الثلاثاء، 15 يناير 2019

هكذا كان الموقف في سماوات الخرطوم


مقالنا بجريدة أصداء الإلكترونية العمانية

هكذا كان الموقف في سماوات الخرطوم
  
 الحراك الشعبي الأخير في السودان أفرز الكثير من المعطيات المهمة على الأرض ، بداية كان السجال يدور محموما على وسائل التواصل الإجتماعي المفتوحة على مصراعيها كما نعلم لكل الأهواء ، لكل الأنواء ، كانت نوافذ السودان الوطن تستقبل الأعاصير المنطلقة من عواصم أوروبا وأميركا ومن بقية عواصم الدنيا ، وكان الذباب الإلكتروني يحوم في سماوات العاصمة الخرطوم حتى غطى ضؤ الشمس ، وكان طنينه يصم الآذان نهارا وليلا ، الهدف كان قد تم تحديده بجلاء في عواصم عالمية وهو ضرورة إقتلاع النظام وبأي ثمن كان وبدون تحديد وتوضيح لماهية الخطوة القادمة وهنا تكمن الكارثة .
كان المناخ العام ملائما لهطول هذا النوع من (المطر) ولا نقول هذا النوع من (الغيث) ، إذ شتان مابين المطر والغيث كما تعلمون ، كان المواطن العادي والمستهدف بكل هذا الصخب وهو في نهاية المطاف الضحية الذي سيدفع الثمن غاليا عند إنفلات الجنون من عقالة ، وعندما يتم الإجهاز على الوطن فالمواطن هو الذي سيعاني يعاني الأمرين عندما يجد نفسه مشردا لاجئا طريدا في معسكرات الإيواء بدول الجوار ، عندها فإنه لن يعلم أحي هو أم قضى نحبه وهو الآن تحت التراب ، إحساس مر بطبيعة الحال عندما يسأل الحي نفسه أميت أنا أن أم أنا في مرحلة عذاب القبر ، هي إذن النقطة الوهاجة والتي لاشئ بعدها يستحق الذكر أو التقديس .
لقد وجد المواطن نفسه عمليا وواقعيا محاصرا وطعينا ولايستطيع توفير قوت يومه وقوت أسرته ، والطامة الكبرى إذا مرض هو أو أحد أبناءه ، لذلك لطالما كنت أغرد دائما مناشدا كل الرفاق في الوطن بـ (رجاء لاتمرضوا) ، لأنكم وإن فعلتم فستذهبون للمستشفيات ، وفي المستشفيات إن لم يكن معكم مال كاف فستموتون هكذا ببساطة ، فالدولة رفعت يدها منذ سنين من توفير العلاج بالمجان في مستشفياتها الحكومية متواضعة المستوى ، وصيدليات المستشفيات خاوية على عروشها من أي أدوية مجانية تذكر وماتبقى من فتات الأدوية فعليك دفع المال لقاءه ، ببساطة متناهية من لا يملك ثمن العلاج فالموت مصيرة ، إشارة إلى إنني لم أذكر المستشفيات الخاصة لابخير ولا بشر ، وفي ذلك إشارة واضحة وغمز صريح  لواقع الحال المرير .
وفي المقابل فإن القيمة الشرائية لما بايدي الناس من جنيهات قليلة تتراجع على الدوام ، وراتب المعلم كقياس فقط بإعتباره الأعلى والأسمى مرتبة إجتماعية لايكفيه ليومين ، ثم إستطاع الدولار الأميركي إلتهام الجنيه السوداني في وجبة فطور واحدة ، ثم كانت كارثة إنعدام الخبز ، وشح المواد البترولية وكان منظرا مألوفا أن تجد صفوفا طويلة للمركبات أمام طلمبات الوقود ، كلها وجميعها هي العوامل التي أشعلت جذوة الغضب في النفوس ، وهو غضب مشروع ومقبول ولاغبار فيه أو عليه ، وهكذا خرج الناس للشوارع ليعبروا عن هذا الغضب وقد فاض ثم تدفق على الطرقات هتافا ودموعا ونحيبا .
في هذه اللحظة وجد أصحاب الغرض والهوى وزعماء الطوائف وأعداء الوطن من المنعمين وأصحاب الوجوه الوسيمة أو تلك التي وسمتها النعمة ولم يتضوروا بالطبع جوعا مع المواطنين وهم في الأصل يتقلبون في النعيم في فنادق عواصم أوروبا وأميركا ، وجدوا السانحة مواتية للإنقاض على الوطن ولا نقول الإنقاض على النظام ، وإذ هم لا يفرقون مابين الوطن والنظام ، بل هم يرون بأن النظام هو نفسه الوطن وأن تدميره يمثل قمة الوطنية المفرغة من أي معنى وجوهر.
وتم إشعال الحريق ، ماتم حرقه وتدميره وسحقه في بضعة أيام كان مهولا وفادحا ، مصارف ، شركات ، ممتلكات خاصة وعامة ، سيارات خاصة لمواطنين كادحين أحرقت أمام أعينهم بغيا وطغيانا وظلما مبينا ، حدث ماحدث باسم الثورة ، وباسم تغيير النظام ، وكان المد الأهوج كالاعصار يمضي لتدمير كل مايجده أمامه لايلوي على شيء ، وكله تم باسم الثورة ، ثورة الجياع عندما يدمرون القليل الذي يملكونه ، الكثير من البسطاء كانوا يعتقدون أن الذي تم تدميره هو ملك للحكومة ، هم لايعلمون بأن الحكومة لاتملك شيئا من هذا الذي دُمر ، لن يصدقون بالتأكيد إذا ما قيل لهم بأن ماتم تدميره هو ملك خالص لهم ، وإنهم هم من قاموا بشراءه ذات يوم ، ولإستيعاب هذه الحقيقة سيحتاج الأمر لأيام وليالي من السير الطويل في دورب الشرح الممل لعقول غشيها طوفان الجهل فاغرقها في ظلام له دامس .
هو لا يعلمون بأنهم وبعد أن حرقوا ودمروا وسحقوا فسينقلب السحر على الساحر غدا عندما يجدون المزيد من ضنك العيش يحيط بهم من كل جانب ، وسيدفعون المزيد من الأموال لتعويض ماتم تدميره على هيئة المزيد من الضرائب والمزيد من ارتفاع الأسعار ، والمزيد من الجبابات والمزيد من نقاط الجمع القسري للأموال وحتى في قارعات الطرق .
ثم نعود لطنين الذباب الإلكتروني والذي ما انفك يصم الآذان في الخرطوم ، ذلك بان الكيثر من الناس يعتقدون بأن النقد الأليم للنظام يتأتي فقط عبر إختيار أقذع الألفاط وقعا على النفوس الآمنة ، والخادشة للحياء العام بغير تحفظ ، هم لايعلمون حكما بأن هناك فرق مابين النقد البناء ومابين الوضاعة ، ثم هم لايعلون بأن أقسى وأقصى عبارات الغضب من الممكن ايصالها للطرف الآخر بغير فحش وبغير بذاءة ، فانا كنت ولا أزال دائم النقد للنظام ولسياساته المالية والإقتصادية والإجتماعية ، ولكنني والجميع يعلم بأنني لم أستخدم كلمة واحدة يكمن وصفها بالبذيئة أو الفاحشة ، ولم أتعرض بالتشهير أو التجريح لأي فرد من عوائل رجال الحكومة ، ومن ثم لم أتعرض يوما لإستجواب أو لتحقيق من جهاز الأمن والمخابرات الوطني ، وفي هذا السياق فقد إتصلت بي زميلة وصديقة صحفية بإحدى الصحف السودانية وعضوة بجروب قدامى المحاربين الإعلاميين الذي أشرف عليه ويضم النخبة المميزة من الإعلاميين العُمانيين والعرب تشكو لي من قسوة جهاز الأمن على صحيفتها ، قلت لها لأنكم لاتعرفون كيف تكتبون ، قلت لها اللغة العربية من أغنى اللغات على وجه الأرض ، وفيها البلاغات والإستعارات والكنايات كلها أدوات رائعة وكافية لإيصال رسائل النقد بأدب جم وبوقع حسن ، ولكنهم لم تغوصوا بعيدا وعميقا في بحار هذه اللغة الساحرة وللحصول على كنوزها البعيدة المستلقية هناك في الأعماق ، عندها سيحتار جهاز الأمن فيكم .
وإذا كنت وعندما اكتب أستخدم لغتي البعيدة عن الوضاعة فإنني وتلك حقيقة لم أفعل ذلك إعتباطا ، فعلت ذلك لأنني عملت صحفيا وكاتبا بسلطنة عُمان العزيزة ، وبصحيفة الوطن تحديدا ، وكانت زاويتي اليومية (شراع) تبحر ليلا نهارا وقد وصل صيتها لكل مؤاني الدنيا ، ثم أعطيب كل شبابي لسلطنة عُمان بغير ندم ، ومن هناك تعلمت الأدب في القول وفي النقد وفي التعبير ، ليس في عُمان فحش ولابذاءة ولاوضاعة ولا تطرف لا في اللفظ ولا في القول ولا في الهمس ولا في الجهر ، تلك من أفضال سلطنة عُمان علينا وعلى الناس .  
⬇⬇
تhttp://asdaaoman.com/tie-ways/هكذا-كان-الموقف-في-سماوات-الخرطوم/

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ~ الخرطوم



هل كان العراق بالفعل أفضل ؟..



مقالنا بجريدة أصداء الإلكترونية العمانية بعنوان :

هل كان العراق بالفعل افضل


http://asdaaoman.com/tie-ways/هل-كان-العراق-بالفعل-أفضل-؟/

  
تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها مؤخرا الرئيس الأميركي ترامب ، قال وبعيد زيارته التي لم يعلن عنها مسبقا لجنوده ان العراق في عهد صدام حسين كان أفضل من عراق اليوم ، وأن صدام كان مخيفا بما يكفي ليجعل هذا البلد آمنا مطمئنا بخلاف ماهو عليه اليوم أذ وصفه ووصمه بأنه بات بؤرة للإرهاب ، وإنه لم يعد دولة كما كان بل هو عبارة عن كيانات متقاتلة لا رابط بينها ، وكذلك الحال بالنسبة لليبيا بعد أن هبت عليها نسائم الربيع العربي فإقتعلت القذافي العتيد ومن الجذور .

إنتقادات ترمب للوضع القائم بالعراق كان مفاجئا ومؤلما للعرب الذين آزروا أميركا (البوشيه) في حربها الإمبريالية التي أفضت للإطاحة بصدام وإعدامه بعد ذلك وفي الشهر الحرم .

هنا نسأل هل كان العراق بالفعل أفضل تحت ظل حكم المهيب صدام حسين ، وهل كان ترمب محقا في ماذهب إليه ؟..

للإجابة على الأسئلة وبنظرة موضوعية على الواقع المعاش الآن في العراق الشقيق فإننا لا نملك غير أن نقول بأن ترمب كان محقا بالفعل ، فالعراق الصدامي كان بالفعل أفضل ، وكان شامخا وقويا ومخيفا وكان ثقلا قوميا عربيا هائلا لايمكن تعويضه ، وأنه بموت صدام فقدت الأمة العربية أهم شخصياتها على الإطلاق في منظومة إعتدال ميزان القوى مع إسرائيل ، لقد إختل هذا الميزان ورجحت كفة إسرائيل على العرب جميعا بسقوط العراق الصدامي ، كما أن كفة ميزان القوى الأخرى والهامة في المنطقة في إطار ميزان القوى مابين العرب وإيران قد إختلت هي الأخرى وباتت طهران تملك القدح المعلى في المنطقة بعد رحيل صدام وليس قبله بالتأكيد .

تلك حقائق باتت راسخة وثابتة ومستقرة ولاغبار عليها ولا جدال حولها .

فعلى الصعيد الداخلي البحت وبما إنني كنت ببغداد وكانت وقتها عاصمة لأبناء الأمة العربية جميعهم وليست عاصمة للعراق وللعراقيين فحسب ، وقتها كانت الحرب العراقية الإيرانية في مطلع الثمانينات على أشدها ، وكانت الجحافل الصدامية قد أخترقت الحدود الإيرانية وتوغلت في العمق الإيراني بغير أن تجد مقاومة تذكر ، وكانت اليد الطولى لصدام طائرات السوبر أيتندار الفرنسية الصنع تحلق في سماء العاصمة طهران ثم تعود لقواعدها سالمة في العمق العراقي ، وكان مفاعل تموز النووي العراقي الصدامي يمضي بخطي ثابتة بإتجاه تخصيب اليورانيوم كإشارة واضحة بأن القنبلة النووية العراقية آتية لامحالة ، وكان علماء العراق الأفذاذ يبدعون في العلوم والرياضيات وفي التصنيع الحربي وتصميم الصواريخ بعيدة المدى التي نزلت لا بردا ولا سلاما بعد ذلك بصحراء النقب في سعي لها حميد لإصابة مفاعل ديمونه الإسرائيلي .

وكنا ننعم بإحترام كامل طلبة عرب ، ولا فرق بين العربي والعراقي في كافة المعاملات المدنية بالعراق وقتئذ ، وكان نحظى براتب قدره 50 دينارا شهريا من الحكومة العراقية ، وكان نعيش في سكن مجاني مزود بكل وسائل الراحة والنعيم ، بحي الوزيرية الفاخر ببغداد ، كنا نصرف في الشهر كله من أكل وشرب وملبس مبلغ 15 دينارا فقط ، وكان الباقي عبارة عن توفير كامل النصاب ، كنت محاطا بالزملاء العراقيين من كافة محافظات العراق ، لكنني والحق أقول لم أكن أعلم بأن في العراق سنة وشيعة ، ما كنت أعرفه أن هؤلاء القوم مسلمون وفقط ، كما لم أكن أعلم بأن هناك أكراد بمعنى أنهم قومية مختلفة ، كان كل الناس عراقيون ، وكلهم كانوا يتحدثون بلهجة واحدة ، وكنت أتحدث معهم بلهجتهم كما يتحدثونها .

كان الولاء في العراق للوطن في المقام الأول ، ثم للقائد المهيب صدام حسين ، وكانت شوارع بغداد نظيفة وجميلة وأنيقة ، وكان شارع الرشيد يتحدث بلسان الخليفة هارون بلسان مبين ، كانت لي زميلة لن أنساها أبدا تلك هي العراقية الكردية نضال عمران الشريف ، كانت على تواصل معي حتى عندما جئت للعاصمة العُمانية مسقط عام 1984 ، بعدها إنقطعت عني ولا أدري أين هي الآن ، هل ياترى أمست ضحية كملايين الضحايا الذين ذهبوا في حروب العراق اللاحقة أم ماذا حل بها ، لا أدري ، فقد فقدت كل الزملاء العراقيين الذين عشت معهم أحلى أيام شبابي ، فما حل بالعراق كفيل بحرق ثم دفن كل الذكريات في مقابر الأسى والضياع .

صدام حسين كان سخيا وكريما تجاه الطلبة العرب ومحرم وصفهم بالأجانب ، تلك كانت عقيدة حزب البعث العربي الإشتراكي ، وكان حزبا قوميا كما تعلمون وقوميته تلك جرت عليه غضب معظم الأنظمة العربية كما هو معروف ، النظرية البعثية كانت تؤمن بوجود فرع بعثي في كل عاصمة عربية ، وهذا لايجوز بطبيعة الحال في ظل مبدأ إستقلالية الدول ، هذا هو الخلاف الأكبر لصدام مع أمته العربية .

إذن كيف إستطاع صدام أن يوحد كل أطياف العراقيين تحت علم الوطن والوطنية ، تلك كانت أعظم إنجازاته التي أتضحت اليوم وإذ العراق شراذم وطوائف وأثنيات مختلفة ومتباينة ومتصارعة ، لقد فوجئت وأنا في الخرطوم عندما أعلن الناعي إقتلاع صدام بوجود كيانات شيعية وأخرى سنية وأنهم يتقاتلون ، سألت نفسي أين كان هؤلاء في عهد صدام ، لم أسمع قط والله على ما أقوله شهيد بأن في العراق أصلا يوجد سنة وشيعة ، كما أن زميلتي نضال عمران لم تقل لي أبدا إنها كردية ، علمت ذلك بالصدفة المحضة فيما بعد وأنا في العاصمة العُمانية مسقط ، كانت تقول وبفخر بأنها عراقية ، وكان السنة والشيعة وبما إنهم كانوا هناك كما إتضح لي مؤخرا فإنهم وجميعهم لم يقولوا أبدا ولا همسا بأنهم كذلك ، كانوا جميعهم يقولون بأنهم عراقيون وكفى ، على ذلك كانت الشعارات المكتوبة بخط عريض على حوائط المنازل وعلى هامات الشوارع ببغداد تقول (قادسية صدام قادسية العرب جميعا) ، هكذا كان صدام يرى بأن نزاله مع الجاره إيران كان نزالا قوميا ، وكانت إذاعة وتلفزيون بغداد يردد الأناشيد الحماسية التي تمجد الحرب وتحض عليها .

وبما إن العراق الصدامي كان مشروعا لدولة عربية عظمى فإن إسرائيل كانت تعلم بان هذا الصدام لن يتركها وشأنها ، وكانت تعلم يقينا بأن قنبلة صدام النووية وعندما تكتمل فإنه لن يتورع في إرسال صاروخ يحملها لتل أبيب مع كل باقات عطرة من الحب والتقدير ، لذلك فإن مناحيم بيجن رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت قرر التخلص من هذا المفاعل الكارثي لدولته ، ونحن في الطابق الثاني سطح سكننا الفاخر بحي الوزيرية ببغداد وحوالي الساعة الخامسة ظهرا رأينا بالعين المجردة سربا من مقاتلات الفانتوم وعرفنا في مابعد إنها إسرئيلية كانت تطير بمستوى الأشجار بإتجاه مفاعل تموز وحتى لاتلتقطها الرادارات الصدامية ، وبعدها سمعنا ورأينا إنفجارات مدوية صمت الآذان بإتجاه موقع المفاعل .

بعدها مباشرة أطل مناحيم بيجن من على شاشات التلفزيون في تل أبيب ليعلن للعالم قيام سلاح الجو اليد الطولى لجيش الدفاع الإسرائيلي بتدمير مفاعل تموز العراقي الصدامي آخر مفخرة للعراق وللأمة العربية بأسرها ، لقد إستغل ميناحيم بيجن إنشغال صدام بنزاله الدموي مع طهران للنيل من هذا المفاعل الأسطوري .

لذلك ولكل ذلك فإن ماقاله ترمب هو عين الحقيقة فالعراق الصدامي ولو كانت فيه فقط هياكل للشورى فاعله لنهت صدام عن إرتكاب أشنع أخطاءه على الإطلاق بغزوه لدولة الكويت الشقيقة ، تلك كانت القشة التي قصمت ظهر بعير الأمة العربية ، وتلك كانت النكبة التي أخرجت العراق من معادلة ميزان القوى في المنطقة ، وعلى ذلك هاهي الأمة العربية التي ماعادت مجيدة إذ صدام كان يصفها بأنها كذلك ، هاهي تلعق جراحاتها الغائرة والتي لانعلم يقينا إن كانت ستندمل بعد صدام أم انها ستبقى نازفة وإلى الأبد ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب



فريقيا ومعضلة الانتقال السلس للسلطة


مقالنا بجريدة أصداء الإلكترونية العُمانية

بعنوان ؛
افريقيا ومعضلة الانتقال السلس للسلطة



http://asdaaoman.com/tie-ways/hفريقيا-ومعضلة-الإنتقال-السلس-للسلطة/


الحيرة وحدها هي الملاذ الوحيد في هكذا مواقف محيرة ، ذلك أن معظم الدول الإفريقية على سبيل المثال لا الحصر لم تستطع أن تبتدع نظما آمنة وموثوق بها في مسألة أو معضلة أو كارثية إنتقال السلطة ، لم تستطع الديقراطيات في إفريقيا وإن وجدت أن ترسي دعائم وعمد راسخة في هذا الشأن ، وستبقى جنوب إفريقيا إستثناء دون ريب .
فأي نظام يزعم بأنه ديمقراطي هو في الواقع قشرة سطحية تخفي تحتها كل أبخرة المياه الآسنة من طائفية وقبلية وجهوية مقيتة ، وما لم يخف حقيقة إنه نظام عسكري وديكتاتوري صرف فإنه لم يفكر يوما في إبتداع فكرة ما أو منهج ما يوضح بجلاء كيفية إنتقال السلطة بعد إنتهاء أمد النظام العسكري هذا إن كان هناك أمد أصلا لإنتهاء النظام ، فهكذا أنظمة لاتعترف بمبدأ أي أنتقال سلس للسلطة اللهم إلا منها وإليها ، لذلك فإنها وعندما تشيخ كأمر طبيعي وإن طال بها الأمد ، فإن الوطن برمته يغدو في مهب الريح ، لسبب واحد وبسيط هو أن تلك الأنظمة لم تفكر أبدا بأنها ستشيخ وتهرم ككل الكائنات والمخلوقات .
أنظروا لكل هذه الأنظمة بتمعن وبروية هل قرأتم وسمعتم بأنهم قد حددوا بجلاء كيفية إنتقال السلطة حفاظا على كيان الوطن وإنكارا لذواتهم في حضرة الموت الرهيب ، يعقوب عليه السلام هو الذي سن الشريعة الأولى لإنتقال السلطة المؤطرة بالإيمان ، ولينام بعدها قرير العين أبدا ، تلك أقصوصة حدثنا عنها القرآن الكريم في الآية 133 من سورة البقرة :

أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ .. صدق الله العظيم .
وبذلك سادتي نام يعقوب نومته الأبدية وهو مطمئن على أن شجرة الإيمان ستنمو وتستطيل بعده حتى تبلغ عنان السماء ، مات سعيدا وقرير العين إذ هو بذر البذرة الصالحة في التربة الصالحة وقد أخذ وعد أبناءه على محمل الجد ، فهم قد عادوا إليه وعاد إليهم بعد حكايتهم تلك الدامية مع الأبن الأثير لديه ، ذاك يوسف عليه السلام .

 حكام إفريقيا لم يأخذوا الحكمة من أفواه الأنبياء والمرسلين والصالحين أبدا ، لم يقولوا ولن يقولوا لشعوبهم قط ماذا تفعلون من بعدنا ، فالقذافي في (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى) لم يقل يوما لشعبه ماذا أنتم فاعلون وعابدون من بعدي ، لجهة إنه لم يفكر في الأمر مع يقين له ثابت وراسخ بأن هو نفسه الذي سيأتي بعده ، وعندما جاءت تلك اللحظات التي قرر الله عز وجل فيها (نزع) الملك ، كانت الشواهد والدلائل على الأرض تؤكد بأنه وفي الواقع لم يحسب حسابا لهكذا مصير خلافا ليعقوب عليه السلام ، فكان أن وقعت الواقعة التي مابرحت ليبيا تدفع لقاءها ثمنا باهظا ، خصما من أمنها ، من وحدتها ، من كيانها ، من بقاءها تحت الشمس كوطن له أرض وسماء وكيان ونشيد ، لم يتبق من ليبيا غير الإسم المجرد فقط بعد أن طار الأسم الطويل مع الريح الذي إبتدعته مخيلة القذافي ، لم يستطع الكتاب القذافي الأخضر أن يضع التعاليم والقوانين المحددة لشكل ولون ليبيا في مابعد القذافي .
صحيح أن ليبيا كانت في عهد القذافي زهرة نضرة وسط مزابل أفريقيا ، غير أن هذه الخطأ الإستراتيجي قضى على الزهرة وعلى التربة التي أينعت وأزهرت فيها ، الآن وفي التو واللحظة فإن ليبيا مابعد القذافي هي كارثة الكوارث في أفريقيا ، إذن لنتأمل كرة أخرى في سؤال يعقوب لبينه ماذا تعبدون من بعدي ، ليسأل كل حاكم دكتاتوري عسكري في أفريقيا القارة المكنوبة في حظها مع رجالها أن يسأل نفسه هذا السؤال وليكن عادلا مع نفسه لمرة واحدة فقط ، وبعدها فليأت الطوفان .
جعفر محمد نميري ، حكم السودان نعم لأكثر من عقد من الزمان ، ثاروا عليه ، أقتلعوه عنوة ، وبالقياس فإن الذين أقتلعوه ذرفوا الدموع اليوم على فعلتهم الشنيعة ، نميري هذا الذي يضرب به المثل اليوم في الطهر والنقاء والنظافة والحصافة ، ومع هذا فهو لم يسأل بنيه ماذا أنتم عابدون من بعدي ، إرتكب ذات الخطأ الذي يرتكبه معظم حكام أفريقيا من العسكر والمخلدون فيها بسطوة سيف الحجاج بن يوسف الثقفي .
جاء بعد نميري نظام طائفي ولا نقول ديمقراطي بالضرورة ، ولكم أن تصدقوا بأن الصادق المهدي الذي يزعم بأنه ديمقراطي ويطالب بنظام ديمراطي هو على رأس حزبه منذ أن كان جون كنيدي يحكم أميركا ، فأين الديمقراطية إذن ، هو لا يزال في ذات المنصب ، ثم هو الآن يتطلع ليعيده الشعب لسدة الرئاسة ، هو أيضا لم يقل لحزبه ماذا تعبدون من بعدي ، ولأن الشعب السوداني ذكي بالفطرة وفي الإحتجاجات الأخيرة بالمدن السودانية لم يذكره ولم يتذكره المتظاهرون ، هنا كان الإستفتاء الفطري الذي قضى على أحلام العودة الميمونة للكرسي الملعون العالي محمولا على أكتاف الجماهير الصابرة والمحتسبة ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب



اللهم إني أبرأ إليك ممّا يحدث في السودان الوطن


مقالنا بجريدة أصداء الإلكترونية العُمانية بعنوان :

اللهم إني أبرأ إليك ممّا يحدث في السودان الوطن


http://asdaaoman.com/tie-ways/اللهم-إني-أبرأ-إليك-ممّا-يحدث-في-السودا/

بما أن الشئ بالشئ يذكر ، فإنني وللتاريخ أبرئ نفسه ممّا يحدث الآن في السودان الوطن ، وأحمل المسؤولية كاملة للبروفيسور إبراهيم غندور نائب رئيس المؤتمر الوطني السابق ووزير الخارجية السابق ، ورفقاءه الميامين في المؤتمر الوطني الحاكم ، فقد كتبت مقالا سيبقى أبد الدهر معلما وعلما في كل هامات جبال السودان نشرته في مدونتي الإلكترونية بتاريخ السبت 10 يناير 2015 تحت عنوان :

 (إن كنتم تحبونه لاترشحونه) ، وذلك قبل انتخابات 2015 التي أعيد بموجبها إنتخاب الرئيس لفترة رئاسية ثانية تمتد حتى 2020 ، وقتها وللتذكير وللتاريخ قلت في مقالي ذاك مايلي :
(وبما إنه لا يخاف عقباها فقد كشف نائب رئيس المؤتمر الوطني السوداني بروفيسور / إبراهيم غندور عن لجنة قومية جمعت أكثر من 23 ألف مؤيد لترشيح فخامة الرئيس/ عمر أحمد البشير لولاية جديدة .
هكذا ببساطة وأحسب بأن الذين تم خداعهم لترشيح البشير لم يتسن لهم دراسة التاريخ القريب لا البعيد لحالات مشابهة ، تم عبرها تشويه الديمقراطيات العربية وبإعتبارها عبثا ليس إلا ، فالديمقراطية في معناها الأوسع تعني فيما تعني التداول السلمي للسلطة وبغض النظر عن كفاءة الرئيس الحالي أو مقدراته ، فعندما يكافئ الشعب رئيسة فإنه يعيد إنتخابه لفترة رئاسسية واحدة على أكثر تقدير كما يحدث في الولايات المتحدة الإميركية مثلا ، وكما يحدث في أوروبا المتحضرة أيضا ، أما الديمقراطيات العربية سيئة السمعة فان الرئيس الذي يثبت كفاءته ومقدرته أو يثبت فشله ودمويته ، يعاد إنتخابه حتى الموت وحتى القبر كأن حواء ذلك القطر لم تلد أبدا كفاءات قادره علي قيادة الوطن ، وتلك مصيبة فكرية كبرى بطبيعة الحال) .
الآن وفي هذه اللحظة الحاسمة والمفصلية من تاريخ السودان أدعو كل أبناء الشعب السوداني وعلى إختلاف أطيافهم ومشاربهم وأهواءهم وأحزابهم وتجمعاتهم لإعادة قراءة مقالي ذاك عبر الرابط:

https://25dirgham.blogspot.com/2015/01/blog-post_10.html

غندور بالفعل لم يخاف عقباها تلك التي حذرت منها قبل أربعة أعوام من الآن ، وهاهي (عقباها) تتحدث بلسانها الذي صمت دهرا ، ونطق غضبا وسخطا ، فهل ياترى تراني كنت أعلم الغيب ، أم تراني كنت ولا أزال أتحدث كملك كريم ، في الواقع أنا لا هذا وذاك ، ولكنني أعشق التاريخ منذ أن كنت في المهد وكهلا ، وعرفت بالشواهد الدامية عبر الأزمان والخاصة بجدلية البقاء على الكرسي (الملعون) على وزن الشجرة (الملعونة) في القرآن ، عرفت بأن البقاء الأبدي عليه لن يفضي للمسرة ، البقاء الرشيق فقط هو الذي سيخلده التاريخ ، والبقاء الخفيف هو الذي ستحتفي به الأجيال اللاحقة ، ولنا في المشير عبد الرحمن سوار الدهب أسوة حسنة ، لقد كرمته الخلائق في كوكب الأرض ، عاش مرفوع الرأس ومات عليه رحمة الله مرفوع الهامة أيضا ، ثم لننظر كيف نال من الله عز وجل حظوة لم ينالها إلا المرضي عنهم فقط ، لقد دفن في البقيع بالمدينة المنورة مع الشهداء والصالحين حقا ، وبجوار عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فأي حظوة وأي مكانة تلك التي بلغها سوار الدهب .
سأقولها بصريح العبارة بأن كل الذين آزروا وأيدوا ترشيح (فخامة) الرئيس وأرجو أن لا تحسبوه نفاقا عندما أقول (فخامة) ، فأنا لا أتقلب في نعيم السلطة ، ولم أنل جنيها سودانيا واحدا من حكومة السودان ، وليس لي سلطة أو جاه أتيه في حياضه ، ولكنه أدب الحديث الذي تعلمناه في سلطنة عُمان وحسب ، أقول كل الذين أزروا ترشيح البشير للفترة الرئاسية التي ستنتهي في العام القادم لم يكونوا يحبونه ، كانوا يحبون أنفسهم فقط ، لم يريدوا له أن يتبوأ مكانا عليا مع عظماء أفريقيا حيث هناك سوار الدهب ومانديلا العظيم ، نظروا للمسألة من زاوية ضيقة تماما ، عبر مصالحهم الشخصية دون مصلحة الوطن .
كنا نرغب أن يغدو السودان بالفعل نموذجا إفريقيا يحتذى عبر تقديس الدستور وعدم تعريضه لعبث التعديل والتأويل وبناء للأهواء ، كنا نريده أن يظهر الزهد فيها لتحتذي به الأجيال القادمة من الرؤساء السودانيين ، عندها كنا سنقول بأنه قد أفلح ، وأنه عظيم بما فيه الكفاية بغض النظر عن ما أنجزه طيلة فترة رئاستة الممتدة منذ عام 1989 ، لكنهم أضاعوا عليه فرصة الخلود تلك .
حدث هذا عندما إنبرى أصحاب المصالح ليقنعوه بالترشح لفترة أخرى 2020 ـ 2025 ، ثم تمادوا عندما أضافوا لهذه الفكرة اللا موفقة كلمة حتى (الأبد) ، فزادوا الطين بله سامحهم الله ، وبذلك فقد تمادوا في إستفزاز المواطن السوداني الذي لم يكن حقدا للبشير أصلا ، لكنهم لم يحترموا عقله فغضب ، المواطن كان يحلم في سن نهج يُتبع يرفع من صيت الوطن بين الأمم ، وليرتفع معه البشير نفسه لعنان السماء .
كنت آمل صادقا أن يترك الناس يهيمون فيه وجدا وحبا لقاء عظمة الإنجاز على الأرض ، إشارة إلى أن الزهد فيها في حد ذاته إنجاز لايدانيه آخر ، ثم بعد ذلك يتجلى هو كالقمر في ليلة تمامه ليعلن لشعبه عن شكره وتقديره وإمتنانه ، ثم يقدم إعتذاره اللبق لمحبيه ، هكذا يستطيع التاريخ أن يسجل وأن يوثق للأحداث العظيمة في حياة الشعوب العظيمة .
   لكنهم لم يلتفوا حول إنجاز عظيم شاهق وعظيم وباق أبد الدهر كإهرامات الجيزة مثلا ، ومع هذا طالبوا بتنصيبه وإلى (الأبد) ، فهل ياترى يمكننا بعدها القول بأن لدينا دستور ، أم عندنا قطعة قماش بالية ، تستخدم لمسح الغبار على الأحذية كلما جاءتنا بليل عاصفة ترابية هوجاء ، ثم هل هكذا دستور من الممكن أن يؤسس لدولة سودانية عظمى ؟!.
صدقا وحقا وددت أن أرى البشير وقد أمسى مواطنا عاديا منذ العام 2015 وهو يمشي في الأسواق ، كان حلما لم يتركوه ليتحقق ، كنت أتمنى أن أراه يعيش في منزل متواضع كمنزل الراحل والخالد جعفر محمد نميري في ودنوباوي بأمدرمان ، وددت أن أرى البشير الذي إلتقيته وجها قبالة وجه بمكتبه بالقصر الجمهوري ذات يوم ، وقد أصبح صديقا للعامة ، للجيران للحبان للخلان لستات الشاي ، للباعة المتجولين ، للتجار في أسواق أمدرمان والخرطوم ، للعمال لكل الكادحين في المصانع والمعامل ودواويين الدولة ، يناقشهم ويناقشونه يحاورهم ويحاورونه يتذكرون معه نجاحاته وإخفاقاته عندما كان رئيسا لهم فيضحكون ويربتون علي ظهره ثم يمضي كل منهم إلى حال سبيله .

صورة ربما كانت ستظل في المخيلة حية تشع ضياء حتى يطويها التراب ، لكنها ستبقى في مطلق الأحوال حلما سودانيا خالصا ، وإذا أردنا أن نستنطق مايعتمل في حنايا الصدور لنسترق السمع لهمسات وجيب القلوب فإن السوداني الحق هو ذلك الرجل الذي يرغب في أن يرى الزهد يتقدم مواكب الرئيس الذي يعشق في الأصل لبس الأسمال زهدا وخوفا من حساب عسير لابد آت ، وأن نرى الدموع في عينيه والنحيب المكبوت في لياليه المدلهمة الخطوب إذ هو يحاسب نفسه بنفسه عن مافعل وعن ماقال وعن ما أنجز ، يموت خوفا عندما يعلم بأن مريضا مات لأنه لم يجد مالا ليشتري به الدواء ، يغمى عليه عندما يعلم بان هناك طفلا مات جوعا في قرية ما نائية من قرى السودان القارة والمنكود في حظه مع الأقدار اللا رخيه .
كنا نرغب في أن نرى الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة يتلقون ذات العلاج مع البؤساء من مواطنيهم ، وهم بالقطع ليسوا بؤساء فيكتور هوجو ، وكنا نرغب أن نراهم أيضا مع مواطنيهم في الحافلات وعلى تقاطعات الطرق يسعون في الأرض إبتغاء لمرضاة الله عز وجل ، وما كنا نرغب أن نرى وأن نسمع بأن لمسؤول قصر أو جنة في الأرض فيها عنب وفاكهة ورمان .
 وهكذا ياسادتي كنا نريد أن نرى عمر وحاشيته من الزهاد والعباد سائرون على طريق عمر الخليفه الراشد وعمر الخليفة الحفيد ، وحتى إذا ما أمسى هذا الحلم حقا ، فليس ثمة مبرر لأن يقول لنا أحدهم بأن حكامنا أخوان مسلمون ، فالإسلام سلوك وتقوى ووجل ، وليس شعارات وتكبيرات وتهليلات تصم آذاننا آناء الليل وأطراف النهار .

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب