الطيب صالح لدكتور حسن : لكن أنا ما عندي عصاية .. |
الحزن العميق هو ما ينتابني في اللحظة والتو ، إذ نعي الناعي للشعب
السوداني العلامة الدكتور / حسن أبشر الطيب ، الذي جمعتني به علاقة وطيدة شهدتها العاصمة
العُمانية مسقط ، وقتها كنت المشرف على الملحق الثقافي بجريدة الوطن العُمانية ،
وبالتالي فإن كل حدث ثقافي كان يقع تلقائيا ضمن دائرة إهتمامي الصحفي ، وكانت
زيارات الأديب السوداني العالمي الراحل الطيب صالح لمسقط هو مدخل التلاقي ما بيني
وبين الطيب صالح والمغفور له بإذن الله الصديق / دكتور حسن أبشر الطيب .
كانا دائما معا الطيب صالح وصديقه دكتور /حسن أبشر الطيب |
العام 1993 شهد الزيارة الأخيرة للطيب صالح لعُمان ، وكان الدكتور / حسن
معنا بمطار السيب الدولي بمسقط وبقاعة كبار الزوار إذ نحن نستقبل الضيف العزيز
الطيب صالح ، دكتور حسن كان وقتها يشغل وظيفة خبير إداري بوزارة الخدمة المدنية
بسلطنة عُمان ، كانت ثمة علاقة خاصة جدا تربطة بالطيب صالح لمستها شخصيا وعايشت
حرارة الود والدفء والحب الصادق الذي يتبادله الراحلان ، ورغم إن النادي الثقافي
بالسلطنة كان قد حجز غرفة بفندق الأنتركونتنتال بمسقط للطيب صالح إلا إنه كان يقيم
طيلة أيام زياراته لمسقط في منزل دكتور / حسن بمدينة قابوس بالعاصمة مسقط ، وكان
اللقاء الصحفي الهام جدا الذي خصني به الطيب صالح كان في صالون منزل دكتور حسن
والساعة تقترب من منتصف الليل .
كانا معا بمنزل دكتور حسن بمدينة قابوس بمسقط |
كانت هناك لغة خاصة ونكات خاصة وتعليقات خاصة يتبادلها دكتور حسن مع
صديقه العزيز حتى العظم بل حتى النخاع الطيب صالح ، وكان ذلك الود الحميم الذي كنت
شاهد عيان فيه وعليه يثير في نفسي لوعة الإعجاب بهذا الود الجميل الذي أمسى نادرا
في هذا الزمان كالح المعالم ، ولن أنسى ما حييت النقطة الوهاجة في الأمسية التي
أقامتها الجالية السودانية وبدعوة كريمة من الدكتور / علي التوم بمنزله بمدينة
الخوير بمسقط ، ففيما بعد أن تناول الجميع طعام العشاء وجاء دور الطرب العفيف ، أخذ
الدكتور حسن عصاة الأبنوس السودانية (القحة) الخاصة به وأخذ بالعرضة على إنغام
الغناء الحماسي وتوجه نحو صديقه الطيب صالح وقال : أبشر .. أبشر .. نهض الطيب صالح
لمجاملة صديقه الغالي ، لم يكن الطيب صالح يحمل عصاة وقال بصوته الجهور لدكتور /
حسن : لكن أنا ما عندي عصاية ، ضحكنا جميعنا من هذا التعليق الطريف ، وبما إنه
بالفعل لا يملك عصا كعصا الدكتور / حسن فقد كور قبضة يدة كناية على إنه يحمل عصاة
شفافة يتعين علينا أن نتخيلها وأن نراها موازية لعصا الدكتور حسن .
كان المرحوم دكتور حسن معتدا بعصاة الأبنوس الخاصة به |
عندما عدت للسودان قبل عقد من الزمان كنت في بحث دائم ودائت عن دكتور /
حسن ، لم أكن أدري أين هو ، فقد غادر مسقط بعد إنتهاء عقده مع وزارة الخدمة
المدنية العُمانية للقاهرة ليشغل وظيفة في إحدى المنظمات الدولية هناك كما قيل لي
، لم أكن أعلم أي منظمة هي وبالتالي لم أكن أعلم عما إذا كان لا يزال في القاهرة
أم عاد للخرطوم إلى أن حمل إلينا الناعي صباح اليوم 10/1/2013 خبر وفاة دكتور حسن بالخرطوم
.
لذلك فأنا حزين فعلا إذ لم ألتقيه مجددا منذ أن إلتقيت الطيب صالح بمنزله
العامر بمسقط ، كنت أود أن أساله عن سر العلاقة الخاصة والمضيئة كالشمس والتي
جمعته مع الراحل الطيب صالح ، كنت أود أن أساله لماذا كان الطيب صالح يكن له كل
ذلك الحب النبيل ، وبالقطع فان الطيب صالح قد وجد فيه ذلك الإنسان القادر على فهم
أبعاد الإبداع في نفسه المترعة بأوجاع كل وآنات المعذبين في الأرض كل الأرض ، لذلك
فقد خصه بذلك الشئ الشفيف الذي تلحظة العين بغير أن تستطيع إستبانة الملامح
الدقيقة فيه ، ذلك هو (الإيثار) على ما أعتقد ..
ألا رحم الله دكتور / حسن أبشر الطيب رحمة واسعة بقدر ما قدم لوطنه من
علم وصيت محمود فيما خلف البحار كأحد أعلام الإدرارة والإعلام الذين أنجبهم
السودان الوطن ..
ضرغام
أبوزيد
dirgham@yahoo.com
ملحوظة:
الصور المنشورة حصرية ومحمية وفقا لقانون حق المؤلف والحقوق
المجاورة لسنة 1996