الجمعة، 6 مايو 2016

من هم أعداء حرية الصحافة ؟..



 الثالث من مايو من كل عام تحتفل الإتحادات والنقابات والجمعيات الصحفية في كل أنحاء العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة ، ويتبارى الخطباء في التأكيد على قدسية هذا الحق مؤكدين على إن حرية الصحافة وأمن الصحفيين هو حق أصيل للشعوب في إطار تطلعها المشروع لإقامة عمد وأركان دولة الرفاهية المنشودة ، وإن السلطة الرابعة هي لاعب أساس في كيان الدول والأوطان ورقم يستحيل تجاوزه ، مع الإقرار بان السلطة الرابعة نفسها لم تعد هي نهاية المطاف في عالم اليوم ، هناك الآن السلطة الخامسة ، وهي ثورة التكنولوجيا الحديثة وما أفرزته من وسائط التواصل الإجتماعي ذات التأثير المتنامي والمقلق لأعداء حرية التعبير في كل مكان ، ويقال إن هناك سلطة خامسة وهي الأغلبية الصامتة والمغلوب على أمرها والتي تنظر وتتعجب لكنها لا تنطق إلا عندما يبلغ السيل الزبا ، وحتى إذا ما حدث هذا فإن إنفجارها سيغدو نوويا.
الخطباء والزملاء وهم يشددون على قدسية حرية التعبير ، وعلى حرية الحصول على المعلومة ، وعلى جدلية تأكيد ضمان الأمن الشخصي للصحفي ، كانوا وجميعهم يتوجهون همسا وغمزا للعدو المفترض وهو (السلطة وأجهزة أمنها) إذ هي وحدها تتحمل الوزر كله في وجود مصطلح (حرية الصحافة وحرية التعبير) ، فهي وحدها دون سواها التي تكبل هذه الحرية بما تملكه من قدرات تنفيذية ساحقة ، وهي وحدها التي تعتقل الصحفي ، وهي وحدها التي تمنعه من التعبير ، وبالتالي وبالنتيجة فإنها (العدو) الأول للصحافة والصحفيين .
هذا هو المفهوم السائد والمتداول والمعروف ، غير إننا وبهذه المناسية يهمنا أن نطرح سؤالا هاما ومحوريا ، ويقول :

ـ هل الصحفي أو الكاتب من الممكن أن يكون رجل أمن أو أن يمثل السلطة ؟..

السؤال في حد ذاته يراه البعض مفزعا بل ومرفوضا ، فالصحفي في إطار العرف السائد وهذه جدلية هشة هو عدو تقليدي للسلطة وبغض النظر عن حقيقة إنها المخولة قانونا في الدفاع عن الوطن وصيانة أرضه وسماءه وتوفير الرفاهية لشعبه .
لنفترض جدلا بان صحفيا عهد إليه ذات ليلة ظلماء بحراسة منشأة هامة ، وفيما بعد منتصف الليل رآى لصوصا مدججين بأسلحة فتاكة جاءوا ومعهم معاول الهدم لسرقة المنشأة التي يحرسها ، فماذا يتعين عليه أن يفعل في هكذا حالة مفصلية ؟..هل يستخدم الخطابة والبلاغة والفصاحة لإقناع اللصوص بالعدول عن مشروعهم الإجرامي ، ام يستخدم القوة والسلاح الناري الذي بحوزته لرد وردع اللصوص ؟..
بالقطع الخطابة والفصاحة والبلاغة لا تصلح وهذا ليس مكانها ولا زمانها ، النار وحدها هي الكفيلة برد المعتدين المسلحين ، لنغير هنا مصطلح المنشأة إلى مصطلح (الوطن) ، فالمعتدين المسلحين على حدود الوطن يتم ردعهم بقوة السلاح لا بقوة الكلمات ، وهذا ما تفعله الدولة تحديدا مع أعداءها عبر جيشها وأجهزة أمنها وهو نفسه جيش الوطن المعد أصلا للقيام بهكذا مهمات .
القضية أن البعض منا يرفض أن يكون من حيث المبدأ في الطرف الأخر من المعادلة مع إن مفهوم الوطنية المطلق يجيز تبادل المراكز حتى من باب إكتساب الخبرات على الأقل ومن باب فهم وإستيعاب ما يفعله الآخر .
بعض الأقلام وفي إطار وصفها لما قامت به الدولة تصف ما حدث بالقمع الدموي ، ودكتاتورية النظام ، وترويع الآمنين ، وتبديد أموال الشعب ، ألخ ألخ من المصطلحات اللاواقعية ، وعندما تمارس السلطة دورها في تلجيم وتهذيب هذه الأقلام المعادية لسلامة الوطن يتم نعتها بتكبيلها لحرية التعبير ، هنا تحدث المفارقة في إطار محاولتنا لتحديد نوع التعبير الذي يجب أن يتمتع بالحرية .
رأينا أمثلة مروعة في إطار مفهوم حرية التعبير ، رأينا مواطنين أبرياء يتم التنكيل بهم صحفيا وتمزيقهم أربا بدون دليل وبدون بينة ، وعندما يعترض المواطن قضائيا ويتم توقيف الصحفي في إطار رد الحقوق وجبر الإضرار تندلع العواصف هوجاء وصاخبة متناسية عذابات الضحية منادية بإطلاق سراح الجاني ، فأين العدل ، بل أين الإستواء ؟..
 علما بان القاعدة الفقهية الإسلامية تنص على إن جرح اللسان كجرح اليد ، وجرح لسان الصحافة أنكأ من كلمة نابية تقال في حق برئ قد يسمعها البعض ولا قد يسمعها ، بيد إن لسان الصحافة الجارح يبقى مع الزمن إذ هو مكتوب ومحفوظ وشاهد وشهيد علي هول الجرم .
عندما وصف الله عز وجل الجنة لسيدنا آدم عليه السلام قال : إن لك أن لا تجوع فيها أو (تعرى) ، أي أن اللباس هو المكمل لحرية الإنسان في الحركة والتنقل وهو الحافظ لكرامته أيضا ، غير إن البعض وفي إطار مفهوم (حرية التعبيرالفضفاض ومفهوم كفالة الحريات الهلامي) يطالبون بجواز ان يتبختر الناس مشيا في الطرقات وهم عرايا ، وحتى إذا ماتم توقيفهم بتهمة خدش الحياء العام إرتفعت عاليا الأصوات المنددة بكبح الحريات !! وهذا وصف بلاغي بطبيعة الحال .
ما أنا علي قناعة ومنه هو إن الصحفي والكاتب يجب أن يكون رجل أمن أولا وأخيرا ، وإن عليه أن يكون تقيا ورعا متزنا حصيفا ولبقا وأن يختار كلماته بعناية ودقة ،  ثم بعد ذلك عليه أن يكتب ماشاء له إن يكتب ، وهذا عينه ما كنا نفعله عندما كنا نكتب بالوطن العُمانية أو هذا ما تعلمناه من الصحافة العُمانية المعروفة بالإتزان والعقلانية  إذ لم تكن هناك رقابة قبلية مفروضة علينا بل كان هناك فكر فهمناه ثم سرنا على هداه ..
فإن كان الصحفي كذلك فسيعلم يقينا بان ليس كل شئ يقال ، وليس كل خبر يذاع ، وليست كل معلومة يتعين أن تشاع ، هناك (الوطن) بكل قدسيته ماثل أبدا للعيان إذ هو موكول له حراسته والذود عنه إذ هو صحفي ورجل أمن كما إتفقنا ، هناك أعداء كُثر قد يستفيدون من خبر أو معلومة كُتبت وعفويا في إطار حرية التعبير ولم تستكمل بعدها الأمني بعد ، ثم يرتد وبالها على الوطن برمته ، هنا تحدث الكارثة .
قبل يومين كتب أحدهم في الواتساب ولا أدري إن كان ما كتبه صحيحا أم خيالا ، كتب بأن مسئولا في السفارة الأميركية بالخرطوم قام مهنئا بزيارة لمقر صحيفة سودانية عاودت الصدور بعد فترة إيقاف قسري .
وصفت الخبر بأنه خطوة غير موفقة من السفارة الأميركية وتدخل سافر في الشأن الداخلي السوداني ، وهذا هو الواقع في الواقع .

جاء الرد من كاتب الخبر لا وطنيا وفي إطار مفهوم حرية التعبير المغلوطة والمشروخة ، فقد قال :

أي شأن يأ أستاذ ضرغام ، هو فضل لسه شئ إسمه السودان ..

أي سودان تتكلم عنه ..

قرأت الرد ، ولم أرد عليه ، لأنه ببساطة لا يستحق الرد ، وقدرت أن الرجل كان يكتب في إطار حرية التعبير المكفولة للجميع !!!..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب سوداني عُماني
00249121338306