الاثنين، 30 سبتمبر 2019

لقد أحسن حمدوك صنعا عندما تحدث بالأنكليزية


دكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني تحدث في الأمم المتحدة باللغة الإنكليزية فهاج البعض وماج ، حقيقة لا أدري أين المشكلة ، قديما كانت الدراسة بجامعة الخرطوم باللغة الانكليزية ، وكان الطلاب يتحدثون العربية بطلاقة رغما عن أنهم يدرسون بالأنكليزية فهي لغتهم الأم ، أحدهم سامحه الله ولا أدري من هو على وجه التحديد قاد عملية التعريب في العهد البائد بالجامعة وفي كل الجامعات  السودانية ، وتلك كانت أكبر جريمة إرتكبت بحق الطلاب السودانيين منذ فجر الإستقلال بل وبحق الوطن برمته .
قديما حتى جيلنا كان خريج الثانوي يتحدث الانكليزية بغير تكلف وبإجادة واضحة ، حتى شاعت وسط العرب أقصوصة أن السودانيين هم أفضل من يتحدث الإنكليزية ، تلك كانت مقولة سمعتها بنفسي من الدكاترة واساتذة جامعة بغداد وباقي الجامعات العراقية ، فاذهلتني ، إذ لم أكن أعلم وقتها بأننا الأفضل ، غير إنني لا أدري كيف ترسخت هذه الجدلية في العالم العربي ، ما من شك أن فطاحلة جامعة الخرطوم من الخريجين والذين شغلوا مراكز مرموقة خارج السودان في الجهات والمنظمات الدولية أكدوا عمليا هذه النظرية ، وفي داخل السودان لم يكن هناك من يعلم عن هذا الأمر شيئا ، ولم يكن هناك إي إحتفاء أو تمجيد بوجود شيء مميز نملكه كسودانيين ، هذا الأمر موجود خارج السودان لا داخله  .
سألت الأساتذة ببغداد من قال لكم اننا افضل من يتحدث الانكليزية ضحكوا وقالو هذا امر معروف وثابت .
فماذا حدث بعد ذلك ، وزراء التربية والتعليم في حكومات الإنقاذ قاموا بتغيير المناهج القديمة التي قدمتنا كافذاذ في هذه اللغة بأخرى لا تسمن ولا تغني عن جوع ، كما أهملوا تأهيل أساتذة اللغة الإنكليزية واعتبروها لغة الكفار !ّ...
النتيجة الكارثية كانت على صيغة انحطاط مخجل في مستوى طلابنا في كل مراحل التعليم في هذه اللغة .
الآن 90% من الخريجين في الجامعات والثانويات لا يستطيعون التحدث بهذه اللغة ، وإذا ما قابلهم أجنبي يتحدث بها يهربون منه باعتباره طاعون قاتل  .
وما حدث ايضا إنهيار في المستوى الاكاديمي لطلاب الطب الذين لا يعرفون عن هذه اللغة شيئا ، وهم بذلك لا يستطيعون متابعة الأبحاث العالمية في النت في مجال تخصصهم ، لقد حلت بنا كارثة قومية إسمها اللغة الإنكليزية .
غير أن الضجة التي أثيرت وإذ حمدوك يتحدث بالإنكليزية في الأمم المتحدة قد فتحت الباب على مصراعية لإعادة فتح ملف اللغة الإنكليزية في السودان ، لقد إتهموا الرجل بأنه قد نأي عن لغته العربية ، وإنه قد إنحاز للغة الكفار ، وإن من باب إحترامه للغته الرسمية أن يتحدث بها ، وأن مافعله معاليه يؤكد علمانيته ، كلها وجميعها إتهامات وطعنات وجهت للرجل إزاء مايرونه جريمة لاتغتفر بحق العربية ، ومن جانبي إختلف مع تلك الآراء تماما فالرجل وفي هذا المحفل تحدث بالأنكليزية لا إحتقارا أو تقليلا من شأن العربية ولكنه رأى بانه سيوصل فكرته باقصر الطرق للآخرين والسودان يمر بهذا المنعطف الخطير الذي تعلمونه ، كما إنني لا ادري لماذا يتم الربط سريعا مابين حديث حمدوك بالإنكليزية وما بين جدلية إحتقاره المزعوم للغتنا الجميلة لغة القرآن الكريم .
ليس بالضرورة من يتحدث الإنكليزية إنه علماني ، ففي العهد الزاهر للغة الإنكليزية في السودان وقبل إرتكاب جريمة التعريب ، كان القرآن يتلى في المساجد وفي المنازل آناء الليل وأطراف النهار ، وكانت الخلاوي تعلم وتحفظ القرآن بالعربية كما ينبغي وكان الناس كلهم وجميعا أتقياء وشرفاء ويحبون الله ورسوله ، وعندما إكتمال نصاب التعريب غدى الناس أكثر سفها ومجونا ، وكان مستوى اللغة العربية في كافة المؤسسات التعليمية تحدثا وكتابة وفصاحة وبلاغة أفضل مما هو عليه الحال الآن ، وكان الشعراء ينظمون القصيد بالفصحي والعامية وصولا لسقف الكمال إلا قليلا ، إذ كله لله فقط كما نعلم .
إذن في الوقت الذي كانت فيه اللغة الإنكليزية مزدهرة في السودان ، كانت اللغة العربية مزدهرة وبقدر يفوق حد التصور ، ولن يزعم أحد بأن التدريس بالأنكليزية قد نال من مكانة العربية في السودان ، وبهذا التميز في هذا اللغة إستطاع السودان غزو أوروبا على ذات النسق الذي فعله مصطفى سعيد في رائعة الطيب صالح الخالدة موسم الهجرة للشمال ، إذ قالها مصطفى سعيد بوضوح وجلاء :
نعم يا سادتي إنني جئتكم غازيا في عقر داركم ، قطرة من السم الذي حقنتم به شرايين التاريخ ، انأ لست عطيلا ، عطيل كان أكذوبة .
هل تعلمون كيف إستطاع مصطفى سعيد غزو بلاد الأنكليز لقد فعل ذلك بسلاح فتاك كان يملكه أسمه اللغة الأنكليزية ومع هذا فقد كان فحلا في اللغة العربية ، ورأينا فصاحته وبلاغته عندما عاد لوطنة وإلى قرية نائية من قرى شمال السودان ليموت فيها .
ما نرجوه من معالي رئيس الوزراء الموقر أن يحدثنا ويخاطبنا باللغة الإنكليزية على الأقل مرة في الشهر ليكن هذا برنامج ثابت من برامج حكومته ، وفي إطار برنامج وطني يهدف لإعادة الإعتبار لها ، على الأقل من باب من علم لغة قوم آمن شرهم ، ثم نرجو منه إعادة التدريس في كل الجامعات بالإنكليزية ، وتبقى في ذات الوقت مناهج اللغة العربية قوية وصارمة ولا مهادنة فيها ، وتبقى كذلك مادة أساسية في إمتحان الشهادة الثانوية والرسوب فيها يعنى الرسوب في الشهادة كلها .
ليس هذا فحسب بل نامل من حكومته محاكمة كل المسؤولين السابقين الذين إرتكبوا جريمة التعريب بحق هذا الشعب المبدع .

 ضرغام أبوزيد
هاتف : 00249121338306

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق