الأحد، 27 أغسطس 2017

هل يجوز شرعا للفئران أن تطبع ؟!..



الوزير السوداني مبارك الفاضل المهدي وزير الإستثمار السوداني وبتصريحاته الأخيرة بشأن التطبيع مع إسرائيل إثار لغطا وجدلا في الشارع السياسي السوداني مابين مؤيد ومعارض ومتحفظ ، ومن بين ثنايا هؤلاء جميعا وكالنبت الشيطاني سمعا رأيا لاعلاقة له لا بالتطبيع ولا بالتركيع ، ولا بإسرائيل ولا بفلسطين ، ولكن فقط نكاية في مبارك الفاضل وللأسباب الحزبية والمعروفة لنا جميعا ، هذا الرأي النشاذ دعا الشعب السوداني
للتنديد بتصريح الوزير ، وبغير أن يقدم الأسباب والمسببات الموضوعية التي جعلته يفعل ذلك .
 العجيب والمدهش إن مستوى الإجابة والإستجابة التي تلقاها كانت صفرا ، لسبب واحد وهو إن مايقوله صاحب هذا الرأي المضاد لم يعد مقبولا من كل أفراد الشعب السوداني ، وسنذهب بعيدا للتأكيد بإن ماقاله حشد المزيد من الدعم والتأييد لدعوة مبارك وفتحت شهية الجميع للمضي قدما في دعم ماقاله ، وهذا ما يسمى برد الفعل العكسي وهو يستخدم عادة من قبل أفراد الشعب السوداني إزاء كل تصريح ينطق به هذا الرجل تحديدا ، سيما وإنه قد تم تداول صورة قديمة له بوسائط التواصل وهو يصافح الرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز ، ومهما كانت صحة هذه الصورة من عدمها فإنها قد ألقت بظلال قاتمة على النداء الذي أطلقه إذ أكدت لكم إنه قد قيل لا حبا في عمرو بل نكاية في زيد .
الآن الناس يتحدثون الآن في الوسائط بجراءة غير معهودة من قبل عن التطبيع والسبب يعود لهذا الرجل الذي تصدى بغير وجه منطق لمبارك ، ثم إن الكل يسأل ويتساءل عن لماذا نحن دون العرب والعالمين نعادي إسرائيل ، وهناك (عرب عرب) بالخليج وغيره يقيمون علاقات سرية كانت أو علانية مع إسرائيل ويتبادلون معها إنخاب الود الجزيل كلما أشرقت شمس يوم جديد ؟.. وإذا كان بعض العرب لا يزالون يصرون على إننا (عبيد) إذن فما بالنا وفلسطين وقضيتها ، هل رأيتم عبيدا على مر التاريخ يزعمون بإنهم أصحاب مبادئ وأصحاب قضية ؟!..
نعم ياسادتي نحن كذلك ، ولقد آن الأوان لنغسل أيادينا الملطخة بدماء الوفاء العروبي وإلى الأبد وأن ننسى اللاءات الثلاثة التي ورطتنا حتى اللجام ، على الفيسبوك وصلني مقطع فيديو لفلسطيني من القطاع يسخر من الوزير السوداني مبارك الفاضل ، مختتما مداخلته العنصرية ببيت الشعر الشهير للمتنبئ العظيم الذي إلتف بعنق كافور الإخشيدي المسكين  كحية ، ثم مالبث إن أودى به ، حدث هذا عندما كان الإخشيدي حاكما لمصر والقائل :
ـ لا تشتري العبد إلا والعصا معه
الآن والعنصرية العروبية الشجرة قد سمقت وتعملقت وغطى ظلها الـ لا ظليل السماوات والأرض والجبال ، الآن فقط إنتبهت إلى إن المتنبئ هذا الفحل الحكيم كان عنصريا أيضا .
ألم أقل لكم بإنه وحتى الذين بذلنا من أجل قضيتهم الدم والأرواح والدموع يصرون على إننا كذلك ، نحن نقر بهذه الوصمة (الفخر) ، وقد يعتقدون خطأ بإنها تزعجنا ، لا ورب الكعبة إنها لا تحرك فينا شعرة من رموش عيوننا التي أضناها سهاد النضال الكذوب من أجل القضية ، فقد كتب التاريخ في صحائفة بإن العرب وعندما تعنصروا  نالوا عن إستحقاق وجدارة غضب الله والملائكة والناس أجمعين ، ثم من بعد ذلك هل ياترى ستقوم لهم من تحت الرماد والركام قائمة ؟..
نحن العبيد الفئران السودانيين نعلنها داوية بأن لا نصر أبدا ستناله رماح الفلسطينيين بعد أن قالوها جهرة ، وذلك لسبب واحد وبسيط هو إن الذي خلق البشر كلهم هو إله واحد وهو (عادل) تماما ونحن في السودان نثق به وبعدله وبقدرته وسطوته وعزته وجبروته ، وهو ذاته القائل في محكم كتابه :
وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ .. آل عمران آية 126 ..
فإذا كان الله العادل قد أنزل جنودا من السماء لنصرة المؤمنين يوم كانوا كذلك ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم  بين ظهرانيهم ويومها إندثرت العنصرية وباتت حكاية من حكايات الجاهلية الأولى والثانية عندها فقط جاء نصر الله والفتح .
أما اليوم فقد عادت كالحة وقاتمة عادت الأولى رديفة للثانية ، وبالتالي وبالمنطق وبالإيمان لن يكون هناك نصر عربي على إسرائيل وحتى يعود العرب جميعهم لجادة الصواب وليوقنوا إيمانا وإحتسابا بأن لافرق بين البشر ، القضية إذن خاسرة وهذه واقع قد لا يصدقونه ولكن عليهم إستيعاب هذه الحقيقة المطلقة والمرة ، فإذا كان الأمر كذلك فما بالنا نضع كل بيضنا الذهبي السوداني العزيز والرقيق في هذه السلة السراب ؟..
ثم بعد ذلك هل تصدقون بان حماس المنظمة لا حماس الدولة قد أصدرت بيانا أدانت فيه تصريحات مبارك الفاضل وهو وزير سوداني على رأس عمله ، وحضت جماهير الشعب السوداني على رفض التصريح ، ماشاء الله إذ علينا الآن أن ندير الخد الأيسر لكل من هب ودب ، ثم علينا أن نمضي بعيدا ونعين مندوبا لها عضوا في المجلس الوطني السوداني ليجلس بجانب أعضاءه من الفئران السودانية ، بعد أن نمنحه حق النقض (الفيتو) !!..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب
الخرطوم

الأربعاء، 23 أغسطس 2017

تجربتي الشخصية مع العنصرية

إذا كان الدكتور الطبيب السوداني عبد الله قد تعرض لإعتداء (لفظي) في السعودية كما يحلو لوسائل الإعلام أن تقول ، وكانت الواقعة بكل مشاهدها وفصولها الدامية مطروحة للذبح والسلخ في مقالنا يوم السبت الماضي بعنوان (عودة نظام الأبارتيد لجزيرة العرب) ، فإنني وفي الواقع أرى وكما كنت أقول دائما بأن الأخ عبد الله وفي الواقع قد تعرض لإعتداء (عنصري) ، تلك هي الحقيقة المجردة وبدون زيادة أو نقصان ، مع تقديري لكل
الزملاء والكتاب الذين حاولوا الهروب من الكلمة الشنيعة وإستبدالها بأخرى مؤطرة بسياج الأدب ، غير إنها لا تغني عن الحقيقة شيئا .
إذن فإن القضية التي نحن بصددها هي (العنصرية) ، وتحديدا العنصرية (اللونية) ، لينداح السؤال الكارثة من تلقاء نفسه مخاطبا جمعنا الكريم :
هل نحن العرب عنصريون ؟..
بدون مواربة فإن الإجابة وبكل أسف هي (نعم) ، فنحن لسنا خير أمة أخرجت للناس ، بل نحن اسوأ أمة أخرجت للناس ، ثم هل العنصرية اللونية التي تجرع كأسها العلقم الدكتور عبد الله هي وقفا على السعودية وحدها دون بلاد العرب ؟.. الإجابة بالطبع لا ، فالعنصرية اللونية موجودة في معظم بلاد العرب ، رغما عن إن الإسلام  هو الديانة الأساسية فينا ، ومع هذا فنحن (عنصريون) حتى النخاع ، دكتور عبد الله آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب ، فإستطاع التسامي فوق سودانيته وإحتسب وصبر ، وإذا كنت قد ذكرت بإنه قد تسامى فوق سوادنيته فإنني أعني بإنه ولو إلتزم بالنص السوداني كاملا في هكذا حالات لكان المعتدي الآن وفي التو واللحظة قد أمسى نسيا منسيا وإنه بات جزءا من الماضي الذي لن يعود ، فهنيئا لدكتورنا تلك المنزلة الرفيعة التي ما بلغها سوداني على ظهر الأرض قط .
وبما إن الشئ بالشئ يذكر ، فإن حادثة السعودية قد هيجت فينا كوامن الجوى ، ثم أشعلت مرجل الذكريات البعيدة الغائرة حتى فاض التنور إيذانا بفتح أبواب السماء بماء منهمر .
الزمان منتصف تسعينيات القرن الماضي ، المكان العاصمة العُمانية مسقط ، وقتها كنت أشغل وظيفة مدير الإدارة بجريدة (الوطن) العُمانية ، لدينا تشكيلة من العاملين ومن جنسيات عربية وآسيوية ، الأمور على مايرام كانت تسير ، وذات صباح أغبر ، كان ثمة أمر يتعين إبلاغه للزميل / ن ق ، مصري الجنسية ، ورغم إنني لم أكن أتعامل مع الذين أترأسهم على أساس الجنسية أو اللون أو الدين أو العرق وهذا مايعرفه الجميع عني في السلطنة ، وما إن بلغ الأمر للزميل ن حتى جاءني ثائرا لا عنا كالموج لا يلوى على شئ ، وفي تلك النقطة إلتصقت الأرض بالسماء بغته عندما قالها وكان يعني مايقول :
ـ تتحدث مع أسيادك
يا إلهي ، فحتى تلك اللحظة ، وحتى ذلك الزمان ، لم أكن أعلم بإن لي سيدا على ظهر الأرض غير الله ، السيد / ن ، زعم بإنه هو ذلك السيد المفترض حقا لا جدلا ، وبما إنني قد قلت لكم بإن دكتور عبد الله قد تسامى فوق سودانيته في السعودية يوم تلقى صفعته العنصرية المدوية ، فإنني وفي الواقع لا يمكنني الإدعاء بإن تلك الطريقة تروق لي  ، ماحدث لا يمكنني وصفه لكم تحديدا ، فالكلمات نفسها لا تستطيع أن تصف ماحدث ، ذلك إن السيد ن كان لا يقوى على السير بعد أن فجر قنبلته العنصرية في مكتبي بالطابق الثاني بمبنى الوطن الكائن بالغبره بالعاصمة العُمانية مسقط ، أخرجوه من مكتبي محمولا على الأكتاف .
ثم رفعت الحادثة بكل دخانها وعثارها وغبارها وصخبها وجنونها للفاضل الأستاذ / محمد بن سليمان الطائي ، صاحب الإمتياز المدير العام رئيس تحرير الوطن ، فأصدر أوامره لي بإجراء اللازم حيال الحادثة العنصرية البغيضة التي شهدها مبنى الوطن ، وبإعتبار أن لامكان لهكذا عبث على ثرى سلطنة عُمان ، واللازم يتمثل في إنهاء عقده وإبعاده من السلطنة فورا في أول طائرة متجهة للقاهرة ، وهذا ماحدث بالضبط .
غير إنني قد وصلت لمرحلة التسامي التي وصلها دكتور عبد الله من زاوية أخرى تلك هي الخاصة بقناعاتي الشخصية ، فقد كنت أؤمن بان الزميل ن ، تصرف بنحو فردي ولا أستطيع التأكيد بإن كل الزملاء المصريين يؤمنون بنظرية السيد المصري في مواجهة العبد السوداني ، والدليل على ذلك إنني لم أر منهم مايشير إلى ذلك أبدا ، كما إن علاقتي بهم ومنذ الواقعة وما قبلها وما بعدها هي علاقة جد متينة ، وتربطني بهم حتى اليوم علاقات إجتماعية وأسرية راسخة ، وهم معي الآن وفي التو واللحظة في الجروب الذي أشرف عليه (قدامى المحاربين الإعلاميين العرب) نتبادل صباح كل يوم جديد أنخاب الحب وتحايا الود المعطر بماء الورد .
وماطالبت به السلطات السعودية في المقال السابق بضرورة تنقيح المناهج الدراسية والتربوية بغرض الوصول للبؤرة التي جعلت العنصرية اللونية باقية منذ الجاهلية وحتى الآن وبغير أن يلوح في الأفق أي بصيص أمل في إنزواءها ، رغم إن القرآن فينا لايزال يتلى آناء الليل وأطراف النهار ، ذاته المطلب ينسحب أيضا على مصر الشقيقة فقد تكررت عبارات العنصرية اللونية من مصريين وحادثة لندن الشهيرة كانت تأكيد على ذلك ، وحادثتي الشخصية كانت أقدم منها بأكثر من عقدين من الزمان ، ذلك يؤكد بإن هناك شئ ما خاطئ في العقيدة الإجتماعية المصرية ، أنا لا أدري أين هي ولكن أهل مكة أدرى بشعابها بطبيعة الحال ، ويمكنهم الوصول إلى تلك البؤرة الخاطئة الكاذبة إن هم أرادوا ، ويبقى علينا فقط أن نذكر الواقعة للتاريخ لنضيفها الى مآسي العرب والى أماسيهم أيضا .
لتدعوا جامعة الدول العربية وزراء خارجية العرب إلى إجتماع عاجل ليتدارسوا فيه أسباب بقاء العنصرية اللونية حية تتقد في بلاد العرب على الرغم من إن بلادهم كانت مهبط الوحي ، وفيها بعث الله خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم .
 القضية خطرة بكل المقاييس ، وهي دليل كافي على حقيقة إننا أمة لن تتقدم خطوة واحدة للأمام ، وإننا وأبدا أبدا لن ننعم برضى الله عز وجل مصداقا لقولى تعالى :
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ .. الأعراف آية 96 .
فنحن لاتقوى لدينا ولا إيمان يعتد به بين ظهرانينا ، وبإعتبار إن العنصرية اللونية هي نقيض صارخ للتقوى وللإيمان ، الأمر مفروغ منه ، إذن فسنظل نحفر في البحر أبد الدهر .
وإذا كنا نقول ما نقول فلا يتعين علينا التصديق بأننا وفي السودان لسنا كذلك ، نحن في الواقع صحيح عبيد وسود من وجهة نظر بعض العرب ، ونحن وقد لا يعلمون نعتد كثيرا بلون بشرتنا ، ونرى أنفسنا فيها ملوكا وأباطرة ، ومع هذا فنحن وفي الواقع عنصريون أيضا ، لدينا عنصرية لونية أسود من السواد ، في هذه النقطة قد يندهش العرب من المحيط للخليج ، وكالمطر لا كالغيث ستنهمر أسئلتهم الحيرى : أبين العبيد السود أيضا عنصرية لونية ، وهم في الأصل كذلك ؟..
سؤال مشروع بالطبع ، سؤال لايقال جهرة بل همسا بعد أخذ الحيطة والحذر وحتى لا يتناهى صداه إلى أحدنا فيحدث ما لا تُحمد عقباه .
المثير والجميل هنا هو إن عنصريتنا السودانية منكفئة على ذاتها ، ولم يحدث أن وجهنا سهام حقدنا العنصري لأحد من أبناء العرب ، أي ليس لدينا عدوانية عنصرية كعدوانية الأجناس الأخرى ، ليس لأننا نرى أنفسنا الأقل شأنا بل لأننا نحترم الذات الأخرى ممن ينتمون إلى بلاد غير بلادنا ، هكذا خلقنا الله ، نحمل في دواخلنا كل التناقضات التي لا تصدق .
في تاريخنا السوداني كله لم نر عنصريا سودانيا وعدوانيا أيضا غير مصطفى سعيد ، داهية الطيب صالح في موسم الهجرة للشمال ، لقد قالها لهم وهو يحاكم في الأولد بيلي في لندن بتهمة قتلهن ، نعم ياسادتي أنا قطرة من السم الزعاف الذي حقنتم به شرايين التاريخ ، وكان مصطفى سعيد العنصري السوداني العدواني الوحيد والذي أعاد لنا الإعتبار في بلاد الإنكليز .
إذن على أمتنا العربية اللا مجيدة أن تصدق بأن كل حروب السودان الأهلية ومنذ الإستقلال وحتى اليوم ، وكل صراعاتنا الإجتماعية ، بسبب (العنصرية) ، عندنا عنصرية لونية وهذه لن يفهم سرها إلا نحن ، ولدينا عنصرية قبلية ، ولدينا عنصرية مذهبية وجهوية وطائفية ، ولدينا كل أنواع البلايا والخطايا والموبقات ، ولسنا بأفضل من العرب في جزيرة العرب وخارجها ، نحن نملك الشجاعة الكافية لقول ذلك وإذ نحن نروم الصلاح والإصلاح ما إستطعنا إلى ذلك سبيلا ، فهل شجاعتنا هذه يملكها ملوك العنصرية العرب ؟..
وعلى العرب أن يصدقوا الأنكأ من ذلك أيضا ، وهو وإنه في جنوب السودان أيضا عنصرية وذلك بعد أن تساوى الجميع في لون البشرة ، عنصريتهم لا يفهما من العالمين أحد غيرنا نحن في شمال السودان ، إذن فليكن إجتماع الجامعة العربية صاخبا إذ عليه مناقشة آفة الأفات القومية العربية (العنصرية) أعني وبكل أشكالها وأنواعها ، ثم عليه الخروج بالتوصيات الملزمة للحكومات التي طالما غضت الطرف عن هذا الوباء وهذا البلاء ، حتى إستفحل وقتل ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب
الخرطوم
dirgham@yahoo.com

الجمعة، 18 أغسطس 2017

عودة نظام الأبارتيد لجزيرة العرب



بغض النظر عن الإعتذار الذي قدمه وزير الصحة السعودي للطيب السوداني عبد الله البرقاوي بعد حادثة الإعتداء اللفظي الذي تعرض له من قبل مواطن سعودي غير منتج ، فإننا نرى بإن القضية أكبر وأضخم من الإعتذار ، بداية فإن التسمية الصحيحة والتي تعمدت وسائل الإعلام تجاهلها خجلا ، هي حقيقة إن الدكتور عبد الله قد تعرض لإعتداء (عنصري) شنيع ، تلك هي الحقيقة والتي لم يقلها أحد حتى الآن للسبب الذي ذكرته وهو (الخجل) .
فهذه الكلمة قد خرجت أصلا من قاموس التعامل الإنساني والبشري منذ عقود طويلة مضت هكذا إفتراضا ، بين إن الحقيقة المؤلمة هو إن العنصرية الداء  ، والعنصرية المعتقد ، والعنصرية المذهب ، والعنصرية السلوك ، لا تزال موجودة في الكثير من بلاد العرب ، وأشنعها بالطبع (عنصرية اللون) ، ولكن الأمر الأكثر إيلاما أن تكون لا تزال موجودة في السعودية مهبط الرسالة المحمدية الخالدة ، ومهبط الوحي بالقرآن الكريم ، الذي نهى وحذر وتوعد من هكذا سلوك منذ أكثر من 1400 عام مضت ، فإذا كان القرآن يُتلى في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة وفي كل مدن وقرى المملكة العربية السعودية منذ أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم وفيه مافيه من الوعيد والنهي ومع هذا لم يفلح هذا الكتاب الأعظم في إقتلاع عنصرية اللون من صدور القوم هناك ، فما هو السبيل لإنتزاعها إذن ؟..
سياسة الأبارتيد ، أو نظام الفصل العنصري القمئ الذي حكم جنوب أفريقيا عبر الأقلية العنصرية البيضاء منذ عام 1948 حتى تم جندلته بين عامي 1990 ـ 1993 ، هذا النظام الأشنع في التاريخ قسم سكان جنوب إفريقيا على أساس اللون فقط وليس على أساس الوطنية أو الكفاءة أو المقدرات العقلية ، وبالطبع كان البيض في المقدمة ، بينما تزيل السود أصحاب الأرض المرتبة الدنيا بإعتبارهم فئران بشرية ليس إلا ، العالم كله قاطع جنوب إفريقيا حينئذ بإعتبار إن النظام القائم فيها هو الأفظع في القرن العشرين ، وحتى جاء مانديلا العتيد لتعود جنوب إفريقيا لحظيرة البشرية ، ولكن جنوب إفريقيا وعندما كانت عنصرية لم تكن مسلمة ولا مسيحية متدينة ، كانت لا دينية وكانت علمانية لذلك صدقت وصادقت على نظام الأبارتيد كمنظومة حياة .
فماذا عسانا نقول والدين الإسلامي السمح وبكل جلاله لم يستطع أن ينتزع الأبارتيد العربية من أفئدة بعض مواطني السعودية حيث بيت الله الحرام وحيث قبر المصطفى صلى الله عليه ، لقد جاءت الحادثة والحجاج يصلون للأراضي المقدسة من كل فج عميق وبناء لنداء إبراهيم عليه سلام ، عندما أمره الله أن يؤذن بالحج فقال مخاطبا ربة وكم يبلغ صوتي ، فجاء الرد الإلهي يا إبراهيم عليك النداء وعلينا الإجابة ، فأذن في الناس بالحج فبلغ صوته كل فجاج الأرض ، في هذا الموضع المقدس ومن تلك الأرض الطاهرة وفي هذا الوقت بالذات سمعنا نداءا عنصريا فجا وفظا موجه لطبيب سوداني نعت بالأسود وبالعبد جهارا نهارا ، ونحن وفي السودان لانعلم يقينا من هو السيد الذي أستعبد الدكتور عبد الله ، ومتى حدث هذا على وجه الدقة والتحديد ، فإن كان ذلك العنصري يعلم فليخطرنا بذلك لنضيف هذه الجزئية للتاريخ السوداني التليد .
إذن فإن الواقعة تؤرخ وتؤكد لوجود شئ ما خاطئ في المناهج التربوية والتعليمية السعودية وعلى السلطات هناك أن تجري الدراسات اللازمة للوصول لتلك النقطة السوداء ، وبالطبع ليست كسوداد دكتور عبد الله ، فالقائل كان راشدا وكان يعني مايقول إيمانا بكل كلمة خرجت كالسم الزعاف من بين فكيه وإذ هو لا يعلم بان مقتل الرجل بين فكيه ، فهو يؤمن بقناعة بإنه أبيض ونظيف ومستقيم وسيد لهذا الدكتور العبد الذي جاء من خلف البحر الأحمر ليقدم خدماته الإنسانية له .
مناهج التعليم هناك من المؤكد إنها فشلت في إقناع أولئك القوم بأن الإسلام قد أكد بإن لافرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ، فهذا العنصري لايؤمن بهكذا أقوال ، ولا يرى غير إنه أفضل وأسمى وأعلى مرتبة ومنزلة من هذا الأسود ، ولا ندري إن كان يرى مقعدة في الجنة أم لا .
نحن على ثقة بأن الجهات المعنية في السعودية ستعمل على تنقيح مناهجها الدراسية والتربوية من فيروسات وبكتيريا العنصرية ، لتتوائم على الأقل مع روح الحج في هذا الأيام حيث هناك في مكة الآن الكثير من الحجاج السود جاءوا من كل فج عميق تلبية لأمر الله ، ونخشى أن يسمعوا ما سمعه دكتور عبد الله .
إذن لابد من تمزيق تلك المناهج التربوية المستمدة من نظام الأبارتيد الجنوب أفريقي فيما قبل مانديلا .
وإذا كانت السعودية الآن قد تبنت نظام وطن بلا مخالف وهذا من حقها بالطبع ، فإن الواقعة تشير إلى إن التجربة في طريقها للفشل الذريع ، فهذا المواطن السعودي آل على نفسه إيمانا بالفكرة التهرب من العمل ، وحكومته تخلت عن العمالة الأجنبية لتضعه في مواقع العمل والإنتاج بديلا عن الأجانب ، وهاهو المواطن قد قرر الهروب من العمل ومن الإنتاج عبر إرغامه للعبد السوداني الدكتور عبد الله ليمنحه إذن بالتغيب عن الإنتاج .
فإذا كان الأمر كذلك وإذا كان هذا السلوك سائدا وسط المواطنين هناك ، فما من شك إن المناهج التربوية والتعليمية وللمرة الثانية فشلت في تلقين المواطنين معنى قدسية العمل ، وإذا إستمر الوضع كذلك فإن الحكومة ستجد نفسها مضطرة لإعادة الأجانب تارة أخرى لعدم وجود من يعمل من المواطنين ، تلك حقيقة مثلى ومؤسفة أيضا .
لتبقى الموعظة الأخيرة وهي إن الجنود السود والعبيد السودانيين يقاتلون الآن دفاعا عن الحرمين الشريفين في حرب اليمن ، فهل ياترى ومن الناحية الشرعية البحته يجوز الإستعانة بهم في هذه الحرب الضروس ، ننتظر فتوى من علماء الدين في المملكة ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب
الخرطوم

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

ستستمر الجعجعة أخي زاهر ولن ترى طحنا



في مقاله الضافي بصحيفة الرؤية العُمانية يوم الإثنين 14 أغسطس الجاري كتب الزميل والصديق الكاتب والأعلامي العُماني العلم / زاهر بن حارث المحروقي ، مقالا تحدث فيه بحرقة عن عن منظمتنا الجامعة (منظمة التعاون الإسلامي) الوليد الشرعي للمؤتمر الإسلامي بعد التوسعة ، لقد توقفت طويلا ثم حدقت مليا في ماقاله الزميل بإن هناك من يحاول لي الحقائق وإظهار إن المنظمة تسعى للسيطرة على العالم وليس على إسرائيل فقط ! .. رغم إن ما كُتب في ديباجتها لا يشير لا من بعيد ولا من قريب إلى أي إشارة لهكذا فعل لئيم .
ما نود أن نضيفه لما قاله الزميل بإن على إسرائيل حقيقة أن تطمئن على الآخر ، وإن على أصدقاء الدولة العبرية في كل مكان أن يوقنوا بان المنظمة ليس من ضمن أجندتها الآنية ولا المستقبلية أي نية للقضاء على إسرائيل ، وإنها وإذا كانت ومنذ عام 1948 لم تفعل شيئا ذا بال في إطار نصرة القدس والمقدسيين ، فإنها لن تفعل ذلك الآن ، ليس هناك من جديد ، وليس هناك مايرعب العدو المفترض جدلا ، نقول ما نقول لأن إسرائيل وبحسابات أعضاء بارزين في المنظمة ، هي الآن قاب قوسين أو أدني للدخول معززة مكرمة لمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة لا كمراقب بل كعضو كامل العضوية ، وإن المسألة لن تعدو أن تكون مسألة وقت ، كل الإرهاصات تشير إلى ذلك ، كل الدلائل تؤكد ذلك ، فبعد أن حمى الوطيس في اليمن ، لم يعد خافيا على أحد بأن المصالح قد تلاقت هناك عند خط الأفق ، وإن كلمات الغزل العفيف مابين أطراف عربية نافذة وإسرائيل باتت تقال جهرا لا همسا لا في الليالي الداجية وحدها ، بل في نهارات شموسها ساطعة ، وأحيانا تقال همسا عندما يغدو القمر بدرا فيحلو السمر وتسطع رمال صحاري العرب بذلك الضؤ الساحر والخالد عبر الدهور .
وكلما ضاقت الحلقات ، وإستعصت صنعاء على السقوط يمكننا عندها القول بأن أبواب جامعة العرب قد أزدانت القا ، وإن البروق في سماوات عواصم العرب تنذر بذلك الحدث العظيم ، ذاك بات وشيكا .
ليست وحدها منظمة التعاون الإسلامي تجعجع بغير إن نرى طحنا أخي زاهر ، منظمة الدول العربية نفسها تدور في ذات الفلك ، فمنذ عشرات السنين ومنذ مؤتمر اللاءات الثلاثة في الخرطوم بعد النكسة ، يوم تعاهد العرب على نفض الغبار من على أكتاف عبد الناصر المندحر في الجبهات ، وما تلا ذلك من مؤتمرات دورية وطارئة تعقد ، ومن لجان تنعقد ثم تنفض ، ومن بيانات تتلى ثم تُنفى ، ومن رؤساء يذهبون ويموتون ، ويأت غيرهم ليحملوا ذات الرايات المتسخة بأدران الموبقات القومية سيئة الصيت ..
تم تدمير العراق ، وتم تقزيم سوريا ، ومن قبل خرجت مصر كما نعرف من خط المواجهة ، فلم يعد هناك مصطلح لدول المواجهة أصلا ، ذهب المصطلح مع ذهاب عبد الناصر القومي ، ومع صدام المهموم بأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة .
فهل ياترى حال جامعة العرب بأفضل من منظمة المسلمين ، كلاهما قد شربا حتى الثمالة من كأن الخزلان ، وكلاهما لم يعودا يمثلان هما إسلاميا أو عروبيا قوميا .
مايجب الإنتباه إليه أخي زاهر بان الفرق مابين المنظمات الأجنبية ومنظمات العرب والمسلمين هو حقيقة أن الأجنبية محايدة ونزيهة وتتحدث بإسم الدول الأعضاء ، فعندما نقول قرر الإتحاد الأوروبي مثلا تقديم مساعدات لغزة وللفلسطينيين مثلا ، لن نسمع عضو أوروبي يقول بإن بلاده لا توافق على ذلك ، هذا النشاز هو شأن عربي وإسلامي صرف .
العاصمة البلجيكية بروكسل تحتضن مقر الإتحاد الأوروبي ومقر الناتو ، غير إن الحكومة البلجيكية لا شأن لها بما يدور في هذه المقرات ، هذا مفروغ منه بالطبع ، غير أن العجيب والغريب والمثير والخطير هو أن مقار العرب والمسلمين تكون خاضعة كليا لحكومة الدولة التي تستضيف المقر ، فهي لا تستطيع أي المقار أن تحرك ساكنا إلا بموافقة عاصمة المقر ، ليس هذا محض هراء لكنه واقع قائم ولنا في ذلك دليل ..
لننظر للأزمة الخليجية الراهنة مثلا ، ثم نسأل ماذا فعلت جامعة العرب من جهود لرأب هذا الصدع المؤسف ، لا شئ كما نعرف ، ولماذا لاشئ ، لأن دولة المقر هي أحد أطراف النزاع هكذا ببساطة ، لنلتفت لمنظمتنا الإسلامية ، لنسأل ماذا فعلت المنظمة إزاء نفس النزاع ، لا شئ كما نعلم ، ولماذا لا شئ لأن دولة المقر هي اللاعب الأكبر في النزاع ، إذن وليكن هذا إقتراح من مواطن عربي مجنون وهو أنا أن يتم نقل مقراتنا الإسلامية والعربية من عواصم العرب للعاصمة البلجيكية بروكسل هذا إذا أردنا أن نرى طحنا حقيقيا أخي زاهر ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب
الخرطوم