الجمعة، 24 مايو 2019

إلى أين ستقودنا الدكتاتورية اللفظية ؟..


البروفيسور إبراهيم غندور تعرض لتحرش من شاب ثوري إلتقاه في بقالة وأسمعه إياها (يا كوز) ، البوف رد
نعم أنا كذلك وسأظل ، الحقيقة المثلى أن هذه الكلمة (كوز) باتت سلاحا سهلا يستخدم في كنف عنفوان الثورة لردع كل من يخالفنا الرأي ، وبغض النظر عن صحة أو خطأ ماذهب إليه كإيذان لميلاد دكتاتورية لفظية وحسية وعملية وواقعية جديدة ربما لن تقل شراسة عن دكتاتورية النظام البائد ، الزميل والصديق والكاتب العُماني العلم / زاهر بن حارث المحروقي سألني ماذا تعني كلمة (كوز) ولمن تقال ، أوضحت له كل الذي قلته لكم فأسرها زاهر في نفسه .
الدكتاتورية الجديدة ليس فيها مجال للدفاع عن النفس ، كما أن التهمة نفسها لاسند أو مسوق قانوني لها أو فيها ، هي تلقى جزافا ، ومن ثم على المستهدف بالكوزنة أن يجد لنفسه طريقة ما للخلاص ، تماما كمقطع الفيديو الأليم لتلك المرأة السودانية العصامية التي حاصرها الإتهام في السوق وإجتمع حولها نفر كبير من أنصار الكلمة (التهمة) فأذاقوها الأمرين .
وعلى الصعيد الشخصي فقد تعرضت للتحرش اللفظي بذات الكلمة والتي يمثلها صورة الديك الأبيض الشهير هذه الأيام والذي يدل ويشير للكوزنة في أبهى معانيها وذلك في جروب (سودان وحدة تنوع ثقافي) ، إسم الجروب يتعارض مع منهجه بطبيعة الحال ، فليس فيه وحدة ولا تنوع ثقافي ، فبعد أن أجمعوا على إنني كذلك قرروا طردي من الجروب بإعتباري ثورة مضادة !!..
هؤلاء المساكين لايعلمون بأنني قد سبقت الثوار بأربع أعوام كاملة عندما طالبت البشير عام 2015 بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة في تنبؤ مبهر للثورة وللدمار الذي ستقترن به وهذا ماتم على وجه الدقة .
فمن الأحق بالثورة نحن أم أولئك الذين أتهمونا بالكوزنة والثورة المضادة ، لم أندهش إذ هم أتخذوا وسيلتهم المفضلة في الحوار وهي (القمع) .
الأقصوصة بدأت مع موقفي الثابت والواضح بشأن البيانات الغير موقعة والتي تعج بها الأسافير ، محرضة تارة ، وحاثة على تصرفات قد تفضي لجرائم جنائية كما حدث بالفعل مع البيانات الغير موقعة والتي طالبت أولئك الشباب المخلصين لثورتهم بتوسيع دائرة الإعتصام لتشمل إحتلال شوارع الخرطوم ، في أكبر أخطاء الثورة على الإطلاق ، ماحدث هو أن المواطن العادي تأزى بنحو إليم ، وفشل المرضى وسيارات الإسعاف من الوصول للمستشفيات وغيرها من صور الإنفلات ، ثم حدثت صدامات مسلحة في إطار المعمعة سقط فيها جرحى وقتلى ، ثم إستدركت الثورة فداحة الخطأ فعادت عنه ولكن بعد فوات الأوان .
فقد وقعت بالفعل جرائم ، وأريقت دماء ، عدنا للبيانات المحرضة ، لأجل تقديم المحرضين لـ (العدالة) وهي إحدى شعارات الثورة فوجدناها غير موقعه ولا أسماء فيها ، إذن من المسؤول عن هذا الخطأ القاتل ، حتى الأن لا أحد ، وسجلت الجريمة ضد مجهول .
لذلك كان موقفي الذي طردت بسببه من ذلك الجروب الديكتاتوري يتمحور حول ضرورة أن يحمل أي بيان أسم كاتبه رباعيا وموقعه من التنظيم الذي يتحدث بإسمة لأجل تحديد المسؤولية عند وقوع الكوارث والنوائب ، ومن أجل الحد من الأكاذيب والإشاعات التي باتت تزكم الأنوف في الأسافير ، ومن أجل تحديد المسؤولية بنحو فردي أو جماعي حاسم ، ومن أجل أن يتحمل كل مذنب ومخطئ وكاذب عقاب جرمه وإفكه ، ألم تندلع الثورة أصلا من أجل إستتباب أركان العدل بعد أن إنفرط عقده في العهد البائد ؟..
غير أن الثورة هنا وفي هذا النقطة تصر حتى الآن على تقديم البيانات غير موقعه ومجهولة المصدر ، إذ يسرها أن يُساق الناس كالأنعمام ، فالشعار الذي يوضع أحيانا على أعلى البيان يمكن إستنساخة وبالتالي لايعد كافيا للتحقق من المصدر ، وبذلك إختلط الغث بالسمين إذ يمكن لأي شخص أن يكتب بيانا ويبثه عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويزعم فيه إنه (تجمع المتعطلين المتحد) على سبيل المثال لا الحصر ، وإنه يدعو الثوار لأي فعل ذميم ، كردم نهر النيل مثلا ، وعندما ينساق البعض لتنفيذ الأمر وتقع جريمة ، لن نجد المحرض الأساس ، العدالة مكبلة ساقيها ومعصوبة العينين في كنف الثورة ، الجنون هو مانراه الآن في وسائل التواصل .
كل أعداء الوطن في المنافي هم الآن في الخرطوم جاءوا لمؤازة الثورة زعما ، غير أن الحقيقة المثلى هو أنهم هنا للإجهاز على الوطن وبضربة سيف واحدة وتحت خيمة الثورة ، لقد إنفرط العقد وبنحو غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث .
المخلصون والحادبون على مصلحة الوطن والثوار بحق لايعلمون حتى الآن بأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون ، فإذا مامات الوطن ماتوا هم أيضا ..
هناك هدف متفق عليه في دوائر الأعادي في باريس ولندن وواشنطن وتل أبيب ، هي إستراتيجية قديمة لن تتحقق إلا بتدمير الجيش السوداني والدعم السريع واللذان يقفان كشوكة في خاصرتهم ، ثم هما كالغصة في حناجرهم ، الثوار لايعلمون .
غير إنهم سيدركون عندما يقفون أمام المقاصل التي ستنصب في شوارع الخرطوم إذ ما إنهار الجيش وحلت محله جيوش الأعادي بعد أن يخرجون من أجداثهم متدثرين بأحقاد السنين على وطن هو الأطول باعا شموخا وعزة وكبرياء في قارة المآسي والأفعال فادحة العواقب .
الإتحاد الإفريقي لايعلم شيئا عن أسرار الصراع المميت لتدمير هذا الهرم الإفريقي الأشم ، لذلك نراه يهذى في إديس أبابا بغير علم ، وكنا نود أن يدرك بان المسألة ليست تسليم سلطة للمدنيين فحسب ، إنها أكبر من ذلك بكثير ، إفريقيا لاتعلم بأنها لن تهنأ بأي سلام إذ ما تفتت وطن بحجم السودان ، غير إن البيت الأبيض يعلم ، وبأريس ولندن يعلمون ، فخارطة تقسيم السودان موجودة في تلك العواصم منذ سنين طويلة مضت وهم يحلمون بتنفيذها الآن على أرض الواقع ، هي سايكس بيكو الجديدة بكل تجلياتها ، وهاهي لحظات قطف الثمار وقد دنا أجلها.
لن يغفر التاريخ أبدا للذين يناصبون الجيش العداء بإعتباره مخلوقا مسخا وغريبا يتعين سحقه ، لن يصدقوا عندما يعلمون أن بقائهم في الوجود مرهون ببقاء هذا الجيش قوة ضاربة وساحقة ، هم يصفقون عندما تأت تصريحات من واشنطن تطالب بسرعة تسليم السلطة للمدنيين هكذا بغير تعقل أو تمهل ، هم يعتقدون بأن الوحش ترمب محب فعلا للسودان وأهله لذلك يهللون ويكبرون مع كل تصريح نشاز صادر من بيته الأسود  ، جمعينا نريدها مدنية صرفة ، لا أحد يختلف في ذلك ، ولكن من هم أولئك المدنيون ؟!..
واقعنا السياسي أو شارعنا السياسي يعج بالغريب وبالعجيب ، مشاهد ما أنزل الله بها من سلطان ، إذ هي المرة الأولى في تاريخ الأمم والشعوب التي تتأفف فيها بعض (الكيانات أو الكائنات) السياسية السودانية من ذكر كلمة (انتخابات) ، الكلمة أضحت مخيفة ومفزعة وغير مقبولة ، مع إنها الهدف الأساس لعودة الديمقراطية المفتقدة لهذا الوطن ، وهي أحدى وأكبر مطالب الثورة ، من ذلك نخلص إلى أن السعي المحموم ليس للديمقراطية كهدف وغاية وإنما للسلطة حتى بغير إستئذان من صاحب الأمر والنهي إلا وهو (الشعب) المغيب لايزال والممنوع من قول كلمة تخص حاضرة ومستقبله ، فأين العدل ثم أين الإستواء ؟!!
وفي اسوأ السنياروهات على الإطلاق ولانرغب أبدا في الوصول لذلك الدرك السحقيق من القنوط ، فان المجلس العسكري وحتى لايقف أمام التاريخ حاسر الرأس ملعونا أمام الأمة إلى يوم الدين ، بإعتباره قد فرط ثم أضاع السودان بكل مجده وشموخه ، وإذا لم يستوعب الفرقاء هول الكارثة وحجم الخطر ، فعليه أن يعيد السلطة لصاحبها (هتلر) القابع الآن في سجن كوبر مع باقة من الإعتذار النبيل ، لنرى بعدها من ياترى قادر على إنتزاعها من بين يدي هذا الأسد الهصور العائد لعرينه بعد غياب قصير ؟!!!!!..



ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ـ الخرطوم
مشرف جروب قدامي المحاربين الإعلاميين
00249121338306
dirgham@yahoo.com