الجمعة، 28 أبريل 2017

هل تعيرنا سلطنة عُمان متبرعها العام ؟..



من العاصمة السودانية الخرطوم نتابع عن كثب وبإعجاب كبير ذلك الجهد المبدع والخارق للعادة والذي يضطلع به الأخ العزيز الفاضل / أحمد بن حمد الخروصي ، في مجال التبرع بالدم في سلطنة عُمان الشقيقة حيث أطلقوا عليه هناك لقب (المتبرع العام) ، هو بكل المقاييس يستحق هذا اللقب عميق الدلالات فقد بدأت رحلته مع التبرع بالدم من الأول من فبراير عام 2008 وحتى الآن بلغ عدد مرات تبرعه 128 مره ، هو رقم قياسي بالتأكيد ليس في السلطنة لوحدها وإنما في عموم أقطار العرب نقول ذلك بثقة تامة ولسبب واحد وبسيط هو إن ثقافة التبرع بالدم التي أفلح الخروصي في ترسيخها في كل ولايات السلطنة تكاد أن تكون معدومة تماما في كل بلاد العرب .

وإذ شاء لي أن أتحدث بالمعايشة فإنني أقول بأن هذه الثقافة الراسخة الآن في السلطنة لا وجود لها على الإطلاق هنا في السودان وعلى ذلك يحق للسلطنة أن تفاخر بما يقدمه الخروصي من جلائل الأعمال في هذا المجال الحيوي النبيل إذ وهنا ترتكز النقطة الفاصلة مابين الموت والحياة ، وإذا كنت أتابع وبإعجاب كامل هذا الجهد الرائع للخروصي وهو يحصد الصدقات الجاريات الطيبات على مدار اليوم والساعة  فإنني والحق أقول لطالما تمنيت أن يكون لنا في السودان خروصي مماثل ، فنحن نعايش مأساة حقيقة هنا في السودان في مجال التبرع بالدم ، لدينا حوادث مرورية قاتلة تقع يوميا في هذا القطر الشاسع الواسع ، ولدينا أطول طرق برية على مستوى إفريقيا القارة ، ولدينا نزاعات وصراعات في أطراف الوطن الشاسع أخذة في التلاشي والإضمحلال بحول الله ، كل هذه الوقائع تحتم أن يكون لدينا ثقافة عالية المستوى في شأن التبرع بالدم تنتظم كل القرى وكل المدن وكل الأحياء وكل الشوارع وكل الأزقة ، بنوك الدم المركزية ومستشفياتنا في العاصمة والولايات تفتقر لهذه المادة المنقذة للحياة ، وليس لدينا خروصي واحد نعول عليه ، وياليت تتكرم علينا سلطنة عُمان بإعارة متبرعها العام لمدة عام واحد ، ليجوب قرانا ومدننا وولاياتنا كما يفعل في بلاده مذكرا وحاثا وحاضا على التبرع بالدم ، سيما وإنه لا يحض بلسانه فقط بل يحض الناس عبر تبرع حقيقي يقدمه أمام الناس كقدوة حسنة حتى بلغ ذلك الرقم الإعجازي فعلا .
منذ أن عدت من سلطنة عُمان منذ سنوات مضت لم أر حملة واحدة ذات جدوى للتبرع بالدم كما أراها بقيادة الخروصي في ولايات عُمان وفي العاصمة مسقط ،  الآن عُمان وبفضل جهود الخروصي تتقدم بنوك الدم لديها على كل بنوك الدم في عواصم العرب بما لديها من أرصدة لهذه السائل المكنى بسر الحياة ، ولي تجربة شخصية في هذا المجال ، فيوم أن أجرت إبنتي وداد عملية لإزالة الزائدة الدودية وجدنا أنفسنا بغتة أمام هذا الإختبار القاسي ، لقد طلبوا منا وقبل ساعة من العملية ضرورة إحضار متبرعين وإلا لن تجرى العملية ، عندها بدأنا في الركض الأليم بحثا عن متبرعين فليس هناك متسع من وقت ، عندها فقط تذكرت الخروصي العُماني ، ولكنه كان في مسقط ولا سبيل إليه حكما وإذ الواقعة كانت في الخرطوم .
من جانبي أرى بأن لقب المتبرع العام الذي أطلق عليه في السلطنة ليس كافيا فهو وفي الواقع يقدم لنا أنموذجا عربيا قوميا في هذا المجال ، لذلك لا بد من أن يكون اللقب يحمل تلك الدلالات الأوسع كأن نقول (المتبرع العام العُماني والقومي) نحن بذلك ننتقل بالخروصي من المحلية العُمانية لرحاب القومية العربية ، وعلى جامعة الدول العربية أن تتبنى هذا الرجل القامة ، وليشغل وظيفة مدفوعة الأجر الجزيل في مقر جامعة الدول العربية تحت  مسمى الأمين العام للتبرع بالدم ، ثم تنظم له برامج زيارات لكل عواصم العرب ليبشر بهذا الجليل والعظيم الذي يبذله عن طيب خاطر وبغير من أو أذى ، ولتكن العاصمة السودانية الخرطوم محطته الأولى على الرحب والسعه ، فالشعب السوداني سيثمن عاليا جهود الخروصي ، فجهده الثمين أسمه ترياق الحياة لكل أبناء العرب ..

 ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب سوداني عُماني
واتساب : 00249121338306

الخميس، 13 أبريل 2017

عفوا إخواننا في اليمن فنحن مقصرون



الحكومة السودانية قامت بواجبها الإنساني حيال إخواننا في اليمن بعد أن قلبت لهم الأقدار ظهر المجن ، ففقدوا المأوى والمأكل والمشرب ، فهاهم يتيهون في الأرض بحثا عن الأمن والأمان المفتقد الآن في اليمن الذي كان سعيدا ..
حكومتنا سيرت رحلات جوية من اليمن وإلى الخرطوم العاصمة لنقل اللاجئين اليمنيين ، فوصلوا بالسلامة ، ومن مطار الخرطوم أطلقتهم السلطات ليجوبوا شوارع العاصمة السودانية بحثا عن لقمة العيش في المرحلة الثانية من مراحل التيه الذي وجدوا أنفسهم في خضمه ، إنهم ياسادتي يتسولون الآن ويمدون أياديهم للناس أعطوهم أو منعوهم ، ولكن والحق يقال بأننا نحن السودانيين أفرادا وجماعات لانعرف معنى المنع ، حتى ولو خصما على قوت أولادنا ، سيما وإننا نعلم بأن هذا اليمني الأصيل هو قمة سنام العرب وهو أصل العروبة ، لذلك فإننا نضع هؤلاء الأعزاء في حدقات العيون .
محمد اليمني جاءني في المكتب ليحكي لي مأساة اليمن ، وطالبا ما يسد رمقه ، طلبت منه الجلوس فجلس ، إندهش لحفاوتي وترحيبي به ، ثم بادرته بالإعتذار أصالة عن نفسي وعن كل أفراد الشعب السوداني ، وحتى عن الحكومة السودانية التي جاءت بهم مشكورة ثم لفظتكم لقارعة الطريق ، قلت له ، أنا أعلم بأنكم أصل العرب ، ومهد العروبة ، وإنني أعلم بإنكم الأعرق نسبا ، والأطول أعناقا ، والأقدم تاريخا ، والأسمى منزلة ، وقلت له إن سيدنا إبراهيم عليه السلام وعندما دعا ربه بالدعاء الشهير في سورة إبراهيم :
(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون(37).
استجاب الله لدعاء إبراهيم فجاءت قبيلة جرهم (اليمنية) إلى مكة بعد انهيار سد مأرب ، فرأوا طيورا تحوم فوق زمزم فقالوا إن لهذه الطيور لشأن ، فوردوا الماء فإذا هاجر وإسماعيل لوحدهما ، كان في إمكانهم اخذ الماء غصبا وعنوة ، ولكنهم كانوا عربا بحق وهم كذلك أصلا ، ذلك كان الإنسان اليمني ، ووسط جرهم اليمنية عاش وترعرع إسماعيل عليه السلام ، وتزوج منهم ، وكانوا له نعم الأهل ونعم القبيلة ونعم العشيرة ، ومن صلب إسماعيل عليه السلام جاء المصطفى صلى الله عليه وسلم ، هذا ما نعرفه عن اليمن وقبائل اليمن وأهل اليمن ، اليمن هي سبأ والهدهد وسيدنا سليمان ، واليمن هي اليهودية والمسيحية والإسلام .
ثم أضفت عار علينا يامحمد اليمني أن نترككم أنتم أهل اليمن تتسولون في شوارع الخرطوم ، عار علينا يامحمد أن نترككم أنتم أهل اليمن بلا ماوى ولا غذاء ولا كساء في شوارع الخرطوم ، تقبل مني يامحمد كل الأسف ، وكل الندم .
ولا زلت أتحدث ومحمد اليمني يستمع ، ثم ما لبث وأن نهض وتوجه نحوي أحتضنني على نحو مباغت ثم قبل جبهتي وكانت الدموع وقتئذ تبلل وجنتيه ، قال : والله ما سمعت إضراءا لنا مثل ماسمعت منك ، لم يدر بخلدي أبدا إنكم تعرفون اليمن ربما أكثر منا نحن شباب اليوم . عندها ثمة عبرة وقفت في حلقي كشوكة ومنعتني من أن أكمل بقية البوح الأليم .
ذلك إنه يحق لنا كسودانيين أن نعترف بأننا مقصرون حتى الثمالة بحق ضيوفنا الكرام ، إذ لم نستطع أن نكمل الجميل كله فيما بعد نقلهم للخرطوم ، أقول ما أقول وفي الذهن تجرية حية لا تزال في عقلي تتقد ، لقد رأيت كيف إن السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان وعندما إستضاف اللاجئين الكويتيين أيام الغزو الصدامي العراقي لبلادهم ، لم يتركهم يتسولون ، لم يتركهم يتضورون جوعا ، حافظ على عزة ماء وجوههم ، لقد إستأجر ديوان البلاط السلطاني العُماني العديد من البنايات لإستقبال ضيوف السلطنة ، وفي البنايات تم توفير كل متطلبات الحياة ، من مأكل ومشرب وملبس إلى أن إنتهت الأزمة وعاد الضيوف لبلادهم أعزاء ، شاكرين للحكومة العُمانية وللشعب العُماني حسن الضيافة وروعة الإستقبال ، وبقيت التجربة في ذاكرة الكويت نضرة وإلى الأبد .
كنت أتمنى صادقا أن نترك الحكومة جانبا إذ إنها على الأقل قامت بدور تشكر عليه عندما نقلت أخواننا من اليمن للخرطوم ، بيد إننا نلوم وبشدة منظمات المجتمع المدني السوداني إذ إنها لم تقم بواجبها على الإطلاق تجاه أخواننا الضيوف اليمنيين ، لم نسمع بإي إستنفار شعبي مدني في هذا الشأن النبيل ، لم نر جهدا أو حراكا يجري على الأرض ، كأن الأمر لا يعنينا من بعيد أو قريب ، كأن هؤلاء القوم ليسوا كرام العرب وعز العرب ، وتاج العرب ، متى تلبدت وتحجرت مشاعرنا ، متى تبلدت أحساسيسنا بهذا القدر المؤسف ، ومتى وكيف سمحنا لهذا المشهد الدامي أن يغدو وصمة عار في جبين هذا الوطن المضياف ، فقد عرف عنا الجود ، وعرف الجود بنا .
محمد اليمني وهو يغادرني مودعا أسر إليٍٍ بكلمات إنغرست على طبلة أذني كسهم مسموم ، قال لي إن والدته مريضة هناك في اليمن المشتعل هكذا واتته الأخبار في ليلة ليلاء وتحت سماء الخرطوم عاصمة السودان ، وإنها في حاجة لعملية جراحية في الرأس ربما تجرى خارج اليمن ،  وإنه لا بد أن يعود لليمن سريعا لتقديم أي شئ لها أو حتى ليقبل قدميها إن أسعفه الزمن ، وهو وأصلا لا يملك قوت يومه وهو بين ظهرانينا نحن أصحاب النخوة عبر التاريخ ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب سوداني عُماني
dirgham@yahoo.com