السبت، 12 أكتوبر 2019

عزيزي الجرداني أو تلعم لماذا حدث ما حدث ؟..


عزيزي الجرداني أو تلعم لماذا حدث ما حدث ؟..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ـ الخرطوم
00299121338306

زميلي العُماني وصديقي ورفيق دربي القديم بالوطن العُمانية العزيز حتى النخاع أحمد الجرداني وفي معرض تعليقه على تغريدتي بشأن إختطاف السودانيات ببنغازي الليبية قبل يومين قال : المفروض ما يروحوا ليبيا .
بالطبع جميعنا نتفق مع الجرداني في رايه هذا السديد ، فما كان ينبغي لهؤلاء الحرائر ان يذهبن الى هكذا دول الأمن فيها ليس في أفضل حالاته وهذه صيغة (تخفيف) يعرفها زملاء المهنة ، وماكان للسودانيين عامة نساء ورجال التواجد هناك ، تلك حقيقة لا جدال فيها أو حولها عزيزي الجرداني .  
 غير اننا وإذ في الحلق غصة وعلى اللسان طعم امر  من  المر ، وعبر ذات اللسان المثقل بالأسقام نرفع الأكف عالية لرب العالمين ، ثم نلهج بحار الدعاء لرب العزة أن يحفظهم وإذ هم في التو واللحظة في صراع لا هوادة فيه مع أمواج المستحيل هربا من وطن هو الأغلى والأغنى افريقيا وعربيا ، غير أن ساسته على مر العقود فشلوا في أن يقدموا لهم فقط الأمل على طبق من فخار ، ألم تسمع عزيزي الجرداني بشباب لنا هم في عمر الزهور حملتهم أقدام لهم منهكة لإجتياز الأهوال والأنواء ميممين وجوههم شطر ليبيا الـ لا قذافيه ثم وقعوا صيدا سهلا في مخالب تجار وعصابات البشر فيما خلف الصحارى التي يجف فيها حلق العندليب كما قال صديقي الراحل الطيب صالح ، هؤلاء لم يجدوا في الوطن وفي الواقع موطئ قدم فقرروا الموت بعيدا عن ترابه رغم عشقهم له ، كان ذلك خيارهم الأول ، وإن إبتسم لهم الحظ بأنيابه الصفراء ووصلوا لشواطئ أوروبا وعيونهم جاحظة وفي أفئدتهم هواء لايقين ، فإنهم لايعلمون أن كانوا قد أفلحوا أم ستعيدهم أوروبا من جديد للوطن مصفدين في أغلال الإنكسار ، تعيدهم إلينا كسقط متاع عثرت عليه  سهوا هكذا تأدبا فأعادته لأهله على أن لايعودوا لمثلها أبدا .
أوتعلم عزيزي أحمد ان الشباب في هذا الوطن قد وصلوا لقناعة مهلكة مفادها ان لامستقبل لهم يذكر في بلادهم ، ذاك هو القنوط عينه المنهي عنه في القرآن الكريم ، وقد تملكهم من قمة رؤوسهم لأخمص أقدامهم ، ولم يبق لهم لا أمل يرتجي ولا عشم يلوح في متاهات السراب .
 لذلك فإنهم وعندما يموتون غرقا أو سحلا أو ركلا أو رميا بالرصاص في الكهوف والجحور البعيدة النائية عن الوطن وعن الأهل والأحباب والعشيرة ، فإنهم في الواقع يبتسمون وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة ، خلافا لما زعمه المتنبئ العظيم عندما قال :
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
فالمتنبئ لايعلم كيف أن المنايا غدت في نظر هؤلاء الشباب وفي عصر غير عصره كيف غدت هي عينها وذاتها الأمانيا ، ذهب المتنبئ ولم يعلم بأنه قد كذب .
السؤال الكارثة عزيزي الجرداني هو من فعل هذا بشبابنا الذين كنا نضرب بهم الأمثال في كل شيء بديع ووديع ، من سرق الأحلام الوردية من العيون والجفون ومن الذي أوردهم موارد الهلاك فيما خلف حدود الوطن ، من الذي أجبرهم على ركوب أمواج هي كالجبال عاتية وهم يعلمون أن لاعصام منها إلا سفينه نوح ، وسفينه نوح أستوت قبلا على الجودي ولن تعود للإبحار من جديد ، لنبحث معا وسويا عن من إرتكب هذا الجرم الفادح بهم لنهيل عليه اللعنات الساحقات الماحقات ، ونمزقة أربا بالدعاء الملتهب والمتوجه بالضراعة إلى الرحمن الرحيم ..