الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

لم العجلة وفي العمر بقية..


من زاويتي اليومية (شراع) بصحيفة الوطن العُمانية عدد يوم الثلاثاء 8/02/2000
لم العجلة وفي العمر بقية..
لم العجلة؟.. وفي العمر متسع من وقت ليعيد المرء بعدها ترتيب أوراقه الملطخة بالسواد وبالثغوب وبالدماء، فإذا كان المرء سيعيش مرة واحدة فقط، فليكن هذه العمر حافلا بالآثام ربما، بالأوزار ربما، وبالموبقات حتما، لماذا لا يرى كل شئ يمكن رؤيته، هكذا قال، لماذا لا يسافر إلى أقاصي الأرض لهثا وراء لذة حرام، لماذا لا يجالس الأباليس والضباع والذئاب وكل صنوف الضواري، لماذا لا يقف على تجارب كل هؤلاء بما فيهم الشياطين ليعلم وليتعلم كيف تمد حبال الصبر مدا للمؤمنين وللعاكفين في المساجد وللساجدين وللتائبين وللعائدين إلى الله وكيف يتسنى لها جندلتهم في نهاية المطاف.
آل على نفسه أن يلم بطرائق الوسوسة حتى تلك التي أجادها الشيطان منذ الأزل ومنذ أن بدأ الغواية الأولى عندما تمثل لـ آل قابيل على هيئة غلام يحمل مزمارا  كالذي تحمله الرعاة فعزف الترنيمة الساحرة وعلى الفور تبرجت النساء للرجال للمرة الأولى كذلك، وتحلقن حول موائد الغواية، واختلط الحابل بالنابل ثم انشقت الأرض عن  كلمة زني وزانية وزاني، تلك كانت الجاهلية الأولى.
وذلك كان إرهاصا بما يتعين عليه فعله قرأ يوما بعين واحدة بان الخبرة تزيد الرجال حنكة، فقرر أن يتجرعها جرعة اثر جرعة، خاض في أوحال الحرام حتى اللجام، فالمبدأ واضح وجلي ذلك إن في العمر بقية، ودماء الشباب تجرى حارة في عروقه تتقد، ثم هو قرر أن يعود إلى الله لا الآن بطبيعة الحال ولكن عندما يبلغ الأربعين فذلك هو عمر النبوة، وذلك هو سن الرشد والرشاد، عندها سيصلي وسيتوب وسينوب وسيعود إلى ربه عبدا صالحا تقيا ورعا، ينتهي بالآيات ويبتدئ بها أيضا، ولما كان النهج والطريق واضحة معالمه محددة أطره فلا بأس إذن من الإتيان بالموبقات كلها كبيرها وصغيرها، عاقر الخمر بداية، ثم عاقرته هي في منتصف الطريق وحتى إذا ما غاب الوعي بدى القمر في ناظريه بدرا حتى وان لم يطلع أو يطل أصلا، فلياليه مقمرة دوما، ونهاراته يعيشها مغمض العينين أو مسدل الجفنين فلا يرى هجير للشمس لافح، ولا يرى أطياف السراب تمنى التائهين في شعاب الحياة بماء لها مخادع.
والده وقد بلغ الثمانين حولا أعيته الحلية، فالنصح يدلف بأذن ويخرج بالأخرى، كن يا ولدى بارا بوالديك وبأهل بيتك..كن ابنا صالحا تقيا كأبيك..صلى يا بني يرحمك الله..سر في طريق الخير والصلاح يهدك الله..ولا حياة لمن تنادي، عزم والده الحج إلى بيت الله ملبيا نداء إبراهيم عليه السلام، دعاه توسل إليه، تعال معي..كن عونا لأبيك..احتاجك في يوم الحشر المصغر هذا..احتاج إلى ساعديك في اعتلاء هامة عرفات..احتاجك لترجم لي..احتاجك سندا أن تعثرت قدماي فيما بين الصفا والمروه، على انه وقد ضاق ذرعا بأقصوصة الحج هذه قال لوالده عبر زفرة تبرم خرجت من بين ثنايا فكيه ساخنة ملتهبة ولها عواء يصم الآذان: سأحج ولكن ليس الآن، وسأصلي ولكن ليس الآن، قلت لك لم العجلة، فهل تراني هرما مثلك، أنت لم يتبق لك في الحياة إلا القليل، لك ما يبرر حجك الآن ولكنني لا احتاج لذلك، عندما ابلغ الأربعين سأحج كن مطمئنا.
دموع الأسى بللت لحية والده، ربت على كتفه بحنو والد أعيته الحيلة مع ابن له عاق، لم يشأ أن يدعو عليه، دعى له في سره وعلانيته، وعلى بركة الله سافر الوالد إلى الأراضي المقدسة وباسم الشيطان عاد الابن لغيه القديم.
ما بعد الواقعة بعامين فقط وبعد ليلة حمراء ماجنة عاقر فيها خمره الأثير ورقصت معه وله غانيات سافرات، استغرق بعدها في نوم له عميق حاول والده إيقاظه بعد يوم كامل فلم يفلح، صب على رأسه ماءا باردا كما يفعل دائما، فلم يستيقظ أبدا، مات ولم يبلغ الأربعين بعد..
ضرغام أبوزيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق