الأحد، 30 ديسمبر 2012

السودان يئن تحت مطرقة المخدرات


 الكثير من الصفحات على الفيسبوك متخصصة في نشر نكات المساطيل ، وبقدر يعتقد فيه البعض بان المسطول هو في الواقع شخص ظريف وإيجابي مهمته الأساس هي الترويح عن الناس وإنتزاع الضحكات من صدورهم المترعة بالهموم والأوجاع .
هذا في الواقع غير صحيح ، بل هو تفسير سطحي تماما ، فهؤلاء الظرفاء المساطيل هم في الواقع مؤشر خطير للغاية لحقيقة دامية مؤادها حقيقة أن المخدرات باتت في متناول اليد ، وان الشباب قد غرقوا في ماءها الآسن حتى الأذنين ، وان كل جهود الدولة الرامية لإجتثاث هذا الداء لم تفلح حتى الآن ، ما نعرفه يقينا هو المساطيل الظرفاء على صفحات الفيسبوك يمثلون المشروع الإجرامي الأكثر ضراوة الذي بدأ بالفعل في هدم عمد وأركان وأمن الوطن .
لدينا شباب نعرفهم بالأسم تحولوا لمدمنين ، بعدها تحولوا لمجرمين ، وهم أيضا ظرفاء بإعتبارهم يرون ما لا نرى ،  وبات المجتمع يئن تحت ضربات جرائمهم وأفعالهم المنكرة ، أننا لا ملك غير أن نقرع ناقوس الخطر ، فالمجتمع بأسره بات مهددا فعلا لا قولا ، ومستقبل الوطن هو الآخر أمسى في مهب الريح ، والمخدرات لا تزال تباع في وضح النهار ، ورائحة (البنقو) النفاذة تخترق كل الحوائط والجدران معلنة للناس بان الدولة تحترق ، معظم تجمعات الشباب في أركان الشوارع والأزقة تكون السيجارة المعلونة في القانون تلك هي القاسم المشترك الأعظم ، والضحات الماجنات السافرات المنطلقة من مركز تلك التجمعات تؤكد بان القانون لم يعد قادرا على إيقاف هذا المجنون السافر ، ليبقى السؤال الهام مطروحا ، هل عجزت الدولة السودانية من تقليم أظافر المخدرات ومن ردع المتعاطين والمتاجرين وأباطرة هذه التجارة ؟...

الخميس، 20 ديسمبر 2012

عاهرة على مفترق طرق ..


كانت جميلة ، بل هي فاتنة ، غير إنها كانت عاهرة معروفة بالإسم وبالشكل وبالسحنات في الحي كله بل في المنطقة بأسرها ، على مدار اليوم والساعة كانت تترجل من سيارة لتركب أخرى ، أولئك كانوا زبائنها ، رجال الشرطة في المنطقة يعرفونها تماما إذ هي البغي الأشهر في سجلات اليومية ، كانت ضيفا مألوفا على مركز الشرطة ، ولطالما تم القبض عليها بعد ضبطها في أوضاع خادشة للحياء العام .
ذات يوم جاء رجل وطرق باب بيتهم ، طلب مقابلة والدها شخصيا ، الأب إندهش لجرءة هذا الزبون اللئيم ، ثم مارس أقصى درجات ضبط النفس عندما طلب منه الدخول بإعتباره ضيفا جاء إليه شخصيا ..
عبر لهجة غاضبة سأله :
ـ إنشاء الله خير ماذا هناك ؟..
ـ والله يا عمي جئت طالبا يد إبنتك ..
دوار مباغت أصاب الأب ، ثم إستجمع شتات نفسه ليسأله أي بنت ؟..
ـ إبنتك س س
ـ ضحك الأب ملء شدقيه ، ثم قال :
ـ والله يا ولدي بنتي دي ....
ـ عارف وجئت طالبا يدها على كتاب الله وسنة رسوله
ـ متأكد ؟ ..
ـ نعم
ـ على بركة الله قال الأب ..

أصدقاء الرجل حاولوا بشتى السبل صرفه عن هذا المشروع المجنون غير إنه أصر عليها ، وعندما إستيأسوا نصحوه بأن يقيم الزواج خارج الحي بل خارج الولاية فهم لا يرغبون في أن يروا نظرات السخرية والإستهزاء على وجوه القوم ..
أصر على أن يقيم الزواج في بيتها وفي حيها ووسط جيرانها الذين يعرفونها كعاهرة لا يشق لها غبار ..
بالفعل أقيمت الأفراح ، ونصبت الخيام ، وجاء الناس زرافات ووحدانا ، الشامتون ، والمستهزئون والمندهشون ، كانت الإحتفالات تنضح بكل هؤلاء الأطياف من البشر ، غير إنه لم يكن يبالي ، ثم جاءت عروسه كأنها قمر في كبد السماء لتجلس بالقرب منه ، وأخذت الصور التذكارية للعرس الأشهر والأعجب في ذلك الحي الذي شهد نزول إحدى المعجزات مبصرة وكاملة التكوين ..
وحدها هياما ، ثم وحدته حبا وعشقا ، ثم إنجبت له البنين والبنات بعد أن وئدت الماضي في بئر عميقة الأغوار  ..

عندما توفي الرجل مخمورا ...


كانوا مجموعة من الأصدقاء ، جمعهم الشيطان بحب ومودة على موائد الخمر يعاقرونها كل ليلة وحتى تباشير الصباح الباكر ينهلون من هذا السائل المذموم حتى الثمالة ثم يتفرقون ويتوزعون لينشروا البذاءة والوضاعة في شوارع الحي ، ثم يلتقون مجددا مساء اليوم التالي ، هكذا كان دأبهم ..
في ليلة غاب فيها القمر وإستتب الأمر لجيوش الظلام ، وبعد أن إرتوا ماشاء لهم ، سقط أحدهم ميتا ومخمورا ، إحتاروا ماذا يفعلون به وبجثته ، وكيف يكفنوننه ، ثم الأدهى كيف يصلون عليه وهم الذين لم يركع أحد منهم لله قط ..
وبما أوحت إليهم عقولهم المخمورة كفنوه وغسلوه كيفما إتفق ، ثم حملوه للمقابر ، هناك إحتاروا بالفعل ، النعش أمامهم وهم ينظرون إليه ولا يعرفون ماذا عساهم يفعلون في هذه النقطة الحاسمة ، نقطة الصلاة على الميت ..

في غمرة حيرتهم جاء إعرابي على ظهر جمل ، إستوقفوه بل تضرعوا إليه ليصلى على صديقهم ، ترجل الإعرابي تحت ضراوة التوسل ، ثم طلب منهم الإصطفاف ففعلوا ، تقدمهم وبدأ صلاته ..
ـ الله أكبر .. ثم رفع أصبعه للسماء قائلا :

ـ يا ربي هذا الميت ضيفك ، وأنا وإن جاءني ضيف لنحرت له جملي الوحيد هذا ..
ثم السلام عليكم ..  السلام عليكم .. أنهى صلاته ...
أسرع الأعرابي لجمله وأنطلق إلى حال سبيله بعد أن طلب منهم أن يدفنوه ففعلوا ..

فيما بعد الدفن كان القبر يشع نورا وضياءا ...


السبت، 1 ديسمبر 2012

لا مستقبل يذكر لهذه التجارة


من زاويتي اليومية  شراع  بالوطن العُمانية الأحد 18/10/1998 هذا المقال تنبأنا بكساد تجارة التصوير الفتوغرافي وإلى الأبد ، ما قلناه عام 1998 أصبح الأن عام 2012 هو الواقع  الأن تماما كما قلنا يوميذ ، لقد سبقنا الأحداث بنحو فريد .
من المألوف جدا أن نشاهد في حارة وفي كل سوق وفي كل ولاية محلات أو متاجر تحميض وطباعة أفلام التصوير الفوتوغرافي، هذا التجارة أو هذه التقنية والتي عرفها الإنسان منذ أقدم العصور حيث نجد في كتاب البصريات لأقليدس أول وصف لما يدعى  الحجرة المظلمة  Camera Obscura وكانت تستخدم لتثبيت الصورة المقلوبة لمشهد خارجي على جدار أبيض، على أن لويس جاك داغير يعتبر رائد هذه الفن إذ كان أول من استخدم لهذا الغرض ألواحا معدنية حساسة للضؤ  وذلك في العام 1839 إلا أن آلة التصوير الملون والمعروفة يعود الفضل في ابتكارها إلى العام 1861 والى جيمس ماكسويل،  ابتكار جيمس لم يبلغ حد الكمال إلا في العام 1935 عندما خرج إلى النور فيلم التصوير المعروف، فن أو علم التصوير الفوتوغرافي قدم خدمات جليلة للإنسان ويكفيه فخرا انه دون وبما لا يدع مجالا للارتياب كل الوقائع الحضارية البشرية الأمر الذي الهم التاريخ قدرة حفظ الوقائع حية متقدة للأجيال القادمة.
التصوير الفوتوغرافي  بالاته وكأميراته  ومتاجر معالجة أفلامه قد آن الأوان لان يترجل  الآن وان يخرج من الساحة مرفوع الهامة ومشكورة على ما قدمه للبشرية حتى اللحظة، وعلى أكثر تقدير فانه وبحلول العام 2000 ستختفي هذه التجارة ولن نشاهد محلا أو متجرا واحدا يختص بتحميض الأفلام، إذ أن التصوير الإلكتروني سيعهد إليه بحمل الراية والدخول بها وبنا إلى رحاب الألفية الثانية.
الإرهاصات تتحدث الآن وبفصاحة عن الأمر باعتباره واقعا لامناص من قبوله، والأمر برمته يعود إلى الحاسوب باعتباره المسئول الأول عن توجيه هذه الضربة الفنية القاضية  إلى هذه التجارة والتي كانت رائجة عبر التاريخ، الآن نشاهد زحفا مقدسا صوب الكاميرات الإلكترونية، ولنا أن نعرف بان الذين يشترون هذه الكاميرات ويستخدمونها هم بالضرورة يملكون حواسيب شخصية سواء في منازلهم أو في مكاتبهم، ثم عليهم وببساطة التقاط ما يشاءون من صور لتحتفظ الكاميرا بها حية تتنفس والى أن يتم غرس اللقطات الإلكترونية في الحاسوب والذي يتلقفها ويظهرها وبالنحو الذي نريد على شاشة الحاسوب، وبما أن الطابعات الملونة النافثة للحبر وبعد التعديلات الثورية والتي حدثت في صناعتها غدت رخيصة الثمن وفي متناول يد الجميع، ثم أن الورق المصقول والمخصص لطباعة الصور بات هو الآخر متوفرا وبأسعار لاتصدق، اذن وبمجرد التقاط الصورة بالكاميرا الإلكترونية يتم طباعتها وبالمساحة التي نريد وبالكيفية التي نرغب، هذه الطابعات الملونة إذن قد أزاحت محلات تحميض الأفلام بمساعدة الحاسوب وبالهام الكاميرات الإلكترونية.
وفي الشرق حيث نحن نتوقع أن تسود هذه التقنية عبر روافد التقاليد أيضا، إذ أن هناك الكثير من الأسر ممن لا يرغبون في إتاحة الفرصة لا صحاب تحميض الأفلام بمشاهدة صورهم الأسرية هؤلاء سيجدون غايتهم عبر التقنية الجديدة إذ انهم وحدهم سيعالجون صورهم في المنزل وسيشاهدونها أيضا لوحدهم وفوق ذلك سيتمكنون من حفظها إلكترونيا والى الأبد على CD لتبقى جيدة وحية والى ما شاء الله.
ضرغام أبوزيد




إنتكاسة علم وسقوط متعلم


ماذا يعنى أن يكمل دراسته الجامعية، ثم ينخرط في ميدان الحياة الواسع، ذلك يعني أن المجتمع قد أكتسب رافدا جديدا قادرا على العطاء بغير حدود، وان الراقد الجديد من الممكن أن يعول عليه باعتباره مثقفا ومتعلما فهو سهم في كنانة مجتمعه يطلقه إلى معاقل الجهل فيمحقه.
كان هو بالفعل كذلك فقد احتفل الأهل بتخرجه في الجامعة وبنيل شهادة الأغلى، على أن الصدام المؤسف ما بين العلم والخرافة قد وقع وقد كان هناك ينظر ويرى، ذلك أن ما كان منتظرا منه هو أن ينبري  بلسانه وببلاغته وبفصاحته داحضا كل المعتقدات المعتقة والبالية والتي قيلت مستشهدا بآيات من الكتاب مرددا أحاديث رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه فهو وبحكم علمه وبحكم ثقافته يحفظها ويعرفها ويستشهد بها، فعندما رغب في إكمال نصف دينه هرع الأهل بحثا عنها، إلى أن وجودها قالوا له بأنها مناسبة وأنها ذات دين وأنها ذات أدب وأنها ذات خلق، له ثم قالوا أيضا بان لاهلها شرطا واحدا يتعين عليه الوفاء به وهو أن لا يراها مطلقا وان لا تراه أبدا، ذلك كله سيحدث يوم الزفاف فقط، ثم قالوا أيضا بان التقاليد والأعراف المرعية لديهم توجب ذلك وانه لا مهرب من احترامها.
وفي بادرة غير مسبوقة وافق على الشرط الرهيب، لم يشرع أسلحة فصاحته، لم يندد بالشرط الغريب باعتباره منافيا لما جاء في كتاب الله وفي سنته صلى الله عليه وسلم، قال كما قالوا بان التقاليد يجب فعلا أن تحترم، على انه لم يوضح أيضا بان شرع الله هو الأحق بالاحترام وان سنة نبيه هو الأحق بالرعاية، وان التقاليد والأعراف وان اصطدمت بهذا الجدار المقدس فعلينا أن نقتلعها ومن جذورها فهي ليست إلا خرافات سادت فاعتقد الناس بها ثم هي ليس من الدين في شئ.
ثم بدأ في تأسيس بيت الزوجية، أضحت زياراته للأسواق أمرا مألوفا، يشترى في رضا، ويختار في عناية لاسس وأعمدة بيت الزوجية المفترض ما هو أفضل وما هو أحسن وما هو بهي ورائع، في قرارة نفسه كان يؤمن بان ثمة شئ ما خطأ، ثم يعود ليرفض في تعامي وخزات الضمير وصياح العلم الذي وئد، وحتى إذا ما حاول عقله وفي جوف الليالي الداجية أن يرسم ملامح الزوجة المختارة يسارع أيضا إلى تمزيق الملامح الأولية والى إحراق اللوحة الموقعة في خيالة بالأحرف الأولى، على أن الظنون لا تلبث أن تكبر وتفرهد، ومردها إلى حقيقة انه وربما يجدها بغير ما يسر وبغير ما يرغب، ذلك بات عذابه اليومي، ثم انه ووقتها وان وجدها كذلك فانه لا يستطيع التراجع وقد يذهب ماله أدراج الرياح،ثم هو لا يستطيع أن يطلقها في يوم زفافها فقد وافق سلفا على الشرط.
إذن ما حدث لا يمكن وصفه إلا بأنه رده غير مبررة للقرون الوسطى، فإذا كان قد أذعن لما اعتبر تقاليدا مقدسة، فماذا عسانا نقول عن أحكام الدين وسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كان قد اسلم قياد نفسه للتقاليد المزعومة ولم يعمد ولو همسا لتغييرها وهو الجامعي والمثقف فمن عساه يجرؤ على الوقوف في وجه هكذا معتقدات؟!..
ضرغام أبوزيد

هل تعلمت أفريقيا من زعيمها ما نديلا ؟..


الزعيم مانديلا
القارة الأفريقية تكاد تجمع على حقيقة أن الرئيس الجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا هو الزعيم الروحي للقارة لانه حفر بأصابعه المجردة على سيقان غابات أفريقيا الاستوائية الفارعة الطول حفر مخطوطة النضال الخالد، ولأنه  الزعيم الأفريقي الوحيد الذي أفنى زهرة شبابه خلف القضبان وهو يعيد كتابة تاريخ جنوب أفريقيا منذ اللحظة التي وطأت فيها  إقليم الكاب أقدام أول هولندي العام 1652 م ومنذ أن نشبت وخمدت حرب البوير العام 1902 ومنذ أن توحدت أقاليمها الثلاثة لتطل على العالم جنوب أفريقيا العنصرية، ولأنه  كان يمقت العنصرية والعنصريين ولأنه  كان يردد دائما عبارته الرائعة (إنني رجل حر) ولأنه  كذلك فقد كان شوكة وقفت في حلوق العنصريين لا كثر من عقدين من الزمان، احتاروا فيه وتسألوا وسألوا عن ما يتعين عليهم فعله إزاء  صخرة العناد الصلدة، على أن العنصريين لم يدر بخلدهم حقيقة أن الرجل مؤمن بقضيته الكبرى، جنوب أفريقيا الحرة اللاعنصرية.
ذهبت العنصرية وبقى مانديلا وجنوب أفريقيا، فماذا تعلمت القارة من هذا الرجل الأسطورة، على صعيد النضال نعنى، التجربة المانديلية الخالدة أشارت وافرزت حقيقة أن الذين يظلون داخل أوطانهم  يذوقون الأمرين ويقتاتون من نمل الأرض هم الذين ترفعهم شعوبهم إلى عنان السماء في نهاية المطاف، وهم الذين يتيهون في خيلا عزهم يوم يروم الشعب تكريمهم وتمجيدهم لآتهم أعطوا زهرة أعمارهم لقضية الوطن.
كانت أمنية العنصريين التي لم تتحقق أن يطلب مانديلا اللجؤ السياسي لأي بلد مجاور أو غير مجاور ولو انه فعل لدفعوا كل نفقات أقامته في افخر فنادق باريس أو لندن أو واشنطن، لكنه رفض فضل السجن على المنفى، كان يرحب بالموت في غيابة السجن على الموت في جزر الكناري، كان يحدق للتاريخ وهو يكتب فلو أن العنصرين سملوا عينية لرضى أن يظل مناضلا أعمى، ولو اقتلعوا  قلبه ورموا به  لكلابهم الضالة لرضي أن يمضى شهيدا من أجل القضية.
ذلك كان مانديلا، ولذلك وحده حمله الشعب من السجن إلى سدة الكرسي الأعظم وخلع عليه الألقاب عظيمها وفخيمها وجميلها، على ان القارة السمراء وللأسف لم تتعلم حرفا واحدا من نضال مانديلا، لم نر زعيما واحدا ارتضى الموت داخل السجون من اجل القضية، كأنهم لا يؤمنون كما كان يؤمن ما نديلا، انهم يناضلون دوما من خارج أوطانهم ولا يحبون الخبز الذي تأكله شعوبهم، ويتقيأون الماء الذي تشربه شعوبهم ويعافون الهواء الذي تستنشقه شعوبهم، ثم هم يريدون أن يحكموا كما حكم مانديلا!..
ضرغام أبوزيد

يوم كُرم المهندس لحسن بلاءه



هو توجه حضاري بكل تأكيد ذلك عندما اتجهت الشركة الكبيرة اتجاها كاملا وكليا نحو الحاسوب ليعهد إليه بكامل العمل الدقيق والذي يتعين عليها إنجازه، سيما وان الشركة تقدم خدمات هامة للجمهور وبالتالي يتعين عليها تسليم المطالبات المالية لكل المتعاملين معها وفي وقت معلوم، على ذلك فان القسم المختص بذلك ينهمك في العمل ووفق الطاقة القصوى فالمطالبات المالية يتعين طباعتها وبالدقة المطلوبة وفي وقت محدد، مشهد مألوف في ذلك القسم أن نشاهد طابعة عملاقة مرتبطة بالحاسوب تعمل طيلة ساعات الدوام وبدون توقف من اجل إنجاز العمل، ولنا أن نتصور أن الطابعة الرئيسية هي والحاسوب المرتبطة به قد توقفتا بغتة عن العمل وبدون سابق إنذار ذلك يعنى أن تأخيرا فادح العواقب سيصيب كبد الشركة، ذلك إذن ما حدث..
ساد الهرج والمرج وسط العاملين فالحاسوب المعني لم يتوقف على الإطلاق وبذلك النحو الكلي من قبل فقد تحول بغتة إلي كتلة من الحديد الأصم، والأدهى  أن الطابعة الرئيسية قد أصابتها العدوى المفاجئة التي أصابت الحاسوب فلم تحرك ساكنا هي الأخرى، العاملون في القسم بذلوا أقصى جهدهم من اجل إعادتهما للحياة  والى العمل فليس ثمة وقت ليهدر سدى، قاموا بالضغط على مفتاح الإغلاق والتشغيل في الحاسوب والطابعة معا عدة مرات لعلهما يستجيبان، لم تفلح كل تلك المحاولات فقد ماتا موتا أكيدا..
تم إخطار المدير بالواقعة وكان وقتها في اجتماع هام مع بعض عملاء شركته بشأن عقد هام ستوقعه الشركة بعد أن أسندت مناقصة هامة إليها، هرع المدير إلى حيث الحاسوب والطابعة يرقدان جثتان هامدتان، كان الموظفون لا يزالون يتحلقون حولهما والأسئلة الحيرى تتقافز عبر الرؤوس والأكتاف عن هذه الحالة الشاذة والغربية، البعض أفتى برأيه في الواقعة حيث أعرب عن اعتقاده بان فيروسا ساما وقاتلا ربما تسلل إلى القرص الصلب في غفلة من العاملين فقتل الحاسوب أولا ثم سرت الفيروسات عبر الكيبل إلى الطابعة رغم انه لم يثبت بعد بان الفيروسات من الممكن أن تتعامل مع الطابعات لكنه افتراض مجنون برز وسط اللغط الدائر، البعض الآخر أفتى بأنه والله اعلم قد يكون بعض العاملين بالدائرة قد عبثوا بالجهاز وغرسوا في قرصه الصلب أوامر بشعة  فلم يملك غير الانهيار، ورغم أن هذه الفرضية لا تستطيع الصمود أمام المنطق إذ انه وإذا آمنا جدلا بان بعضهم عبث بالحاسوب وغرس فيه تلك الأوامر فتوقف فلماذا توقفت الطابعة أيضا؟.. كثرت الافتراضات وعلا وطيس النقاش.
سأل المدير عن مهندس الشركة المختص ولماذا لم يحضر لمعاينة الحالة قالوا بأنه في مهمة خاصة في أحد مكاتب الشركة الإقليمية، صدرت الأوامر بالبحث عنه وإحضاره فورا، انطلقت السيارات بالعشرات تمخر عباب الطرق والشوارع، إلى أن عثروا عليه وأعادوه مكبلا بحبال الحيرة، وفي الطريق اخبروه بما حدث فوضع بعض الاحتمالات في ذهنه، ما أن دلف إلى الغرفة حيث الهرج والمرج لا يزال سائدا، طلب من الجميع الخروج من المكتب ففعلوا فاليوم يومه رمق مقبس التيار الكهربائي فوجده قد تحرك قليلا عن موضعه ضغط عليه بقدمه وعبر حذاءه فعاد الحاسوب والطابعة للعمل، طلب منهم الدخول فدخلوا، وجدوا كل شئ على ما يرام.. بعدها أقيم حفل كبير كرم فيه المهندس ونال ترقية أيضا لقاء حسن صنيعه..
ضرغام أبوزيد