الاثنين، 26 نوفمبر 2012

التحقيق الأخطر على الإطلاق في تاريخ الصحافة العُمانية


التحقيق الأخطر على الإطلاق في تاريخ الصحافة العُمانية
عبر شريط  الفيديو : THE HITS 7 VIDEO SELECTION
 سيظل يوم الإثنين 8 /08/1988 هو التاريخ الأهم في تاريخ الصحافة العُمانية الحديثة ، ذلك إنه شهد نشرنا بصحيفة الوطن لما نراه ونحسبة أخطر تحقيق صحفي على الإطلاق في تاريخ الصحافة العُمانية الحديث ، وتأكيدنا على إنه كذلك فلأنه وبمجرد نشره مباشرة وصلت أصداءه  وغباره وعثاره للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ المعظم ــ  ثم صدرت توجيهات سامية وفورية بشأنه ، ولنا بعد ذلك أن نتوقع الصدى الذي وجده من الشارع العُماني ومن منظمة المؤتمر الإسلامي التي خاطبناها مباشرة بإعتبارها المعنية بالأمر ، فما الذي حدث بالضبط في هذا اليوم ؟...
البداية من معرض مسقط الدولي
كانت لنا في ذلك الوقت من الزمان حيث نحن شبابا هواية الإستماع للأغاني الغربية مصورة عبر شرائط الفيديو VHS  وكانت وقتها هي الوحيدة في عرض المصنفات الفنية ، ذهبنا إلى معرض مسقط الدولي الذي فتح أبوابه للتو ، كنا وفي كل دورة من دورات المعرض نشترى بعض شرائط الفيديو الأصلية بالطبع ، وفي هذه الدورة كان الأمر روتينيا ، أشتريت مجموعة من الشرائط ، ثم ذهبت إلى الشقة بالوطيه ، وأخذت الواحد تلو الآخر وأضعة للإستعراض على جهاز الفيديو ، على الأرض تماما كنت أستلقي ، وبعين واحدة فقط كنت أتابع الإغاني بينما العين الأخرى كانت تغط في سبات لها عميق .
ضربة تحت الحزام
لكمة مباشرة أصابتني فيما تحت الحزام وأنا مستلقى بذلك النحو الفريد ، ذلك أن الآيات القرآنية الكريمة كانت تتهادى صعودا وهبوطا ما بين الراقصين والراقصات وهم شبه عراه ، لبرهة إعتقدت بأنني ربما أسترسلت في أحلام لي شيطانية ، غير إنني أيقنت أنني واع تماما عندما أسرعت للحمام وغسلت وجهي ثم عدت لمراجعة اللقطات على شاشة التلفاز ، إنها بالفعل آيات قرآنية كريمة ، وكان عليّ فقط التأكد عبر المراجعة الدقيقة من المصحف الكريم .
أول كمبيوتر بصحيفة الوطن
وقتها وفي عام 1988 لم يكن هناك كمبيوتر بالمعنى المفهوم ، شركة صخر للكمبيوتر أجتهدت وقدمت للعالم العربي عبر صخب إعلامي ضخم تحفتها الكمبيوترية الفريدة ( صخر AX 170  )  انه كمبيوتر صغير أخضر اللون ، ليس به هارد دسك أو شئ من هذا القبيل ، كل ما هناك هو ملحق يمكن ربطه بالجهاز لقراءة أقراص الفلوبي ، غير أن قمة سنام جهد صخر تمثل في أنها قدمت مجموعة أو باقة من الكارترج التعليمية ، ومنها كارترج رائع للقران الكريم ، يغمس هذا الكارترج على الجهاز وعلى الفور يأت المصحف كاملا ومن ثم يمكن البحث عن كلمة أو مفردات .
سيسجل التاريخ بأنني أول من أدخل جهاز كمبيوتر بصحيفة الوطن العُمانية وهو هذا الجهاز الذي كان أعجوبة في زمانة وبه وعبره قمت ببناء نظام تصنيف المعلومات الصحفية الذي تعتمد عليه الوطن حتى اليوم بل وحتى  الغد ، هرعت لهذا الجهاز وأدخلت مفردات الآيات الشريفة فإأذا هي بالفعل من سورة (الطلاق) .
وبما أن الوسائل الإلكترونية كانت بدائية وقتها فقد أستدعيت المصور بكاميرا عليها فلم (أبيض وأسود) ليلتقط مباشرة من شاشة التلفاز تفاصيل هذه الجريمة الأخطر بحق كتاب الله ، وفي الصورة الأولى كانت هناك راقصة ويبدو أنها (عاهرة) كانت تستعرض خصرها شبه العاري والآيات الكريمة (6 ـ 8) من السورة يمكن ملاحظتها في الصورة إذ الخصر العاري كان هو الخلفية للآيات الكريمات :
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى(6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا(7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ َحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) .
 في السورة الثانية أجساد بشرية عارية تماما ، ترقص في مجون وإبتزال  كخلفية لآيات كريمات من سورة الطلاق ويمكن في هذا اللقطة متابعة الأيات (11) ـ (12) :
رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا(11)اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12) ..
فيصل بن علي بن فيصل ا
من أخراج الزميل / سامي حامد
لن أنسى أبدا بان الزميل العزيز المصري / سامي حامد ـ سكرتير التحرير ، قد إهتم بنحو خاص بهذا الأمر وقام بتقديم عصارة جهده الإخراجي في تفصيل الصفحة وحياكتها بالنحو الذي يؤكد بأنه التحقيق الأخطر تاريخيا فإستخدم كل مهاراته في الإخراج الصحفي ليغدو المقال خطيرا وجاذبا ،  وفي صباح يوم الإثنين 8/8/1988 كان الشارع العُماني على طول عُمان وعرضها فضلا عن وكالات الأنباء يتحدثون عن هذا الحدث المهين لكتاب الله عز وجل ..
الوهيببي في الوطن
كت أداوم في ذلك الوقت حوالي الساعة الواحدة ظهرا ، ومنذ مساء الأحد 7/8/1988 كنت قد أعددت العدة لمواجهة العاصفة ، بداية تأكدت من وجود إيصالات الشراء سليمة وواضحة وعليها توقيع البائع وختم المحل ، إذ ماكان لي أصلا أن أجازف بالنشر ما لم أتاكد من وجود الإيصال ، بمجرد دخولي لمبنى الوطن بالوطيه ، وهذا المبنى التاريخي قد أزيل فيما بعد ليضيع معه جزء هام من تاريخ الصحافة العُمانية لكننا قد أحتفظنا بصور سترونها لاحقا نؤكد عبرها على حقيقة إن هذا المبنى سيظل موجودا أبد الدهر إذ هو جزء من تاريخ لا يتعين نسيانه أبدا .
دخل الفاضل / محمد بن سعيد الوهيبي ـ مدير عام التراث ـ بوزارة التراث القومي والثقافة للمبنى وهو لا يعرف أسما غير أسمي ، أوصلوه حيث أنا في ذلك (الجحر) الصغير في موخرة المبنى ، الوهيبي أعرفه ويعرفني حق المعرفة ، فقد عملت معه عندما كنت بهذه الوزارة ، قال لي بداية وعلى جبهته عرق يتصبب وقبل السلام والسؤال عن العلوم والأخبار على  الطريقة العُمانية بادرني :
ـ أبوزيد ... أين الايصال أولا ، ثم أين الشريط ثانيا ؟..

 كلاهما كانا معي كأمر متوقع إلتقطهما كصقر لا يلوى على شئ ، ثم هرول مصحوبا بمرافقيه الأمنيين ، قبلها إسر لي بأن إن التعليمات السامية قد صدرت بضرورة رقع تقرير عن هذا الأمر فورا ، لذلك فقد منعنا خروج الموظفين  من الوزارة  وإلى  أن ننتهي من الأمر  كله ، قلت له : على بركة الله ..
بين المطرقة والسندان
أنطلق الوهيبي وصحبه إلى الوزارة إذ كنت بالفعل أشفق عليه كصديق قديم وجد نفسه بسببي ما بين المطرقة والسندان فعلا ، فهو رئيس قسم مراقبة المصنفات الفنية بالوزارة ومدير عام التراث ، وخطورة موقفة تتمحور في أن الفيديو وإذا ما إتضح بانه قد مر على القسم المختص بالوزارة وتمت مراقبته كما ينبغي ، وتم منحه حق التدوال بالسوق العُماني،  ذلك يعني أن الكارثة كلها ستقع على رأس الوهيبي المسكين .
الحـــــــــــــــــــالة الثانية
والحالة الثانية والتي يتمناها الوهيبي ويرجوها وتتمتم بها شفتيه هو أن يكون الفيديو لم يمر بالقسم المختص بالوزارة ، بل دخل عن طريق التهريب مثلا ، وهو الإحتمال الوحيد الذي سينقذ الوهيبي ، لذلك كنت أشفق عليه إذ هو يعايش أسوأ أيام حياته على الإطلاق .
عندما تنفس الوهيبي الصعداء
أسرع الوهيبي للوزارة حيث كان صاحب السمو السيد / فيصل بن على بن فيصل آل سعيد ـ وزير التراث القومي والثقافة بإنتظاره على أحر من الجمر لتعانق عينيه هذا الشريط اللعين إذ هو يوقن بان سقوط الوهيبي يعني أنه أيضا يتحمل جزءا من الوزر المهول ، الجميع أسرع لقسم الرقابة بالوزارة وتم إستعراض أسم الشريط والمعلومات الخاصة به ، تنفس الجميع الصعداء  عندما أيقنوا بان الفيديو لم يمر على الوزارة ، وتم رفع التقرير بهذا النحو  .
إذن كيف دخل الفيديو للسلطنة ؟..
ذلك هو السؤال الذي كان يتعين على شرطة عُمان السلطانية الإجابة عليه ، ومن ثم رفع إجابتها لحضرة صاحب الجلالة ، فيما بعد يومين من نشر التحقيق تم إغلاق كل محلات بيع شرائط الفيديو في العاصمة مسقط وفي كل الولايات العُمانية ، لايوجد شريط فيديو واحد في كل السلطنة ، وبدأت التحقيقات الدقيقة لمعرفة كيفية دخول الفيديو ، ثم كيف يباع بشكل رسمي وفي معرض مسقط الدولي .
نتائج التحقيقات
بعد تحقيقات مكثفة توصلت شرطة عُمان السلطانية إلى العصابة المسئولة عن ترويج هذه السلع ، ثم أكتشاف مقار سرية في مدينة القرم يمسقط مزودة بكافة الأجهزة الفنية الخاصة بالنسخ والتغليف ، وفي مطار السيب الدولي ألقي القبض على الموظفين الذين يسهلون دخول الشرائط .
في المحكمة
فيما بعد إكتمال التحقيقات مع المتهمين رفع الملف لعدالة المحكمة ، وكانت الأخبار والعلوم ترد إليّ أولا بأول بواسطة أصدقائي بشرطة عُمان السلطانية ، ثم صدرت الأحكام بحق المتهمين ، وكانت أحكام قاسية للغاية ولسنوات سجن طويلة ، أذكر بان أحد رجال الشرطة قال لي : تري أبوزيد تو أنت محتاج حراسة خاصة ....
ضحكت بالطبع غير إنه كان يعبر عن مخاوفه المشروعه إذ ربما تتولد رغبة في الإنتقام لدى متهم مدان ذلك وارد حكما ، غير إنني كنت بالفعل لا أبالي إذ أنا ويقينا لا أخشى إلا الله ، ذلك ما جعلني لا أقيم وزنا لهذا التحذير الكريم من صديق عزيز ، له التحية أين كان بسلطنة عُمان الشقيقة ..
وبما أن الدنيا كلها كانت تتحدث عن هذا الحدث ، من المقام السامي وصولا للمواطن العادي ، فلكم أن تطلقوا العنان لمخيلاتكم لتتصوروا مقدار المكافاة التي تلقيتها من الوطن فيما بعد أن باتت على كل لسان في ذلك اليوم .
يؤسفني أن أقول لكم  وبأسى بالغ ،  ثم بحزن عميق ، إنني لم أتلق كلمة شكر واحدة .. ولا حتى مجرد تعليق ، أو تعقيب ، أو إيماءة  ، أو إبتسامة ، لا شئ على الإطلاق ، كأنه وأساسا لم يقع حدث جلل ، وكأن السماء لم تمطر دما في ذلك اليوم الفريد : 8/8/88 ...
 تلك حكمة بعيدة المنال يتم إتباعها بدقة متناهية في مقابلة ومناظرة هكذا حالات أبداعية تهل وتطل من خلف  الحُجب وسنعرض لأسبابها لاحقا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق