاله العاثر عام 1956 .
التظاهرات لم تمجد قبيلة أو طائفة أو حزب ، كانت مطالب قومية سودانية مشروعة وذلك في إطارها المنطقي وقبل أن يحاول أصحاب الأجندة الخاصة إستغلالها لتمرير أهدافهم الشريرة التي تروم النيل من الوطن تدميرا وتمزيقا ، في إطار الخارطة الإقليمية المعدة سلفا والموجودة حاليا في خزائن الأعادي في واشنطن وتل أبيب والتي تشير إلى عدة أقطار مترنحة ومتفاوتة في المساحة ، ومتساوية في الضآلة ، ومتشبعة من قمة الرأس حتى أخمص القدمين بالمقت والكره لدويلات الجوار ، والتي كانت تمثل السودان القارة قبلا .
الآن في التو واللحظة فإن مانراه ماثلا أمامنا هو ميلاد (حزب الشباب السوداني) كحزب جديد نهض وسمق فوق رفات وجماجم أحزاب التيه السودانية التي أُبتلي بها الوطن طيلة عقود من الزمان قاسية ، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع في خطبة حجة الوداع أسس قيام دولة العدالة الإسلامية وعاصمتها المدينة المنورة فإنه قد أقامها بعد أن مزق دستور الجاهلية أمام الملأ وبضربة سيف واحدة .
أعلن بداية أن لامكان للمحسوبية ذلك الفيروس الذي مزق أكباد شباب الوطن ، كان الفرمان الأول قاسيا على (آل عبد المطلب) وهم الأهل والعشيرة ، حدث ذلك عندما قال صلى الله عليه وسلم إن ربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن (عبد المطلب) ، وأن دماء الجاهلية موضوعة وأول دم أبدا به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن (عبد المطلب) ، وكذلك قال المصطفى وأيم الله لو أن (فاطمة) بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، إذن على تلك العمد قامت ياسادتي دولة العدالة وقبل أن نقول دولة الإسلام الأولى ، فإن لم تكن للعدالة تاج وصولجان وسلطان في حماها فلا هي مسلمة ولا سكانها مسلمون .
في سودان الإقطاعيات الطائفية والحزبية وسودان الأيدلوجيات الإسلامية زعما لا تطبيقا محمديا ، لم يتجرأ أحد منهم وهم دهاقنة المحسوبية التي أصابت شباب الوطن في مقتل  لم يتجرأ أحدهم على النأي الأبدي من الأقارب والزوجات والأبناء والأحفاد وإذ الأمر متعلق بقيادة دولة لابقيادة ضيعة ، فكانوا ولا يزالون كبراغيث تمتص رحيق دماء الشباب قبلا والكهول حاليا ، والشباب حاليا والكهول غدا ، هؤلاء هم ورثة ربا الجاهلية الموضوع بأمر رسول الله .
 إذن ماتمخض عنه هذا المخاض العسير والأليم هو حزب الشباب من خلال شعارهم المرفوع إسفيريا (تسقط بس) ، وحزب (الشهب) أو حزب (النجوم) هكذا أسميه ولهم الحق في الإحتفاظ بالإسم القديم ، وبه شباب أيضا تلك حقيقة ، وبشعاره المرفوع إسفيريا أيضا (تقعد بس) ، ومادون ذلك لاوجود لأي نوع من أنواع النمل ولا وجود حتى لدابة الأرض التي كانت ومابرحت تأكل منسأته حتى خر ، ودابة الأرض السودانية معروفة بالإسم وبالشكل وبالقسمات وقد نزلت الميدان مؤخرا تروم القيادة إختطافا من أيدي الشباب ، فكان أن أنفض الشباب وتركوا الدابة وحيدة تلعق مرارة الهجران الأليم .
وبناء عليه فعلى كل حزب إختيار رئيسه الشاب ديمقراطيا من الآن وليكن على وزن الأثيوبي أبي أحمد أو لنقل أفضل منه  علما وأدبا وتواضعا وعزة ، ويجب أن لا يزيد عمر الرئيس عن 40 عاما فقط ، وهو الذي سيغدو الرئيس السوداني المنتخب رقم (2) ، وليستعد الجميع لخوض انتخابات 2020 وتلك هي التي ستفضي لميلاد السودان الجديد على قيم المحبة أولا ، والعدالة ثانيا ، والديمقراطية ثالثا وأخيرا ، وبذلك فقط يمكننا أن نراهن على بزوغ نجم جديد وساطع وباهر ومبهر إذ بحكم إمكاناته وموارده هو الأغنى والأغلى في عموم إفريقيا القارة ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب