الخميس، 17 سبتمبر 2015

عندما يتم كنسهن !!!



 التصريح المرعب الذي تناقلته الصحف اليومية السودانية يوم الأربعاء 16 سبتمبر 2015 الجاري والمنسوب لمعتمد الخرطوم الجديد والقائل بإنه سيقوم بـ (تنظيف) العاصمة القومية السودانية من ستات الشاي أثار حالة من الرعب والزعر وسطهن ، وحالة من الغضب والإحباط لدى الشارع السوداني إذ يبدو إن حظوظ ستات الشاي من الكادحات العاملات المجاهدات في ميادين الوغي في بلادي أمست عاثرة ، وجروحهن غدت غائرة ،  وآلامهن أمست لا تطاق ، وقبل أن نخوض في المزيد نتمنى أن يكون التصريح المنسوب للمسئول خاطئا أو تم تحريفه أو تم فهمه بطريقة غير صحيحة وهي العبارات الصحفية الدبلوماسبة التي تستخدم عادة في حالة التراجع عن التصريحات الغير موفقة والغير مسئولة واللا مدروسة أيضا .
وعند كلمة (تنظيف) توقفت مليا ، حدقت ، تمعنت ، أجلت النظر ، ثم أعملت الفكر ، فالنظافة من الإيمان ، هكذا علمونا منذ نعومة أظفارنا ، والأدران تزال بالغسل والغسيل وبإستخدام الماء والصابون والمعقمات والمطهرات ، أما الأرض من ميادين وساحات ومتتنزهات فإن نظافتها تتم بـ (الكنس) ، والكنس يتم بإستخدام (المكشاشة) بالدارجة السودانية وهي الألة المصنوعة من جريد النخل وتعمل في الأرض لتدفع الأوساخ بعيدا ثم يتم تجميعها ، ثم يتم نقلها إلى موضع ومواضع النفايات ، وهناك سيتم إما حرقها أو دفنها أو معالجتها وتدويرها ، وكلها مراحل قاسية ومؤلمة تستدعي الصراخ بصدق لو كانت للنفايات أرواح وأجساد تحس بها عذابات الطرق والسحق والحرق .
المؤسف إنه تم إستخدام مصطلح (تنظيف) في مواجهة ستات الشاي ، إذن وبالمنطق وبالتحليل وبالقياس فهن (نفايات) ، فهل هن بالفعل كذلك ؟.. ما أنا علي يقين منه إنهن غير ذلك ، فالواقع الذي نعرفه إنهن خرجن للعمل في هذه المهنة الشاقة لسبب واحد نعرفه جميعا إلا قليلا ، وببساطة شديدة فهن يعلن أسرا ، ويطعمن أفواه ، ويعلمن أبناء ، ويكفلن أيتام ، ويساعدن أرامل ومحتاجين وأصحاب حاجات ، في ظل عدم وجود جهات ترعاهن أنفسهن إذ هن في حاجة للراعية والحماية أصلا وقبلا وبدءا ، وبما إننا لم نوفر لهن من ذلك شيئا سارعنا للدعوة (لكنسهن) حتى تعود الخرطوم نظيفة بهية حسنة المنظر رائعة المحيا ، إلى هذا المنحى إهتدينا .
على مرمى حجر مني توجدة السيدة / سلوى ، ست شئ نعم ، قرأت لها بالأمس التصريح المرعب لطمت خديها بكلتا يديها وصرخت في خوف ولوعة ووجيعة (سجمي) سوينا شنو ؟..
كان السؤال تلقائيا وعفويا ومشروعا في هكذا حالات ، غير إنني لم أستطع الإجابة عليه فأنا في الواقع لا أعلم ماذا فعلن لأجيبها ، عليه فقد ظل سؤالها عالقا يسبح في الهواء الطلق ويرمى بظلالة القاتمة على حاضرنا ومستقبلنا في آن معا ، أقول ذلك إذ أعلم بان السيدة / سلوى ترعى طفلها اليتيم والذي يدرس في مرحلة الأساس ، وقد فقد والده في إحدى الصراعات المخجلة التي تحدث ببلادنا ، حاولنا أن نستخرج شهادة وفاة للوالد حتى يتسنى لنا تقديم مساعدات لها وله عبر أي منظمة ترعى الأيتام ، غير إن جهودنا تعثرت لأن أهل القتيل رفضوا تسليم الزوجة تلك الشهادة بحجة إنهم لم يأخذوا بـ (ثارهم) !!!  بعد ، هذا المنطق لا يزال سائدا في السودان لهذا فنحن متخلفون وسنظل كذلك ما بقى هذا الفكر سائدا فينا ، كما إن سلوى فشلت في إستخراج شهادة ميلاد لإبنها لغياب الوالد ، ولصعوبات إدارية وإجتماعية أخرى ، وفوق هذا فهي تتكلفل بعلاج والدتها التي تعاني من السرطان ، كل ذلك من ريع عملها الشريف في بيع الشاي وإذ هي ست شاي والتي سيتم تنظيفها قريبا جدا لتغدو الخرطوم جميلة ، إنا لله إنا إليه راجعون ...

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب مستقل
مدير جروب قدامى المحاربين الإعلاميين العرب
00249121338306

الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

عفوا عزيزي زاهر .. فنحن أسوأ مما تعتقد !!



الزميل العزيز والإعلامي العماني / زاهر بن حارث المحروقي ، كتب مقالا مضرجا بلون الدم بصحيفة الرؤية العُمانية بتاريخ : 8 /9/2015 قام فيه وعبره بتعرية المواقف المخزية لأمتنا العربية المجيدة أو اللا مجيدة أيهما كان أقرب تجاه مأساة اللاجئين السوريين عندما رفضت عواصم العرب إلا واحدة إستقبال أخوتهم في العروبة والدين والتاريخ ، إذ لم يشفع لسوريا الدولة ما قدمته عبر التاريخ للعرب وللعروبة من مآثر ومواقف خلدها التاريخ عندما كانت تعتبر المواطن العربي أين كان
مواطنا سوريا ، لم يدر بلخد أي فرد من أفراد هذا الشعب الأبي إن أمتهم العربية ليس من شيمها الوفاء ورد الجميل مصداقا للمعنى المزدوج للآية الكريمة (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان) ، أيقن الشعب السوري الآن بأن أوروبا الكافرة والمتحضرة أحن إليهم وأقرب إليهم في حقل الإنسانية من أخوتهم في الدين والعروبة فتدافعوا إليها لا يلوون على شئ رغم خطر الموت غرقا في بحر لا يعترف كالعرب بأصول الإنسانية .
وعبر هذا الموقف العربي القومي المشين بأت الإسلام كله في خطر وباتت العروبة أيضا في خطر ، ويتحمل قادة العرب كل الأوزار التي سيسجلها التاريخ في صحائفة كأكبر خطيئة قومية في العصر الحديث ، لقد ذهب البعض للإعتقاد بأن دخول اللآجئين السوريين لأوروبا إنطلاقا من ألمانيا المتسامحة سيعني بأن الإسلام قد وجد له موطئ قدم في أوروبا النظيفة وهذا مكسب في حد ذاته ، قد يكون ذلك صحيحا من الناحية النظرية ولكنه ليس دقيقا من الناحية العملية ذلك إن الأوربيين مع إقرارنا بأنهم أفضل منا إنسانيا إلا إنهم أيضا ليسوا بأغبياء ، كل ما هناك إنهم سينشطون في إلحاق تلك الأفواج المهاجرة بالمسيحية سيسعون لذلك بكافة السبل وهنا تكمن الطامة الكبرى .
وإذا كان الزميل المحروقي قد إشتعل غيظا وكمدا وهو يعري هذا الخزي الأليم فإننا نقول بأننا وفي الأصل لم نتقدم قيد أنمله ومنذ أن خطب فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبته العصماء في حجة الوداع قبل أكثر من 1400 سنة ، وقتها قال لنا :
إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم ، ألا هل بلغت اللهم فأشهد ، فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، إن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا ابدأ به ربى عمي العباس بن عبد المطلب، وان دماء الجاهلية موضوعة ، وأول دم أبدا به دم عامر بن ربيعه بن الحارث بن عبد المطلب، وان مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية .
ثم أضاف صلى الله عليه وسلم : أيها الناس إن ربكم واحد، وان أباكم واحد كلكم لآدم وادم من تراب ، إن أكرمكم عند الله اتقاكم وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى ، ألا هل بلغت : قالوا نعم قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب .
لنقف عزيزي زاهر أمام هذا الدستور الذي وضعه لنا رسولنا الكريم بداية من القصة الشعنية التي حدثت في مدينة مونيبلية الفرنسية مع العائلة الخليجية التي أتهمت بممارسة الإستعباد مع الخادمة الأسيوية المرافقة لهم في رحلتهم السياحية عندما وضعوا لها الطعام في طاولة منفصلة وجلست العائلة في طاولة أخرى وبإعتبار إن الخدم لا يجلسون مع السادة وأصحاب الياقات الطويلة ، فكان إن وجهت لهم السلطات إتهامات مباشرة بممارسة الإستعباد وتلك تهمة تصل عقوبتها للسجن 15 عاما حسب قوانين الإتحاد الأوروبي وبغض النظر عن صحة هذا الخبر أو عدمه لكننا لا ننكر هكذا سلوك عربي بل نقر به ونعترف بوجوده .
فمن منا أكثر نظافة وأشراقا من الناحية الإنسانية نحن أم أوروبا الكافرة ؟.. الإجابة واضحة وجلية ولا لبس فيها فنحن وهذا إقرار كامل نقوله لله وللرسول وللتاريخ بأننا لم نعد خير أمة أخرجت للناس بعد أن فشلنا في تلبية الشطر الثاني تأمرون بالمعروف ألخ ..
وإذا توقفنا وأجلنا النظر في ما قاله رسولنا الكريم في خطبة الوداع لنجد إننا لم نحترم من تلك التعليمات شيئا ، لقد نبذناها وراء ظهورنا ، فهل دمائنا هي بالفعل حرام علينا ؟.. بالقطع لا ، بل هي مستباحة وحلال أيضا ، وهذا ما أكدته داعش ميدانيا وعلى رؤوس الأشهاد ، وهذا ما أكدته حروبنا وصراعاتنا وعنصريتنا وقبليتنا وجهويتنا وبغضنا لبعضنا وكرهنا لأمنا العروبة .
تحدث الرسول عن الأمانة فهل هي بالفعل مقدسة الآن في عرفنا وفي ديننا وفي نهجنا وسلوكنا وعرفنا ، العكس هو الصحيح فالأمانات مهضومة ومسلوبة وأحيانا بحد قوانيننا العلمانية الصرفة ، أليست للشعوب حقوق هي أمانات لدى الحكام ، ألم يعتقد بعض الحكام بان أموال الشعوب هي خالصة لهم وأن ما يتفضلون به على الناس من سقط المؤائد هو من باب الكرم والجود ؟..ألم يسحقونا ويجلدونا ويفقئوا أعيننا ويقطعوا ألسنتنا ثم نشكر ونحمد عندما يجودون علينا بعد المن والأذى بالفتات ؟.. والفتات هو اصلا حق لنا وما تم بلعه عتوا ولا هنيئا ولا مريئا هو حق لنا كذلك لو كانوا يعلمون ..
وعند الربا وهو الساحق الماحق توقف رسولنا الكريم ليقول إن ربا الجاهلية موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ومآثر الجاهلية موضوعة ، غير إن الربا عندنا قائم وموجود وتم تحليله ومباركته تحت بند فقه الضرورة المحدث ، ودماء ومآثر الجاهلية لا تزال هي ذاتها فينا بعد إندثار الجاهلية نظريا ، لا تزال عبس ومضر وكنانة وقريش عندنا يتقاتلون ويسكرون ويزنون ويصلون ثم يأمرون الناس بالبر .
وعند النقطة الجوهرية الساطعة والخاطفة للأبصار يحق لنا التوقف مليا ، لقد أبلغنا رسول الله بأن ربنا واحد ، وأبانا واحد ، وكلنا لآدم وآدم من تراب ، وإن أكرمنا عند الله أتقانا ، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى ، هل ذلك صحيح فعلا ؟..  هل نحن بالفعل نؤمن حتى العظم بكل هذه المعاني الباهرة السامية السامقة الوهاجة ونتبعها منهجا وسلوكا وطريقا سيقودنا حكما وحتما لجنات الفردوس نزلا ؟..
للآسف لا ، فالعنصرية لا تزال فينا حية تتقد فوق التراب وتحت الثرى ، لن ننكر ، لن نهرب ، لن نرفض ، ما فعلته العائلة الخليجية مع الخادمة الأسيوية يندرج تحت هذا الإطار ، لقد جاء الفعل العنصري تلقائيا وعفويا ولا غبار عليه في عقولهم الصدئة ، لذلك إندهشوا عند إعتقالهم ، كناية على إنهم يمارسونه وبعقوية أيضا في أوطانهم ، أليس ذلك هو العار كله ، هذه العقول المتعجرفة تعتقد جهلا وجهالة بأنها أسمى مرتبة من الخادمة الآسيوية ، هي عنصرية أكيدة ، ثم أليس فينا وداخل أوطاننا العربية أليس فينا عنصرية اللون ، وعنصرية القبيلة ، وعنصرية العرق ، وعنصرية الفكر ، وعنصرية الدين ، وعنصرية المذهب ، وعنصرية المعتقد ثم عنصرية الزمان وعنصريةالمكان ..
 وأذا أعدنا هذا الواقع المؤسف لما قاله رسولنا الكريم بأن أكرمنا عند الله أتقانا فأين نضع أنفسنا من ذلك التوجيه السامق ، سنجد أنفسنا بأننا وجميعا نقبع تحت الصفر الإنساني الكبير ، ولهذا السبب وحده لم يكن بوسعنا إستقبال أي لاجئ سوري في أوطاننا ، تلك هي القضية عزيزي زاهر فهل من مدكر ؟...

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب مستقل
مدير جروب قدامي المحاربين الإعلاميين العرب   
00249121338306