الخميس، 10 يناير 2013

وهكذا وفي صمت رحل العلامة السوداني دكتور / حسن أبشر الطيب ..


الطيب صالح لدكتور حسن : لكن أنا ما عندي عصاية ..

الحزن العميق هو ما ينتابني في اللحظة والتو ، إذ نعي الناعي للشعب السوداني العلامة الدكتور / حسن أبشر الطيب ،  الذي جمعتني به علاقة وطيدة شهدتها العاصمة العُمانية مسقط ، وقتها كنت المشرف على الملحق الثقافي بجريدة الوطن العُمانية ، وبالتالي فإن كل حدث ثقافي كان يقع تلقائيا ضمن دائرة إهتمامي الصحفي ، وكانت زيارات الأديب السوداني العالمي الراحل الطيب صالح لمسقط هو مدخل التلاقي ما بيني وبين الطيب صالح والمغفور له بإذن الله الصديق / دكتور حسن أبشر الطيب .
كانا دائما معا الطيب صالح وصديقه دكتور /حسن أبشر الطيب
العام 1993 شهد الزيارة الأخيرة للطيب صالح لعُمان ، وكان الدكتور / حسن معنا بمطار السيب الدولي بمسقط وبقاعة كبار الزوار إذ نحن نستقبل الضيف العزيز الطيب صالح ، دكتور حسن كان وقتها يشغل وظيفة خبير إداري بوزارة الخدمة المدنية بسلطنة عُمان ، كانت ثمة علاقة خاصة جدا تربطة بالطيب صالح لمستها شخصيا وعايشت حرارة الود والدفء والحب الصادق الذي يتبادله الراحلان ، ورغم إن النادي الثقافي بالسلطنة كان قد حجز غرفة بفندق الأنتركونتنتال بمسقط للطيب صالح إلا إنه كان يقيم طيلة أيام زياراته لمسقط في منزل دكتور / حسن بمدينة قابوس بالعاصمة مسقط ، وكان اللقاء الصحفي الهام جدا الذي خصني به الطيب صالح كان في صالون منزل دكتور حسن والساعة تقترب من منتصف الليل .
كانا معا بمنزل دكتور حسن بمدينة قابوس بمسقط
كانت هناك لغة خاصة ونكات خاصة وتعليقات خاصة يتبادلها دكتور حسن مع صديقه العزيز حتى العظم بل حتى النخاع الطيب صالح ، وكان ذلك الود الحميم الذي كنت شاهد عيان فيه وعليه يثير في نفسي لوعة الإعجاب بهذا الود الجميل الذي أمسى نادرا في هذا الزمان كالح المعالم ، ولن أنسى ما حييت النقطة الوهاجة في الأمسية التي أقامتها الجالية السودانية وبدعوة كريمة من الدكتور / علي التوم بمنزله بمدينة الخوير بمسقط ، ففيما بعد أن تناول الجميع طعام العشاء وجاء دور الطرب العفيف ، أخذ الدكتور حسن عصاة الأبنوس السودانية (القحة) الخاصة به وأخذ بالعرضة على إنغام الغناء الحماسي وتوجه نحو صديقه الطيب صالح وقال : أبشر .. أبشر .. نهض الطيب صالح لمجاملة صديقه الغالي ، لم يكن الطيب صالح يحمل عصاة وقال بصوته الجهور لدكتور / حسن : لكن أنا ما عندي عصاية ، ضحكنا جميعنا من هذا التعليق الطريف ، وبما إنه بالفعل لا يملك عصا كعصا الدكتور / حسن فقد كور قبضة يدة كناية على إنه يحمل عصاة شفافة يتعين علينا أن نتخيلها وأن نراها موازية لعصا الدكتور حسن .
كان المرحوم دكتور حسن معتدا بعصاة الأبنوس الخاصة به
عندما عدت للسودان قبل عقد من الزمان كنت في بحث دائم ودائت عن دكتور / حسن ، لم أكن أدري أين هو ، فقد غادر مسقط بعد إنتهاء عقده مع وزارة الخدمة المدنية العُمانية للقاهرة ليشغل وظيفة في إحدى المنظمات الدولية هناك كما قيل لي ، لم أكن أعلم أي منظمة هي وبالتالي لم أكن أعلم عما إذا كان لا يزال في القاهرة أم عاد للخرطوم إلى أن حمل إلينا الناعي صباح اليوم 10/1/2013 خبر وفاة دكتور حسن بالخرطوم .
لذلك فأنا حزين فعلا إذ لم ألتقيه مجددا منذ أن إلتقيت الطيب صالح بمنزله العامر بمسقط ، كنت أود أن أساله عن سر العلاقة الخاصة والمضيئة كالشمس والتي جمعته مع الراحل الطيب صالح ، كنت أود أن أساله لماذا كان الطيب صالح يكن له كل ذلك الحب النبيل ، وبالقطع فان الطيب صالح قد وجد فيه ذلك الإنسان القادر على فهم أبعاد الإبداع في نفسه المترعة بأوجاع كل وآنات المعذبين في الأرض كل الأرض ، لذلك فقد خصه بذلك الشئ الشفيف الذي تلحظة العين بغير أن تستطيع إستبانة الملامح الدقيقة فيه ، ذلك هو (الإيثار) على ما أعتقد ..
ألا رحم الله دكتور / حسن أبشر الطيب رحمة واسعة بقدر ما قدم لوطنه من علم وصيت محمود فيما خلف البحار كأحد أعلام الإدرارة والإعلام الذين أنجبهم السودان الوطن ..

ضرغام أبوزيد
dirgham@yahoo.com
ملحوظة:
الصور المنشورة حصرية ومحمية وفقا لقانون حق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996