الخميس، 13 فبراير 2014

عندما رحلت العزيزة الغالية وداد




العاصمة العُمانية مسقط في : 22/5/1994

عزيزي الأخ / صلاح ـ المحترم
أمدرمان ـ جمهورية السودان
تحية من عند الله مباركة ،،

توقفت أمام الكلمات طويلا مستنجدا متوسلا لعلها تسعفني شيئا لأقوله لك وفي الحلق غصة وفي القلب حرقة وفي العينين ذهول وذبول ، ذلك إنني لا أستطيع أن أقول لك بأنني أنعي لك العزيزة الراحلة وداد ، فإنني وأن قلت ذلك فذلك يعني إنني وفي الحقيقة أنعي نفسي ، واذا كان الأمر كذلك فإنه لا مناص من أن أعزيك وأن أبكي معك وبك ملاكا طاهرا حل في دنيانا المترعة بالأوجاع والألام لحين ، كانت كزهرة ، كانت أميرة ورحلت أيضا أميرة ، كانت تلبس وحتى الرمق الأخير من عمرها لباس الكبرياء ، كانت ترى الموت يننتظر في مكان ما من الطريق الذي وجدت نفسها تسير فيه ، كانت موقنة أن العمر قصير وأن الطريق أقصر ، على إنها ورغما عن أنها كانت تعلم حقيقة أنها راحلة في القريب العاجل إلا إنها كانت ثابتة الجنان ورابطة الجأش ، لم يغمض لها جفن ولم ترتجف لها أوصال ، كانت موقنة ومؤمنه بالقضاء والقدر ، لذلك لم يرعبها ملاك الموت الرحيم إذ هو يحدسها في الليالي الداجية عن روعة الرحيل إلى فراديس الله الرحيبة ، فإختارته وهي باسمة وضاحكة ومتبشرة أيضا .
ف
كانت وداد أميرة ورحلت كذلك ..
اذا كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يحتفلون الأن بعيد الأضحى المبارك وفيه وعبره تحدث الوعاظ والأئمة في المساجد والساحات عن روعة الفداء إذ إبراهيم عليه السلام يسر لإبنه الوحيد عن سر الرؤيا ذلك ما حدثنا عنه القرآن الكريم ( فلما بلغ معه السعي قال با بني إني أرى في المنام إني أذبحك فأنظر ماذا ترى قال يأبت إفعل ما تؤمر ستجدني إنشاء الله من الصابرين) . صدق الله العظيم ، فاذا كانت المناسبة العظيمة كفيلة يأن يقف معها عباد الله وقارا يستلهمون منها الموعظة وجميل العبر ، فإنني أيها الأخ الكريم قد وقفت مع نفسي مرارا وتكرارا فاذا وداد العزيزة قد رحلت ولم تحتفل معنا لأول مرة بعيد الأضحى العظيم ، لملمت متاعها من الحسنات المتناثرة هنا وهناك ، ومن جميل الأقوال وروائع الأفعال  ثم وعلى ظهر دابتها البيضاء رحلت إلى ديار الخلد  تاركة طعم المر لوحده يعربد في اللسان إلى ماشاء الله وحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ، ذلك هو اليوم الذي نلتقيها في ظلال رحمته ، إذن فان العيد أيها الأخ العزيز كان مكللا بالسواد ، وكان طيف الراحلة العزيزة يطل من خلف الحُجب باسما حينا ومحييا حينا آخر ومشرقا كالقمر في الليالي كالحة السواد .
وداد وإن رحلت فإنها ليست بتلك التي تُنسى أو التي تغيب عن البال أو حتى تضيع من الذاكرة ، إنها مغروسة في العظم لا في اللحم وحده ، إنها قصة لا يمكن أن تنتهي ما بقي في الأرض جمال وكبرياء وعزة ، إنها كل الذي تبقى لنا من الماضي العزيز ، وإنها المحطة التي ما بعدها شئ غير يباب يسد علينا ملكة التطلع إلى حياة ليس فيها غير الموت كحقيقة أحق بإلاحترام ، إذن فان العيد قد أتي ووداد قد رحلت ،  فإننا لا يمكننا الإدعاء ولو همسا بأننا كنا والفرح في وئام وموده ، ذلك إن قلناه فهو بالتأكيد ليس حقيقة ، إن الحقيقة الكاملة والساطعة كالشمس هو أن الأعياد وعندما تأتي فإن وداد أيضا تأتي ، تطل مع النجوم والشهب محيية ومرحبة ثم لا تبلبث أن تعود إلى جنان الخلد تاركة اللوعة تعض بمخالب وأسنان لا ترحم في الفؤاد تارة ، وتحت الحجاب الحاجز تارة أخرى ، لذلك فان العذاب لن ينتهي وأن الدم القاني لن يتوقف نزيفه ، ثم نقول وفي الفم ملح وعلى الوجه تراب : واحسرتي عليك أيتها الملاك الصغير ، ويالوعتي يوم رحلت ولم نكن هناك لنحمل على الرأس لا على الكتفين ذلك النعش العزيز .
رجائي أيها الأخ العزيز أن تبلغ الوالد العزيز/ إبراهيم محمد علي والوالدة العزيزة عائشة تعازيّ المتسربلة من بقايا قلب يتعذب ، وذاتها التعازي لك ولأخوانك وأخواتك الأعزاء ..
أخوك أبدا ودوما ،،

ضرغام أبوزيد
جريدة الوطن
ص . ب : 463 الرمز البريدي 113
مسقط ـ سلطنة عُمان

همسة :
بعد بضعة أيام فقط من رحيل الغالية وداد  وفي العاصمة العُمانية  مسقط  رزقت بطفلة أسميتها وداد ، الآن هي في العشرين من  عمرها السعيد المديد .