الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

نحن نعادي حتى مصالحنا



رئيس الوزراء الإسرئيلي بنيامين نتنياهو وكما هو معروف دعا أميركا لرفع العقوبات المفروضة على السودان ، ومن وجهة نظرة فإن السودان بات مؤهلا للعب دور مسئول في القرن القرن الإفريقي بعد الخطوات الإيجابية التي إتخذها مؤخرا بقطع علاقاته المثيرة للجدل مع إيران مما أدى لتوقف تهريب السلاح لقطاع غزه الفلسطيني ، كما إن الخرطوم باتت تلعب دورا إيجابيا ومعتدلا في مكافحة الإرهاب .
حتى هنا فإن الموقف الذي إتخذه نتنياهو ومن خلال هذا التصريح المدوي نعتبره بلغة السياسة (إيجابيا) وبغض النظر عن ما إذا كان إسرائيليا أم شيطانيا ، هذا ما يسمى في لغة السياسة وهي لغة قذرة ومتفق أمميا على إنها كذلك ، وخير دليل على قذارتها هو قانون (جاستا) والذي ومن خلاله باعت أميركا حليفها الأوثق في الشرق الأوسط المملكة العربية السعودية أعني ، صحيح أن السحر قد إنقلب علي الساحر وإتضح لواشنطن أن المسألة ليست عبثا تماما كما غردنا بهذا المعنى مرارا ، فو إنها مضت في تنفيذ جاستا اللعين فهذا نذير بفتح أبواب جهنم عليها وستعلن أميركا الإفلاس قريبا أن طالبها ضحاياها عبر كوكب الأرض بتعويضات مقابل جرائهما عبر
قارات العالم وهي جرائم يشيب لها رؤوس الولدان كما نعرف .
نحن هنا في السودان تلاقت وتصافحت مصالحنا في نقطة ما مع المصالح الإسرائيلية هذه حقيقة ، غير إننا نختلف عن كل شعوب الأرض فنحن لا نعرف معنى ولا مغزى (تلاقي المصالح) ، نحن نعرف شيئا واحدا يتسم بـ الغباء الصريح وهو إن إسرائيل عدو ، ونحن لا نتحدث ولا نحيي ولا نرد السلام علي العدو ، لم تلهم الحكمة بعيدة المنال أي مسئول في الخارجية السودانية ليرحب بالتصريح الإيجابي لرئيس وزراء العدو ، وهو بالفعل كذلك وهذا أمر لا يمكننا إنكاره ، كأن المصالح السودانية لا تعني مسئولينا ، وإن كانت لا تعنيهم فما الذي يعنيهم إذن ، وهم يديرون دفة السياسة الخارجية السودانية ويستخدمون كل العصي السحرية لتحقيق المراد وهو رفع العقوبات عن البلاد وهذه سانحة كان يتعين إستغلالها بذكاء وحنكة وحصافة .
الدهشة والغضب والإستهجان عصف بنا ونحن نسمع ردود الأفعال السودانية المرتبكة كأن نتنياهو فاجأنا بتصريحه ولم نستطع أن ننبس ببنت شفه غير كلمات غير متناسقة ولا تحمل معنى ولا مضمون يذكر ، جاء الإرتباك لأن الرجل في العرف السوداني هو العدو الأوحد للجمهورية السودافلسطينية أما مصالحنا الإقتصادية والسياسية فلتذهب للجحيم ، لا أدري ما هذا الذي نفعله وهل مثل هذه التصرفات الغريبة تصب في الصالح السوداني فعلا ، أم نحن بتنا أعداء لأنفسنا وقبل أن نتخذ إسرائيل عدوا ؟..
كيف لنا أن لا نعرف معنى المصالح ونحن نرى محمود عباس أبومازن حامل راية القضية الفلسطينية وهو يذرف حار الدمع على رحيل الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ، فإذا كان عباس قد بكى وذرف حار دموعه فبالمنطق يحق لنا نحن في السودان أن نهيل الرماد على رؤوسنا حزنا عليه ، فعلى الأقل فإن إسرائيل لا تحتل أراضي سودانية ، وليس بيننا وبينها حدود ، فبلغة الوطنية الحقة فإن العدو هو من يحتل جزءا من بلادك حتى لو كان شبرا لا أكثر ، وإسرائيل لا ينطبق عليها هذا الشئ ، هنا لا يسرنا أن نسمع رأيا يقول لكنها تحتل أراضي فلسطينية بإعتبار أن صورة عباس وهي يبكي بيريز تمثل الرد على هذا التساؤل الفضفاض .

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب سوداني عُماني

الأحد، 17 يوليو 2016

أيعقل أن نعادي إسرائيل لوحدنا ؟!!



 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قام مؤخرا بجولة إفريقية وصفتها الصحافة الإسرائيلية بالناجحة ، وأُستقبل في العواصم التي زارها بحفاوة بالغة ، وتم التوقيع في على إتفاقيات عديدة تشمل التعاون والتبادل الإقتصادي و(الأمني) وبما تعنيه هذه الكلمة من مدلولات وإيماءات ، كما إنه قد نال وعدا غير مردود من العواصم الإفريقية بنيل صفة المراقب في الإتحاد الإفريقي في بادرة غير مسبوقة بالتأكيد وهي دليل على مستوى الرضى الإفريقي الذي ناله .
وبالطبع فإن التمدد الإسرائيلي في إفريقيا وبهذا النحو يعد مكسبا هاما ورصيدا ونجاحا سياسيا لا يمكن إنكاره ، وفي ذات الوقت فإن ذلك يعني تراجعا للنفوذ العربي في القارة السمراء وفي ظل نضوب ما بأيدي العرب من مال وفكر وعتاد وسلاح وعلم وتحضر وحضارة .
إذن فإن الوجود والتغلل الإسرائيلي في إفريقيا بات أمرالا يمكن إنكاره ولا يمكن تجاهله ، تلك حقيقة مثلى يتعين علينا التعامل معها بواقعية وبإدراك كامل .
نحن هنا وفي السودان ربما نعد الدولة الإفريقية الوحيدة التي لا تزال ترفع راية العداء سافرة لإسرائيل ونرفض أي نوع من أنواع التعامل معها وهي سياسة ستقودنا حتما للإصطدام شئنا أم أبينا مع أصدقائنا وأشقائنا الأفارفة الذين يخالفوننا الرأي تماما في هذا الملف ، هذا الخلاف قد إنتقل تلقائيا لأديس أبابا ولمقر الإتحاد الإفريقي بعد أن بات واضحا مع الشقيقة أثيوبيا في هذا الشأن ، على ذلك وإذا ما أستمرت السياسية الخارجية السودانية على ذات المنوال العقيم وعلى المدى القصير لا البعيد فربما تجد إفريقيا نفسها مرغمة على الإختيار ما بين السودان وإسرائيل وهو إختيار ليس في مصلحتنا حتما ، إذ وبلغة المصالح فإن لدى تل أبيب ما تقدمه لإفريقيا بينما ليس لدينا نحن ما نقدمه غير الشعارات المنددة بإسرائيل وبالصهيونية العالمية وهي شعارات ما عادت تسمن ولا تغني من جوع .
لينبثق السؤال مدويا لماذا تصر الخرطوم على إنتهاج هذا الخط من العداء السافر مع الدولة العبرية ؟.. فهذا النوع من العداء بات من أحاجي الماضي ، فعندما كنا صغارا وعندما كنا نتشاجر مع صديق لنا كنا نستخدم كلمة (محاربك) وهي تعني أن لا تكلمني ولا أكلمك ، ولا تحييني ولا أحييك ، ولا تنظر إليَ ولا أنظر إليك ، ولا تزورني ولا أزورك ، أي أن تلغيني من قاموسك وأن ألغيك من أبجديتي ، وهكذا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ، وعندما كبرنا وأتسعت مداركنا أيقنا وأستوعبنا أن ما كنا نفعله كان سذاجة طفولية أملتها قصور عقولنا إذ نحن أطفال ، وعندما نجتر الذكريات ونحن كبار مع أصدقاء الطفولة الأن لا نملك غير أن نضحك حتى الثمالة مما كنا نفعله بإصرار وإيمان .
كان الأجدر بنا أن إذ نحن قد إختلفنا أن نتناقش ، أن نتحاور ، أن يعبر كل منا للآخر عن النقطة التي يراها كل طرف خطأ لدى الجانب الآخر ، لو نحن فعلنا ذلك لما أمتد الخلاف لتلك الفترة الزمنية الطويلة ولما فقدت إنسانيتنا سمة من سماتها وهي (التسامح) .
السودان الوطن لا يزال يتعامل بمبدأ (محاربك) في علاقاته الخارجية مع إسرائيل الدولة التي لا نستطيع إنكارها وإن كنا نختلف معها في الكثير الكثير من التوجهات والسياسات ، فنحن لا نتحدث إليها ، ولا يتعين عليها الحديث معنا ، ولا نسلم عليها ، ولا يتعين عليها السلام علينا ، وظللنا نمارس هذا النهج الطفولي في التعامل ونطالب في ذات الوقت عموم إفريقيا أن تنتهج النهج نفسه .
إفريقيا أبلغتنا عمليا بأنها ليست (طفلة) لتفعل ذلك ، ثم أدارت لنا ظهرها وأقامت علاقاتها مع إسرائيل وبما تمليه مصالحها الإقتصادية والأمنية فوجدنا أنفسنا في خلاف أزلي مع إسرائيل وفي خلاف أشد خطورة مع أمنا إفريقيا ، فأين المفر ياترى فالبحر من خلفنا والعدو أمامنا فماذا عسانا نفعل في هكذا وضع حرج .
تركيا الدولة الإسلامية القوية الشامخة ، لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ، ومع هذا لها خلافات عميقة معها ، وبما إنها كبيرة وعظيمة وشامخة وليست طفلة فإنها تجتمع مع الإسرائليين وجها لوجه وتبلغهم إعتراضها على سياساتها القمعية تجاه الفلسطينيين ثم هي الوحيدة إسلاميا وعربيا والتي أستطاعت فك الحصار المضروب على قطاع غزة عبر إرسالها لسفن الإغاثة للمحاصرين هناك ، وهي الوحيدة التي تفقدت المسلمين في بورما ، ذلك إنها ترى بأن إقامة علاقات دبلومسية مع إسرائيل أو غيرها لا يعني بيعها للثوابت التي تؤمن بها ، غير إننا في السودان نختلف تماما فنحن (محاربين) إسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها يعني إننا قد خنا القضية وهذا مفهوم موغل في الخطأ بكل المقاييس الحضارية الحديثة .
اليوم وفي التو وفي اللحظة فنحن على خلاف مع إفريقيا وفي ذات الوقت (محاربين) إسرائيل وإسرائيل أمست أقرب لإفريقيا منا نحن أخوانهم وأشقائهم وأحبائهم في القارة وفي النضال ، لم نستطع إقناع الجارة أثيوبيا بأن (تحارب) إسرائيل معنا على طريقتنا رغم وقوفنا معها في قضايا حيوية تعلمها ونعلمها ، إذن فلنراجع أنفسنا وسياساتنا الخارجية حتى لا نجد أنفسنا لوحدنا بعد إنفضاض السامر الإفريقي من حولنا .

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب سوداني عُماني


الثلاثاء، 12 يوليو 2016

فضيحة الجنائية الدولية الكبري



إذا كانت أكذوبة اسلحة الدمار الشامل العراقية الصدامية كانت القشة التي قصمت ظهر أضخم بعير للعرب في العصر الحديث بعد أن حيكت المؤامرة بدقة وإحترافية إجرامية متناهية الدقة في كل من واشنطن وباريس ولندن وتل أبيب ، وحتى إذا ما دخلت جحافل الغزاة الطغاة أرض الرافدين لم يجدوا شيئا وهم يعلمون إنها ليست هناك ، لم يكن المهم أبدا ومن ناحية أخلاقية بحتة الإقرار بضخامة الكذبة بل كان المهم هو إحراق العراق رمح العرب الأشد فتكا ، بعد أن تحطمت قبلا كل نصال الأمة وبقي رمح العراق وحيدا .
نفس السيناربو الشنيع أرادوا إعادة إجتراره في السودان المخيف كما تراه تل أبيب وأروقة الصهيونية العالمية فكان لابد من تحطيمه وبذات الطريقة التي أثبتت إنها ناجعة عبر الأنموذج العراقي ، وهذه المرة من خلال ما يسمى بالجنائية الدولية ، فأوكلوا لرئيسة الجنائية الدولية الفاسدة مهنيا وأخلاقيا القاضية Judge Silivia بالعمل بكل جهد ومثابرة من أجل الإيقاع بالسودان بعد جندلة رئيسة عمر البشير ومن ثم إرغام كل قادة إفريقيا على الإنبطاح أرضا وتلقى ما يتعين عليهم تجرعه .
 عندما تقليت المعلومة الصادمة عبر الواتساب لم اشأ أن أكتب متعجلا فكل مايرد إلينا عبر وسائط التواصل الإجتماعي ليس بالضرورة أن يكون صحيحا ، إلى أن تأكد لنا صحة الخبر المفجع ، فالجنائية الدولية والتي تخصصت في السنوات الأخيرة في السودان وعبر رئيسه عمر البشير إتضح إنها محكمة فاسدة ، الخبر المفجع فجرته صحيفة لندن بوست البريطانية المسائية وهذا نصه :

رئيسة المحكمة الجنائية الدولية تلقت رشاوى بملايين الدولارات في حسابها البنكي لشراء شهود يشهدون ?دانة رئيس السودان بأدلة مزورة ، طوال الفترة ما بين 2004 و 2015.
ويشير التقرير أن بعض المبالغ تم تحويلها لمجموعات إرهابية في السودان تتضمن حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد النور وجماعات مسلحة أخرى.
 ومعلومات وتحريات تكشف تورط أوكامبو كذلك في أعمال غير شرعية لتلفيق أدلة للرئيس السوداني ، وتطويع الرؤساء الأفارقة عبر استهداف الرئيس السوداني ومطالبات باستقالة القاضية ،,المزيد في التقرير في الصحيفة الانجليزية عبر الرابط :

http://www.thelondoneveningpost.com/icc-president-in-corruption-scandal-over-bashir/                            

الفضيحة القضائية الدولية يمكننا وصفها بأنها تفوق في حجهما ووزنها فضيحة ووترغيت التي أودت بالرئيس الأميركي السابع والثلاثون ريتشارد نيكسون عام 1974 ، وترغيت وجدت حينها أصداء عالمية عارمة وتم تناولها على نطاق العالم بالتحليل والتمحيص والتدقيق بإعتبارها الأفدح في التاريخ السياسي الأميركي الديمقراطي الحديث ، بيد إن فضحية الجنائية الدولية في طريقها لأن تمر مرور الكرام في تأكيد فاضح على أن النزاهة الأخلاقية ما عاد لها مكان أو وجود في عالم لا يستحق أن يُعاش أصلا ، لم نسمع تعقيبا أو إعرابا بالقلق كأضعف الإيمان من واشنطن أو أي عاصمة غربية ، وهم الذين تبنوا الأوهام الأوكامبية وفرضوا الحصار والخناق على الخرطوم البريئة براءة الذئب من دم يوسف .
 لن ننسى أبدا هنا في السودان الضجة العارمة التي عمت العالم من أقصاه إلى أدناه يوم أصدر مدعى العام للجنائية الدولية السابق الأرجنتيني الفاسد لويس مورينو أوكامبو قراره المشئوم عليه لا علينا يوم 14 يوليو 2008 ، بتوقيف الرئيس عمر البشير ، وما تلى ذلك مطالبته لمجلس الأمن الدولي بالتحرك بجدية لتوقيف البشير .
الأن وبقدرة الله عز وجل الذي أمر بالعدل والإحسان ، فقد إنقلب السحر على الساحر ، إذ يتعين على الخارجية السودانية تسخير كل إمكاناتها وكل علاقات السودان بالدول الأعضاء بمجلس الأمن وبالجمعية العامة وكل المنظمات الدولية وشبه الدولية وكل محبي العدل وإنصار العدالة في إفريقيا وعموم العالم الثالث التوحد والتماسك والسعي لتشديد الخناق على رئيسة ما يمسى بـ الـ ICC  وعلى المدعى العام السابق وصولا لأصدار قرار أممي بتوقيفهما على خلفية جرائمها بحق الشعب السوداني الباسل .
لقد دفع هذا الشعب بالفعل ثمنا باهظا نتيجة الظلم الذي وقع عليه عبر إتهام رئيسة زورا وبهتانا وفسادا ، وما تمخض عنه ذلك من عقوبات إقتصادية مؤلمة إثرت على المواطن السوداني العادي في مأكله ومشربه وعلاجه وتعليمه ورفاهيته ، وعلى أثر ذلك تكبد الشعب السوداني خسائر بمليارات الدولارات يجب أن تسترد من الفاسدون المفسدون بالجنائية ، كما آثرت سلبا على الإقتصاد السوداني من ناحية عامة إذ ليست الحكومة هي من دفع تبعات العقوبات بل المواطن الذي أخذ غيلا وغدرا وكذبا .

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب سوداني عُماني
مشرف جروب قدامى المحاربين الإعلاميين
 dirgham@yahoo.com


الاثنين، 20 يونيو 2016

أهوال بيت البكاء الرمضاني



تركيا الإسلامية ووريثة الدولة العثمانية التي أدبت وأخضعت أوروبا الصليبية ذات يوم مضى ، إبتدعت نظاما تربويا إسلاميا رمضانيا رائعا الهدف منه تعليم وتعويد وتلقين الأطفال مبادئ الصيام منذ نعومة أظفارهم وأسموه (صيام العصافير) ، وتم التأكيد علي ذلك إعلاميا من خلال توثيق إفطارات الأطفال والتي تنتهي في الواحدة ظهرا تقريبا وهكذا بالتدريج ، النظرية المؤكدة تقول بأن الطفل وإن لم يتعود على الصيام لن يستطع أن يفعل ذلك عندما يصل السن التي يضحي فيها الصيام واجبا وفرضا ، وهذا يعني إن هناك مسئولية جسيمة تقع على البيت وعلى أولياء الأمور بهذا الشأن .
لقد وجدت نفسي وجها لوجه وهذا أمر أراده الله في وضع يمكنني من رصد هذا الإختلال المشين إزاء إنتهاك ركن هام من أركان الإسلام الخمسة وهو (صوم رمضان) ، فعلى بعد مرمى حجر من مكتبي أقيم سرادق بيت بكاء رمضاني ، وهذا مصطلح رمضاني جديد أيضا إذ لم أعهده من قبل ، بيد إنه تسلل هكذا خلسة إلى إدبيات المعاصي الرمضانية وبات معروفا في أروقة المجتمع ، فطبيعي جدا أن يسألك شاب مفتول العضلات عريض المنكبين ، جهرا لا همسا (هل يوجد بيت بكاء هنا ؟..) فلك إن تجيب بنعم مع وصف مكانه أو أن تجيب بـ لا ثم تستغفر الله في دواخلك ، ومن غير اللائق أن تسأل مثلا وماهو بيت البكاء هذا أو أن تقول ومن المتوفى ، هذا إن حدث فإلاجابة ستصنف بـ (الغبية أوالغير لائقة) .
ذلك يعني أن مصطلح بيت البكاء أو بالدارجة السودانية (بيت البكا) ، وبيت البكاء الغير رمضاني كما هو معروف في كل بلاد المسلمين هو المكان الذي تتلقى فيه الأسرة العزاء في عزيز لديهم إنتقل للرفيق الأعلي ، أمابيت البكاء الرمضاني الجديد فهو ذلك السرادق أو المكان والمغطى جيدا من الأعين وله باب خفي يتطلب الإنحناء للدخول إليه ، وبداخله يحدث العجب العجاب ، الفكرة من هذا الشئ هو إتاحة الفرصة لغير المسلمين والمرضى لتناول وجباتهم الغذائية ، ويتم إقامته بتصديق رسمي ومعتمد من السلطات السودانية المختصة هنا في العاصمة الخرطوم .
 الفكرة قد تبدو مقبولة ومنطقية غير إن ما رصدته عينايّ حقا وفعلا هو أن أهداف ومرامي بيت البكاء قد تم تحريفها والعبث بها بنحو فاضح وواضح ، فكما قلت لكم إنه أقيم على مرمى حجر من مكتبي وباب زجاج مكتبي زجاجي من النوع الذي أرى مايحدث في الخارج ولا يستطيع الطرف الآخر رؤيتي .
طيلة النهار وأن أحدق في المرضى وغير المسلمين إفتراضا وزعما ، والمسليمن واقعا وتسليما الذين يرتادون بيت البكاء لتناول طعامهم وشرابهم وتدخين سجائرهم وسف (صعودهم) ، هم وجلهم شباب وفتيان في عمر الزهور وفي عمر العطاء والجهاد وتحمل المسئولية ، أعرف الكثير منهم ، أراهم يتلفتون يمنة ويسره ثم يندسون إنحناءا إجباريا عبر باب الخيمة ، وثم يخرجون بعد ذلك وهم يمسحون خياشيمهم ويتضاحكون كناية عن إنهم قد تجرعوا من كأسات الرضا والحبور ما يكفي داخل بيت البكاء السعيد .
النسبة مخيفة لرواد هذه البيوت ، والمؤشر مؤسف ، والمعدلات صادمة ومحزنة ، بت أسأل نفسي ، أليس تاريخنا الإسلامي الحافل مترع بالأمثلة والمواقف على جهاد ضروس من أجل أعلاء كلمة الله في الأرض تم ووقع في رمضان وفي نهارات وصحارى يجف فيها حلق العندليب ؟.. لنا أن نعدد وللذكرى فقط بدر الكبرى ، فتح مكة ، القادسية ، فتح الأندلس ، الزلاقة ، عين جالوت ، حطين ، ثم نقف ونتوقف أمام ملحمة المتنبئ العظيم وهو يؤرح لفتح عمورية الرمضانية الخالدة والتي قال فيها والتاريخ مابرح يصفق بيديه العاريتين :

السيف أصدق أنباء من الكتب ـــ في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف ـــ في متونهن جلاء الشك والريب

هذه العمورية الخالدة والتي وقعت في العام 223 هجرية حدثت يوم رمض الجندب في رمضان ، فهل أولئك الأشاوس والذين قاتلوا وقتلوا عبر هذا التاريخ المنير يشبهون شبابنا الذين فشلوا في الإمتثال لركن أساس من أركان الإسلام وهو الصيام ، هل هناك وجه شبه ؟ ، هل هناك نظير ؟.. هل أولئك كانوا رجالا ورواد بيتوت البكاء في عصرنا هم أيضا رجال ؟..
بالقطع البون شاسع ، والمؤشرات مؤسفة ، والدلالات فادحة العواقب ، والمستقبل عبر هذا المنظور شنيعة ملامحة ، ذلك إن المعدلات التي رصدتها شخصيا تقول وبلسان عربي مبين بأننا وربما في يوم من الأيام وفي سنة من السنين لن نجد هنا من يصوم رمضان ، سنحتفي به نعم ، وسنعد المسلسلات والفوازير والمسابقات الرمضانية من إذاعية لتلفزيونية وبوقت كاف نعم ، وسنشاهد رامز وهو يبتدع مواقف جديدة لا معنى لها ، وسنحض الناس على إن في السحور بركة ، وعلى إن في قيام الليل وتلاوة القرآن الخير كل الخير ، ومع كل هذا وفوق هذا لن نجد هناك من يصوم ، بيوت البكاء ستزداد عددا وروادا ، كما حدث ويحدث فعلا .
لا تندهشوا من هذا المؤسف الذي نقول ، لنا أن نلتفت لما يحدث داخل بيوتنا وداخل مجتمعاتنا لنسأل هل هناك منظومة تربوية فاعلة على نهج منظومة تركيا (صيام العصافير) تعمل على تلقين الناشئة مبادئ وأبجديات الصيام ؟.. الأطفال لا يجدون من يتابعهم ويحضهم عليه لأن الكبار أنفسهم مفطرون ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب سوداني عُماني
مشرف جروب قدامى المحاربين الإعلاميين
dirgham@yahoo.com