السبت، 13 أبريل 2019

البشير وأقصوصة المُلك الذي لايبلى


الشيطان هو الذي وسوس لآدم عليه السلام عندما قال له (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) ، ولأن المُلك الذي لايبلى سيبقى أبد الدهر لعنة تطارد بني الإنسان ، تماما كالنازلة التي صدقها آدم ، والنتيجة إنه هبط بنا إلى هذه الديار المنكوبة في حظها من المصائب والنوائب .
ا
لرئيس السوداني السابق أو المخلوع عمر البشير ، هكذا أمسى وصفه ، صدق هو الآخر أقصوصة المُلك الذي لايبلى ، حدث ذلك عندما وسوس له المنتفعون وبطانة السؤ بأن يستمر ، فعقد العزم على المضي قدما حتى الرمق الأخير ، هم شياطينه الذين أوعزوا إليه فكرة الترشح لفترة جديدة أو لفترة مفتوحة من بعد تعديل الدستور ليسمح له بالبقاء شاهرا سيفه أبد الدهر فوق رؤوس الشعب السوداني البطل ، تلك كانت القشة التي قصمت ظهر بعيره الأعرج ، وذلك هو الإستفزاز الذي حرك بركان الغضب في سويداء المواطن المستكين حلما وصبرا ، فغضب ثم ثار ، والسوداني عندما يغضب فإنه سيتحول لبركان لن ينطفئ أبدا وهذا ماحدث على وجه الدقة .
النكبة الحديثة بدأت مع تباشير انتخابات عام 2015 ، عندها ووقتها كنت أنا (المجنون) الوحيد على إمتداد الوطن طولا وعرضا الذي قدم النصيحة خالصة للبشير بأن لايترشح لفترة أخرى تمتد حتى 2020 ، وهو القابع فوق الصدور كالقدر منذ عام 1989 ، حدث ذلك يوم السبت 10 يناير 2015 أي قبل أربعة أعوام وثلاثة أشهر منذ يوم النزع ، والواقعة موثقة في مدونتي الإلكتروني تحت الرابط :
وفي ذات المقال الذي حمل عنوان :
(إن كنتم تحبونه لا ترشحونه) وهذا المقال سيبقى الأهم على الإطلاق في تاريخ السودان الحديث ، لجهة إنه سبق أحداث اليوم بأعوام ثلاثة .
قلت في ذاك المقال بأن الفرصة مواتية للبشير لدخول نادي العظماء الأفارقة بمعية نلسون مانديلا والمشير سوار الذهب ، وأن عليه أن لا يترك الفرصة تتسربل من بين يديه ، فالسوانح لا تأتي تباعا ، ولو إنه إستمع لنصيحتي وترك هذا الكرسي اللعين لكان قد أسدى خدمة جليلة لنفسه أولا ، وللسودان الوطن ثانيا ، كان سيرسي قواعد راسخة للديمقراطية السودانية لتغدو ملهمة للقارة بأسرها ، وكان من المفترض أن نقود الآن إفريقيا القارة في سلامة وعلو كعب نظامنا الديمقراطي المتفرد ، وكان سيحظى أبد الدهر بالإحترام كله من أبناء شعبه ومن شعوب القارة بأسرها ، لكنه رفض ، لقد أعتبرني أعضاء المؤتمر الوطني الحاكم معتوها لا يعرف ماذا يقول ، لقد صدقوها وآمنوا بفكرة الخلود كحتمية يستحقها فخامته .
ولأن الخلود هو في الواقع سراب كذوب ، فقد أبى البشير إلا أن يحيل نفسه وبنفسه لمزبلة التاريخ رفيقا شامخا لكل الرؤساء والزعماء الأفارقة الذي رفضوا مغادرة الكرسي إلا بـ (النزع) الأليم .
في الواقع ماكنت أريدها له ، فلو صدقني وإنتصح يوم نصحته لكان الآن في رغد من العيش مريح بين أهله وعشيرته ، كنت أرى الجحيم هناك يمور فيما خلف خط الأفق محدثا جلبة وصراخا وهتافا وإحتجاجا ، لعلها كانت نذر الثورة التي أقتلعته أو إنتزعته ، ورغم ذلك فإنني أقر بأنني لست زرقاء اليمامة ، عندما قالت لقومها إني أرى شجرا يسير ، فقالوا لها كذبت هذه المرة ، ألمسألة ببساطة هي إن الرجل الحصيف ينبغي له أن يدرك بأن الذين وسوسوا له كانوا أصحاب مصالح خاصة لا أكثر ولا أقل ، وهي ذاتها المصالح التي تسمى بصحيح اللغة بـ (الفساد) الذي أهلك  الوطن بما فيه ومن فيه ، وعليه الآن دفع الثمن كاملا ، فلا عذر لمن أنذر .
في التو واللحظة فإن التاريخ الذي لايرحم وعندما يتناول أقصوصة عمر حسن أحمد البشير من بعد سقوط كلمة (الرئيس) من أمام أسمه ، وسقوط (فخامة) من سياق وصفه ، ليُذكر فقط بأسمه المجرد من أي ألقاب دنيوية ، وعندما يتم إستعراض ماقدمه طيلة الـ 30 عاما من السباحة عكس تيار الحقيقة ، سنخلص إلى إنه لم يقدم شيئا يشفع له يوم الدين وأمام شعبه قبل ذلك ، لقد أضاع بإرادته الحرة فرصة أن يغدو حزبه البائد الآن قدوة لأحزاب القارة ، ومن المفترض جدلا إنه الحزب الأقدم ربما في القارة وقد إقترب رشدا من عمر النبوه هكذا إفتراضا ، لقد أضرم النار في كل عضوية حزبه ثم إنتحر على طريقته الخاصة ، وكانت الـ 30 عاما التي قضاها ملتصقا بالكرسي كانت في التاريخ هباء منثورا ، هذا هو إنجازه الأََضخم .
كان على الأقل لو تركها عام 2015 كما نصحته لكان ذلك الحدث يعتبر إنجازا يحسب له لا عليه ، وقد يغفر له الشعب كل عثراته المهلكات الماضيات ، ولكنا كوطن قد إنجزنا شيئا في الأعوام الأربعة التي فصلت مابين تاريخ النصيحة وتاريخ النزع .
وعلى الصعيد الشخصي كان سيجنب نفسه إرهاصات المحاكمات لا المحاكمة التي تنتظره هو وزوجته الأحدث ورفاق دربه الميمامين الذين أثروا على حساب قوت الشعب وعلاج أفراد الشعب ومستقبل شباب الشعب ، وتعليم أبناء الشعب ، والتعليم أضحي للقادرين عليه لا لكل أبناء الشعب ، وتلك الطامة الكبرى وقد أرعدت ،  لقد تم تخصيص كل الخدمات التي كانت في يوم من الأيام مجانية لكل الناس ولم يعد الفقراء يستطيعون شراء دواء أو مقابلة طبيب إلا بعد الدفع ، وبدون الدفع الموت الرحيم في الإنتظار ، ولطالما إنتقلت أرواح علينا عزيزة للرفيق الأعلى بسبب أنهم لايملكون ثمن العلاج في وطن يفترض أنه الأغنى إفريقيا ، ولطالما غردنا وكتبنا وإنتقدنا تلك الوقائع السوداء بدون أن نجد آذانا صاغية ، كل الذين قضوا نحبهم لضيق ذات اليد في عهد البشير ملفاتهم مفتوحة أمام المحاكم التي ينتظرها البشير ، والأخطر أن ذات الملفات مفتوحة أمام رب العزة فإلى أين المفر ؟!..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ـ الخرطوم
dirgham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق