الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

وهكذا تمضي مشيئة الله ..


من زاويتنا اليومة شراع بالوطن العُمانية عدد يوم الثلاثاء 13/03/2001

عامر وعاصم وسمية هم أطفاله الثلاثة، وفي بسطة من العيش هي عطاء الله على عبده هذا الشاكر الحامد، عاش هنيئا سعيدا، رأي إن أسرته الصغيرة كل الأماني التي حلم بها إذ هو صغير يحبو في دهاليز الطفولة، قال لزوجته لا نحسب بان علينا أن ننجب المزيد، فوافقته الرأي، وفيما بعد ذلك كان عليهما أن يجدا طريقة مناسبة لذلك، هرعت الزوجة إلى طبيبتها وفيما بعد الفحص أفادوها بان جسدها لا يمكنه تقبل الأعراض الجانبية لأقراص منع الحمل، وعندما أخبرت زوجها بذلك قال لها إذ هو محب: سأتولى هذا الأمر بنفسي، فذهب إلى طبيه الخاص طالبا منه أقراصا أو أدوية قادرة تكبيل قدرته على الإنجاب، وكان سعيدا إذ هو وعلى نحو يومي يتعاطى هذا الدواء، ومضت سفينة الدعة بهما إلى مرافئ السعادة الحقة.

 وكبر الأطفال وعلى أفواههم ملاعق من ذهب، لا يعرفون من الحياة غير حديقة غناء مترامية الأطراف، تحوم في شجيراتها الفراشات الملونة والعصافير الصغير الوديعة، ابنه الأكبر عامر كان الأثير لديه، إذ هو الأقرب إليه شبها وطباعا، فكان الأحب إلى نفسه وقلبه، وبما انه كذلك أراد أن يغدو في الحياة فارسا كابية، قرر بداية أن يعلمه السباحة عندما يكمل امتحانات نهاية المرحلة الإعدادية، وجاء الامتحان وقد أبلى عامر فيه بلاء حسنا وتفوق كعادته في دراسته، وكان الأب عند وعده تماما، اصطحبه إلى النادي، غير انه لم يجد المدرب هناك، كان عليه العودة لمكتبه فهناك اجتماع لمجلس الإدارة، طلب من ابنه البقاء قريبا من حوض السباحة إلى أن يأتي المدرب، وان لم يأت فعد إلى المنزل، وانصرف الأب، وفيما بعد انتهاء الدوام عاد لبيته، سأل عن ابنه فقالوا: لم يعد بعد، قال ربما يكون قد ذهب لزيارة أصدقاءه، جاء الليل ولم يعد عامر بعد، هرعت العائلة كلها إلى حوض السباحة، بحثوا في أركانه الأربعة، لم يكن هناك اثر أو شبه اثر لعامر، جاءوا بأضواء كاشفة وسلطوها على القاع، وهناك كان عامر في القاع وقد مات غرقا، جن جنونه، والعويل المميت ينهش من حنايا صدره بغير رحمه، كان يرى بأنه السبب، فلو لم يصطحبه إلى هناك لما مات، وفيما بعد أن عدت الأيام والشهور سكت عنه الأسى وخفت لهيب اللوعة.

قال لزوجته وإذ هي جاحظة اللعينين أسفا على عامر، بان عليهما أن ينجبا طفلا آخر، لعله يعوضهما عن الفقيد العزيز، توجه إلى طبيه ليعطيه الترياق المضاد، إذ انه توقف عن تناول الأقراص منذ عدة سنوات، قال الطبيب إن الأمر مرهون بفحوصات جديدة، وتم إجراؤها على عجل، جاء في الموعد وفي عينيه يلمع بريق الأمل، غير إن الطبيب لم يجد من بد غير أن ينبس بالحقيقة إذ لا مفر إلا إليها إذ قال وهو مغمض العينين: ليس في وسعك الإنجاب مجددا للآسف، فقد اقتلعت الأقراص كل أمل لك في أن تنجب من جديد، لم يستوعب ما قيل إذ الافتراض في دواخله مكتمل أركانه ومفاده أن ثمة خطأ ما قد وقع، سافر إلى العديد من الدول الأوروبية فاخبروه بالنتيجة نفسها،عاد إلى وطنه، ومن جديد عاد عامر حيا إذ يراه في صحوه ومنامه على هيئة طيف جميل يرفض الدنو منه رغم توسلات وضراعات له حارة.
أضحى فيما بعد ذلك أسيرا إلى قبر عامر، فهو العزيز الذي قالت الأقدار في موته انه (لا يعوض) ثم هو في دياجير ظلمة يعمه فيها كـ (رجل) ليس رجلا ما عاد قادرا على الدفاع عن هيبة شاربيه، عندها اغمض عينيه ثم اسلم الروح إلى بارئها..
  ضرغام أبوزيد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق