واسفاه علي هذا الوطن ، عبارة أمر من
المر كنت أرددها بعد أن أطلق هذا الرجل المحترم عبارتة أو قنبلته المدوية أمامي فأنجرت علي نحو مفاجي ،
مخلفه قتلى وضحايا وأشلاء ، ورفات ودماء ، بالفعل كنت أحترمه ، أذ هو من كبار أعيان المنطقة وشيوخها ، كان
يأتي لمكتبنا علي نحو دوري بغرض إنجاز معاملات هامة .
الواقعة المؤسفة حدثت عندما جاء ذات يوم لمكتبنا
بمعية إمرأة سودانية تنتمي لإحدى الولايات الحدودية ، وكانت لغتها العربية ضعيفة
بإعتبارها تتحدث لهجة محلية أو ما نسميها بالسوداني (رطانة) ، وهذا أمر طبيعي وليس
مستغربا ولا مستتهجنا ، فكل أهلنا في الكثير من الولايات السودانية لهم لهجاتهم
المحلية ، وقد تتأثر لغتهم العربية الدارجة بنحو سلبي نتيجة لإستخدامهم تلك
اللهجات ، غير إن ذلك لا ينقص من مواطنتهم شيئا ، فسيظلون مواطنون من الدرجة
الأولى ، وهي الدرجة الوحيدة إفتراضا وجدلا ، وبإعتبار أن الجميع سواسية في الحقوق
والواجبات وفي الوطن أيضا .
تلك كانت وستظل قناعاتي الشخصية إذ
لطالما كنت أحن لرؤية وطن لا طائفية فيه ، ولا قبلية به ، وجهوية تأكل من وحدته
وكينونته ، ولطالما كنت وعبر تعاملي اليومي مع شرائح المجتمع أكرس هذه المعاني
عمليا وواقعيا ، الجميع سودانيون ، والجميع محترمون بل هم يستحقون الإحترام جله
وكله ، لا فرق بين قبيلة وقبيلة ، ولا بين ولاية وولاية ، ولا بين لون ولون ، هكذا
كنت أسعى في هذه الأرض اليباب وسأظل كذلك ما بقي في الصدر قلب ينبض .
إلى أن جاءني الشيخ آدم في ذلك اليوم
الأغبر ، كانت له معاملة في مكتبنا كما أسلفت مع تلك المرآة السودانية الحرة
والأبية ، ومشكلتها كما يراه الشيخ آدم في لسانها وفي ولايتها السودانية النائية ،
قال لي ببساطة متناهية وبعفوية مطلقة ، هل جاءت (الخادم) ؟..
داور مباغت عصف بي ، فضلا عن رغبة محمومة
وملحة في التقيؤ المفاجئ دفعتني دفعا
للإسراع ركضا خارج المكتب ، فما أعرفه يقينا أن كل السودانيين أحرار في وطنهم ،
وأسياد فيه أيضا ، ولم يدر بخلدي على الإطلاق ان هناك عبيد وخدم فيه في القرن
الحادي والعشرين ، كنت أرغب في المزيد من الإيضاح من الشيخ آدم ، حول من هو (سيد)
هذا المرأة السودانية الأبية ، وما هو السعر الذي تم دفعه من أجل الحصول عليها ،
نظرت إليه عبر عينان تقدحان الشرر ، حاولت
أن أطرح سؤالي الذي ما برح يغلي في دواخلي ، غير إنني وبصعوبة بالغة ألجمت السؤال
، فقد توصلت لقناعة قاطعة بان لا جدوى من
طرح السؤال عليه ، فقد لا يفهمه ، وقد يستهجنه ، وفي ذات الوقت توصلت لقناعة تامة
بأن لا مستقبل لهذا الوطن ..
ضرغام أبوزيد