السبت، 20 أبريل 2019

(كيزان) قريش هم أنفسهم الصحابة الكرام


بداية لابد من أن نؤكد على الأرض بعض الحقائق الدامغة ، فثورة الشباب السوداني أرها الآن تُسرق ، والأرض تميد تحت أقدام المعتصمين الشباب بساحة القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة وهم لايدرون مايحاك بهم في الخفاء والعلن ، ذلك إنني كنت قد حددت ملامح طريق المستقبل وبجلاء وقبل سقوط النظام البائد بشهرين ، حدث ذلك في مقالي بمدونتي الإلكترونية بعنوان (السودان بين مطرقة الواقع وسندان المستقبل) بتاريخ 7 فبراير 2019 ، والموجود تحت الرابط :
والذي نشرته أيضا صحيفة أصداء الإلكترونية العُمانية ، حيث أوضحت فيه بأن الثورة هي ثورة الشباب أصلا وبدءا ، وأوضحت فيها لماذا هم ثائرون وناقمون ، وإقترحت عليهم الشروع بتكوين حزب الشباب وفورا ليتسنى لهم قيادة هذا الوطن والإنتقال به لرحاب المستقبل ، إذ أرى بأن لامكان في كابينة قيادة السودان الجديد للتقليديين (الكهول) والذين تعرفونهم جيدا ، المفارقة بأن نصيحتي للشباب باتت اليوم تجد لها أصداء طيبة في المجتمع ، غير إن مايحزن هو إنني لم أسمع أحد وقد ذكر بأنني صاحب الإقتراح الأصلي ، ذلك في الواقع غير مهم الأهم إنني حددت ملامح الطريق وعلى التاريخ وهو أمين ومؤتمن ولا يجامل ولايهادن حفظ الحقوق لأصحابها إن لم تراعى من قبل البشر .
الآن الثورة على مفترق طرق ، فهاهم الكهول يتفاوضون مع المجلس العسكري تمهيدا للقفز على الكراسي اللعينة ، ولكنني لم أر شبابا في خضم التدافع المحموم ، لقد أقنعوهم أو لنقل خدعوهم بالبقاء في الميدان يغنون ويأكلون ويمرحون ويرقصون ويطلقون أهازيج الظفر ، بينما هم أو (كبار السن) يخططون لحكم البلاد ، تلك هي الكارثة ، لقد عهدناهم قبلا ولم نجد فيهم خيرا يذكر ، ليكن شعار المرحلة القادمة بأن لامنصب ولا حقيبة وزارية لمن تعدى الـ 40 عاما ، وعلى الشباب الإنتباه لهذه النقطة المشتعلة قبل أن يجدوا أنفسهم في قارعات الطرق يلوكون مرارة علقم الخداع .
حتى الآن وبعد مرور حوالي أسبوعين على سقوط الطاغية والثورة تمضي في طريق التمكين الطويل المترع بالأشواك والأوحال برزت هنا وهناك منقصات وعثرات من الممكن أن تفضي بكل الإنجاز إلى المحرقة ، لقد رأيت مقاطع فيديو لأناس ينفذون القانون بأيديهم وبعصيهم وبألسنتهم وقد أضحت سيوفا بتارة على من يرون بأنهم كانوا (كيزان) ، رأينا ضربا وسحلا ومهانة ، هنا نقول بأن الثورة وإذا ما سارت الأمور على هذا النحو يمكننا القول عندها بأنها قد (إنحرفت) عن جادة الصواب ، ذلك بأن الثوار وقد أسقط في أيديهم لا يستطيعون القول بأنهم ناضلوا لإجتثاث الظلم وغرس نبتة العدل والتي من المفترض أن تمسي بمرور الأيام دوحة مترامية الأطراف تغطي الوطن جميعه بظلها الظليل ، لا يستطيعون الزعم بأنهم كذلك وبإعتبارهم يسيرون في ذات طريق (الكيزان) ، وإنه بالتالي لافرق بين ظالم وظالم فكلاهما في النار .
هذه هي القضية التي لم ينتبه إليها الغاضبون وهم ينفذون القانون بأيديهم ، تاريخيا وإسلاميا وعندما سقطت مكة تحت سنابك جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجميعنا يعلم ماذا فعل (كيزان) قريش برسول الله ، لقد ساموه مر العذاب ومر الهوان ، ثم طردوه من موطنه مكه فهاجر ليثرب التي أضحت فيما بعد المدينة المنورة ، كان في إمكانه أن يفعل ذات الذي فعله ثوار السودان ، فهو الأعز والأعلى والأقوى ، لقد تبدلت موازين القوى ، غير إنه عفا عنهم جميعا ، ماحدث بعد ذلك هو إن (كيزان) أو كفار قريش أمسوا هم أنفسهم الصحابة الكرام والذين عندما نذكرهم الآن لابد من أن نقول عبارة (رضي الله عنه) توقيرا وإجلالا ، فكيف نال كيزان قريش هذه المكانة الرفيعة عند الله ورسوله ، نالوها بسلاح فتاك إستخدمه رسول الله وهو العفو عند المقدرة ، فأسلموا وحسن إسلامهم وأضحوا جنودا أشاوس تحت راية رسول الله ففتحوا الأمصار والأقطار ودانت لهم الريادة والسيادة على كل جزيرة العرب .
فلو أن رسول الله إستباح دمائهم ، لأضحوا معارضين أشداء للنظام الجديد بمكة ، نحن لاننادي بغض الطرف عن المسروقات في العهد البائد فهي حق معلوم لهذا الشعب الصابر لابد من إستعادته ، ولا نطالب بغض الطرف عن القصاص من الرموز الذين فسدوا ثم أفسدوا ولكننا نطالب بالتعقل وركوب موجة الموعظة الحسنة فهي أمضى سبيلا في الحصول على نتائج باهرة تصب في مصلحة الوطن وضمان مستقبله .
لنا أن نصدق بأن نيران الكراهية المشتعل أوارها هذه الأيام في كل ربوع الوطن لكل (كوز ندوسوا دوس) لن تفضي في نهاية المطاف لبناء وطن كالبنيان المرصوص ، فالكراهية لن تلد غير الغل ، والغل لن يصاحب غير المقت ، والمقت لن يلد غير الإنتقام ذاك الكريه والذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع (أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم) ، فهل ياترى سنمضي قدما في بناء منظومة للكراهية سامقة في ربوع الوطن ثم نقف على الإطلال والدمن لنزعم بأن الثورة قد أنجزت ماوعدت ، وأنها قد أوفت وقدمت للعالم هذا السودان الجديد الشامخ ، والحقيقة المثلى هو إنه إطلال ورفات وجماجم وأشلاء هذا ماسيكون حكما لاقدر الله .
لننتبه لهذه المفارقة المكانية والزمانية وهي أن المعارضة السودانية التي كانت في الخارج وفي عواصم أوروبا وأميركا ، وكانت تسعى لأسقاط النظام ، هاهو النظام قد سقط ، فأرتج عليهم ، لقد كانوا يسعون لإسقاط النظام ، غير أنهم وفي قرارة أنفسهم لايتمنون سقوط النظام ، أوروبا لن تمنح أي مزايا للإقامة بدعوى الإضطهاد من قبل نظام شمولي في الخرطوم ، إذن لابد لهم من العودة للوطن ، ستتوقف الأعطيات والبذخ الذي كانوا فيه يتقلبون ، لقد إنتفت الأسباب .
هل تدرون سادتي ماذا سيحدث في المستقبل القريب أن إنتم لاتزالون ترفعون أعلام الكراهية وتطبقون القانون بأيديكم ، ماسيحدث هو إن (الكيزان) سينتقلون لأوروبا وأميركا ليحلوا محل المعارضة التي كانت هناك ، وسيقولون بأنهم مضطهدون في وطنهم وفي جعبتهم مقاطع فيديو تثبت ذلك ، وستمنحهم العواصم المتحضرة حق اللجؤ السياسي ، وسيبدأون من هناك في إرسال زخات من الصداع للنظام الجديد في الخرطوم ، صداع كالذي كان يلف عمر البشير حتى أعياه ثم أرداه .
وهل تعرفون من هم المتمردين الجدد في أطراف الوطن وعلى الحدود مع الدول المجاورة هم أنفسهم (الكيزان) ، وسيبدأون من هناك بشن الهجمات وإثارة النعرات وعرقلة جهود التنمية بالوطن .
إذن التاريخ سيعيد نفسه من جديد ، وسنجد أنفسنا في دوامة صراعات لا تنتهي إلى يوم الدين ، والسبب بسيط هو أننا لم نستطع أن نستلهم من سيرة المصطفى أي معنى يعيننا على التصرف بحكمة عندما نصرنا الله نصرا عزيزا ، اللهم إني قد بلغت اللهم فأشهد ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ـ الخرطوم
dirgham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق