الثلاثاء، 31 مارس 2020

عام الكورونا ليس هو عام الأماني

 بت أكثر قناعة مع مرور الأيام ومع وداعنا  بالأمس لشهر مارس الرهيب من عام الكورونا 2020 أعني ، ووقوفنا اليوم على أعلى تلة من تلال إبريل شهر (الأكاذيب) وإذ نحن نرهف السمع ترقبا من أين ستأتينا كذبة ملتهبة ، نؤكد عبرها باننا أهل الفجور ، فما نحن فيه هو الأسوأ على الإطلاق وعلى مر العصور .
عام الكورونا لم يترك لنا سانحة لنتبادل القفشات أو الضحكات أو الإبتسامات ، مانراه في السماء كسحب أو غمام ربما يكون مزيدا من العذاب ، تماما كما ظن وأعتقد قوم هود عليه السلام وهذا ما أشارت إليه الآية 24 من سورة الأحقاف (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) .. صدق الله العظيم .
ففي عام الكورونا ليس ثمة مجال لتحقيق الأحلام الوردية ، بت أكثر قناعة بذلك أكثر من أي وقت مضى ، ربما نرى ثقبا صغيرا في حائط هذا العام العنيف يتسربل منه الضوء كخيط دخان ، نهرع إليه ثم نوكل للبصر بمهمة أن يأتينا بالنبأ اليقين ، غير أنه يرتد إلينا خائبا وهو حسير ، فماذا ياترى قد رأي ، ثم ماذا عساه قد شاهد ، ليست مهمة كل تلك التفاصيل ، الأهم أنه وفيما بعد ذلك كان الصدر منقبضا وفي الأعين جحوظ .
صحيح أنني عثرت معنويا في عام الكورونا على كنز لي كان مضيعا فيما خلف البحار ، بيد إنني وفي التو واللحظة بت أقترب رويدا رويدا من قناعة قاتمة مؤداها  إنني لن التقيه ابدا إلا في يوم النشور ، ليس ثمة عذاب في الأرض أكثر من أن ترى الماء يجرى كنهر عند خط  الأفق وحتى إذا ما أيقنت أنها لحظة مقتل الظمأ ، يعلنها لك صوت أجش هبط من مكان ما في السماوات العلا بأن ما رأيته كان سرابا يلمع في متاهات الشوق ليس إلا .
فعام الكورونا إذن كان إيذانا غريبا وعجيبا ، فهو لم يأت بغته أو فجأة ، كنا على علم مسبق بأنه سيأت ، ذلك ماقالته لنا بعض النبؤات الشيطانية ، كان رجسا ، لم نسمح له بالإرتقاء إلى مرتبة اليقين ، كُتب صدرت قبل أعوام طويلة مضت ، تحدثت عن 2020 وما سيحدث فيه ، منتجات صنعت خصيصا لكورونا قبل أربعة أعوام خلت ، إرهاصات أكدت بأنه الأسوأ على الإطلاق ، كان كل ذلك في الماضي ، فإي قدرة تلك التي أوعزت للماضي أن يكون هو نفسه الحاضر في سابقة هي الأولى في تاريخ البشرية كلها ..
للمرة الأولى ترد أقاويل لتمضي بنا لحواف التصديق من أن عام الكورونا هو نهاية المطاف ، وان الحكم قد صدر بحق الطغاة والمفسدين ومن خلفهم زمر المطبلين للباطل وقد أخذوا بجريرة ساداتهم ، فقد رأوا المنكر ولم ينكروه ، رأوا الباطل فصدقوه ، أثروا الحصول على الغنيمة السهلة من يد الإنسان الإله زعما مردودا ، حدث ذلك من بعد أن  إستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، على ذلك فإن الحصول على الغنائم لن يتأت لأحد في هذا العام ، هذا إن كان هناك عام آخر سيأت بعده .
الرئيس السوداني السابق عمر البشير ، وبناء على توصية شورى المؤتمر الوطني قالوا لنا بأن انتخابات 2020 أي عام الكورونا سيعاد إنتخاب فخامته لفترة أخرى والمثير فيها أنها (للآبد) ، لم يكن أولئك المساكين يعلمون بأنه وفي عام الكورونا لن تجرى أي انتخابات أبدا وفي أي ركن من أركان المعمورة ، ولم يدر بخلدهم أبدا أن الآمال لاينبغي أن تعلق على هذا العام تحديدا ، كان ذلك إرهاصا سيئا لما حدث لفخامته فقد راهن هو والمؤتمر الوطني على الحصان الخاسر عام الكورونا ، وتلك هي النكبة التي تشابه نكبة البرامكة في عهد الرشيد .

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب
00249121338306

الجمعة، 27 مارس 2020

إنه في اليوم العشرين من مارس من عام الكورونا

عندما يذكر الناس عام الفيل فذلك هو العام الذي هاجم فيه أبرهه الأشرم مكة يروم سؤا ببيت الله الحرام ، وجميعنا يعلم بأنه وفي ذلك العام الموافق 571 ميلادية جاءت الطير الأبابيل ، وجميعنا يعلم بأنه وفي ذلك العام أيضا ولد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، إذن فإن الناس كانوا وعلى مدى الأزمان يؤرخون للحوادث العظيمة بالأحداث الجلل تلك ستبقى آية .
بيد أن الحقيقة المثلى كذلك هو أنه وفي العشرين من مارس من عام الكورونا عثرت على كنز لي مفقود في سلطنة عُمان الحبيبة والشقيقة ، تلك كانت الركيزة والمتكأ الذي قامت عليه عمد وأركان زاويتي اليومية (شراع) بالوطن العُمانية وفي شقها الاجتماعي ، الجميع يعلم بأن شراعي لم يكن زاوية سياسية فحسب ، بل كانت مفتوحة على كل مايهم الإنسان أين كان وأين وجد وذلك ما كان يميزها عن غيرها ، لهذا فقد أبحرت شرقا وغربا شمالا وجنوبا ، وخاطبت الناس في كل فج عميق من فجاج الأرض ، كل أو أغلب القصص الاجتماعية التي تناولت المجتمع العُماني من الداخل أو من الأعماق كانت وتمت بواسطة زميلة عزيزة ورفيقة درب عالية القامة والمقام والمستوى ثقافة وعلما وأدبا ، كانت هي عيني التي لاتنام ، وكانت هي البوصلة التي وبناء على مؤشراتها تتوجه أشرعتي الاجتماعية .
لقد حقق الجانب الإنساني في (شراع) في ذلك الزمان دويا هائلا على طول عُمان وعرضها ، كان ثمة بكاء ونحيب يتسربل إليّ عبر الهاتف من ولايات السلطنة المختلفة مع كل قصة تروى وتحكى ، وكانت هناك شهقات وزفرات تصل إلينا من أناس يأتون إلينا ليروا بأعينهم كاتب (شراع) ، كانت نسبة عالية من العُمانيين يعتقدون بأنني عُماني الجنسية ، وإنني متمرد فقط على الدشداشة والمصر والكمه العُمانية فقط لا أكثر ولا أقل ، فلهجتي العُمانية كانت تؤكد بأنني بالفعل كذلك ، المسألة لم تكن على ذاك النحو قطعا ، فعُمانيتي المفترضة جدلا خلقتها تلك الزميلة ورفيقة الدرب القديم التي فقدتها منذ أن غادرت عُمان .
قبل سنوات مضت حملت لي الريح العقيم خبرا أو إنني ربما سمعته خطأ بأنها قد إنتقلت للرفيق الأعلى ، ومنذ ذلك الوقت أنا وكل أفراد أسرتي هنا في الخرطوم نتضرع لله عز وجل صباح كل يوم جديد أن يشملها بواسع رحمته وأن يلحقها بالرفيق الأعلى من الجنة .
إلى أن كان ماكان في يوم الجمعة الماضية الـ 20 من مارس من عام الكورونا عندما كنت أتحاور مع الزميل العزيز ورفيق الدرب القديم الإعلامي والكاتب العُماني العلم / زاهر بن حارث المحروقي ، وكان المحروقي هو أول عُماني أميط له اللثام عن ذلك السر الدفين الخاص بالجانب الاجتماعي من أشرعتي بالوطن ، لقد تمخض ذلك الحوار وبقدرة الله على العثور على كنزي الضائع في سلطنة عُمان لأسجد على الفور أنا وأولادي شكرا وحمدا لله عز وجل ، ولتقام الإحتفالات هنا بنبأ العثور عليها حية ترزق في ولاية من ولايات السلطنة ، ذاك كان أكبر وأهم الأحداث في حياتي منذ أن غادرت السلطنة ، إذ بعدها سأمضي قدما في سرد الحكايات القديمة لتقرأها هي أولا بإعتبارها الملهمة وصاحب الفضل والأفضال على قلمي وعلى لغتي وعلى كل شيء جميل كتبته بالوطن العُمانية ، وسيبقى كل ذلك وإلى ماشاء الله جزءا من التاريخ الصحفي للسلطنة العزيزة .
وفيما بعد ذلك وإذا كان الشئ بالشئ يذكر فإن عام الكورونا هذا الثقيل الوبيل قد ألقى على بركة الماء الآسن حجرا ولا أعظم ، لقد بدد دياجير الظلمة التي كان يختبئ خلفها أصحاب الياقات الطويلة في حقل وميادين الفساد والإفساد في كل مكان من كوكبنا هذا المُبتلى ، أولئك الظلمة الذين يمشون على الأرض مرحا ، ولم يدر بخلدهم أن الله يسمع ويرى ، هم لايستطيعون إنكار فسادهم ولا إفسادهم ، فالكذب على الله لايجوز فقها وحصافة ، إذن فكل الخزي والعار الذي يندي له الجبين خجلا سيعرض على السيد كورونا ليرى فيه مايرى .
لم يأت هذا الطاعون المحدث عبثا ، فالإنسان هذا الداهية الأحمق يرى نفسه بأنه هو الذي يسوس الكون وهو الذي يحدد مصائر عباد الله في أرضه ، ذلك غير صحيح ، فالدائرة باتت أضيق مما يتخيلون ويعتقدون ، لهم أن يعلموا بأن كل شيء سيقال في يوم آت لامحالة وبحذافيره ، هكذا يا سادتي يكتب التاريخ ، بعدها سنرى إلى أي منقلب كوروني سينقلبون ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب سوداني عُماني
249121338306+

الخميس، 19 مارس 2020

كان همسا في أخاديد الزمن


ها أنذا احفر عميقا وبعيدا في أخاديد الزمن بحثا عن (كلمة)، كلمة واحدة فقط تقال تحت هجير الشمس وتحت ضياء القمر، فتنزل بردا وسلاما على الحفاة المترجلين مشيا فوق أشواك الإحن، على التائبين القانعين القانطين المتعلقين والمتوسدين أهداب المحن، كلمة تقال همسا وفي طبول آذان تحاول دون جدوى أن تميط غشاوة الليل المريب، كلمة تقال للصدق ابن الصدق أبن الصدق أبن الصدق في أودية الضياع الثاكلات الواجمات الصارخات تحت أسنة المطر الصديد، كلمة تقال للجهر ابن الجهر حيث الجهر ينوح همسا تحت مقاصل الأنواء تهبط من أعالي الفجر تعوي ثم تذري ثم يندلق المداد، كلمة تحوم كالليل المجنح والمكلل بالسواد، تمضي إلى الأصقاع حيث الناس كل في فجاج الأرض، هامسة وغارسة شوكا في محاجر أعين يبست في مراجل الصدق المدندن تحت أغطية دخان الويل يعلو ثم يرنو ثم ينفجر العذاب.
باليت شعري ثم قولي، ثم فعلي، ثم عجزي، ثم ضعفي يمضي بي إلى خلد الخلود، حيث القول بعد القول عبر ضراعة الرمح المهشم في نزال الموت (كان) محاربا فذا تناوشته سيوف للمنايا لا تروم غير عصارة الجهد الجهيد، وإذ الأنات والويلات والطعنات في حنايا الصدر تعتمل السجايا الطيبات الماجنات الداعيات إلى السفور، تغتالهن رماح هولاكو وقد عبر المجاهل والدثور، وإذا بحور الدم تجرى ثم ينطفئ الشعاع، وعبر الدم كل الدم ويل الدم تنسل كالطوفان كالهذيان أطياف وأشباح تزمجر كالأسود، يتقاتلون تحت مسامع الحق حيث الحق ابن الحق مجندل ومضرج تحت أقدام مسننة الحواف، لا فض فوك ابن المقت ابن العهر، فقد جاء الذئاب الغبر من وادي الضباع، يتناوشون وليمة الجيفات تحت أضواء الشموع السود تنز أضواء تفوح روائح الغدر الأليم.
ما عاد في الأفق البعيد غير مرارة الألم الهصور، ما عاد في السفح البعيد غير أبخرة السراب، يا ابن من رضع الرحيق الأبلج الوجنات من ضرع أروية حنون.. هل تحن صغار الوعل إلى عشب أم إلى لحم قديد؟.. هل في الأرض كل الأرض بعد الأرض قبر للمزيد؟.. أم ترانا وفي وجوم السحق نمشي وفي العينان ترنيم حزين، نسعى في طلاب المجد حيث المجد مقموع الأنين، أم ترانا في سفور الإفك نمضي ثم نمضي ثم يطوينا الحنين، ليت شعري كيف تنبلج المباهج في القبور..
وعلى مدى البصر الكليل، وعلى امتداد الكوكب الأرضي حيث الناس كل الناس بين جماجم الأتراح يتصارعون على فتات أرغفة مبللة برحيق أعصرة الجنون، يتساءلون عن الرحيق الأنبل النبرات في هذا العثار، يتناوبون على السؤال، الكل بعد الكل يسعى للسؤال، الصامتون عن السؤال، في الخدين تعوي حمرة الخجل الكسيف، يتسامرون عن المقال، يتدافعون إلى الغناء الأروع الترديد والتلحين على مرآي من الصبح الوشيك، وبعد أن شاخت تباريح الجوى المغبون تحت مراجل اللهب الرهيب، فان الحق كل الحق إلا الحق بعض الحق حصرا لا يقال.
الشاردون النافرون إلى الطريق، في ظلام الليلة الليلاء هولا ما يسد عليهم سبل الطريق، طارق ابن زياد كان على الطريق، في الخلف يبدو البحر هائج الأمواج إذ لا مفر إلى الإياب، بيد إن القول بعد القول في رحم الزمان الأبشع القسمات في كل مفاصل الزمن الردئ، فإذا الأشعار لا تعني غير أحصنة الضياع الغبش تعدو ثم ينسحق الأمل، في الجيد في الكبد المحاصر بالضباب تمضي بنا الفرسان والركبان إلى حتف أكيد..

ضرغام أبوزيد
زاوية (شراع اليومية) بالوطن العُمانية الثلاثاء 6/03/2001
+249121338306

ثمة شئ ما حاصرني وهيج في دواخلي هذا البوح الأليم في ذلك الزمان بالعاصمة العُمانية مسقط