الشيطان هو الذي وسوس لآدم عليه السلام عندما قال له (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ
لا يَبْلَى) ، ولأن المُلك الذي لايبلى سيبقى أبد الدهر لعنة تطارد بني الإنسان ،
تماما كالنازلة التي صدقها آدم ، والنتيجة إنه هبط بنا إلى هذه الديار المنكوبة في
حظها من المصائب والنوائب .
ا
لرئيس السوداني السابق أو المخلوع عمر البشير ، هكذا أمسى وصفه ، صدق
هو الآخر أقصوصة المُلك الذي لايبلى ، حدث ذلك عندما وسوس له المنتفعون وبطانة
السؤ بأن يستمر ، فعقد العزم على المضي قدما حتى الرمق الأخير ، هم شياطينه الذين
أوعزوا إليه فكرة الترشح لفترة جديدة أو لفترة مفتوحة من بعد تعديل الدستور ليسمح له
بالبقاء شاهرا سيفه أبد الدهر فوق رؤوس الشعب السوداني البطل ، تلك كانت القشة
التي قصمت ظهر بعيره الأعرج ، وذلك هو الإستفزاز الذي حرك بركان الغضب في سويداء المواطن
المستكين حلما وصبرا ، فغضب ثم ثار ، والسوداني عندما يغضب فإنه سيتحول لبركان لن
ينطفئ أبدا وهذا ماحدث على وجه الدقة .
النكبة الحديثة بدأت مع تباشير انتخابات عام 2015 ، عندها ووقتها كنت
أنا (المجنون) الوحيد على إمتداد الوطن طولا وعرضا الذي قدم النصيحة خالصة للبشير
بأن لايترشح لفترة أخرى تمتد حتى 2020 ، وهو القابع فوق الصدور كالقدر منذ عام
1989 ، حدث ذلك يوم السبت 10 يناير
2015 أي قبل أربعة أعوام وثلاثة أشهر منذ يوم النزع ، والواقعة موثقة في مدونتي الإلكتروني تحت الرابط :
وفي ذات المقال الذي حمل عنوان :
(إن كنتم تحبونه لا ترشحونه) وهذا المقال سيبقى الأهم على الإطلاق في تاريخ السودان الحديث ، لجهة
إنه سبق أحداث اليوم بأعوام ثلاثة .
قلت في ذاك المقال بأن الفرصة مواتية للبشير لدخول نادي العظماء
الأفارقة بمعية نلسون مانديلا والمشير سوار الذهب ، وأن عليه أن لا يترك الفرصة
تتسربل من بين يديه ، فالسوانح لا تأتي تباعا ، ولو إنه إستمع لنصيحتي وترك هذا
الكرسي اللعين لكان قد أسدى خدمة جليلة لنفسه أولا ، وللسودان الوطن ثانيا ، كان
سيرسي قواعد راسخة للديمقراطية السودانية لتغدو ملهمة للقارة بأسرها ، وكان من
المفترض أن نقود الآن إفريقيا القارة في سلامة وعلو كعب نظامنا الديمقراطي المتفرد
، وكان سيحظى أبد الدهر بالإحترام كله من أبناء شعبه ومن شعوب القارة بأسرها ،
لكنه رفض ، لقد أعتبرني أعضاء المؤتمر الوطني الحاكم معتوها لا يعرف ماذا يقول ،
لقد صدقوها وآمنوا بفكرة الخلود كحتمية يستحقها فخامته .
ولأن الخلود هو في الواقع سراب كذوب ، فقد أبى البشير إلا أن يحيل
نفسه وبنفسه لمزبلة التاريخ رفيقا شامخا لكل الرؤساء والزعماء الأفارقة الذي رفضوا
مغادرة الكرسي إلا بـ (النزع) الأليم .
في الواقع ماكنت أريدها له ، فلو صدقني وإنتصح يوم نصحته لكان الآن في
رغد من العيش مريح بين أهله وعشيرته ، كنت أرى الجحيم هناك يمور فيما خلف خط الأفق
محدثا جلبة وصراخا وهتافا وإحتجاجا ، لعلها كانت نذر الثورة التي أقتلعته أو
إنتزعته ، ورغم ذلك فإنني أقر بأنني لست زرقاء اليمامة ، عندما قالت لقومها إني
أرى شجرا يسير ، فقالوا لها كذبت هذه المرة ، ألمسألة ببساطة هي إن الرجل الحصيف
ينبغي له أن يدرك بأن الذين وسوسوا له كانوا أصحاب مصالح خاصة لا أكثر ولا أقل ،
وهي ذاتها المصالح التي تسمى بصحيح اللغة بـ (الفساد) الذي أهلك الوطن بما فيه ومن فيه ، وعليه الآن دفع الثمن
كاملا ، فلا عذر لمن أنذر .
في التو واللحظة فإن التاريخ الذي لايرحم وعندما يتناول أقصوصة عمر
حسن أحمد البشير من بعد سقوط كلمة (الرئيس) من أمام أسمه ، وسقوط (فخامة) من سياق
وصفه ، ليُذكر فقط بأسمه المجرد من أي ألقاب دنيوية ، وعندما يتم إستعراض ماقدمه
طيلة الـ 30 عاما من السباحة عكس تيار الحقيقة ، سنخلص إلى إنه لم يقدم شيئا يشفع
له يوم الدين وأمام شعبه قبل ذلك ، لقد أضاع بإرادته الحرة فرصة أن يغدو حزبه
البائد الآن قدوة لأحزاب القارة ، ومن المفترض جدلا إنه الحزب الأقدم ربما في
القارة وقد إقترب رشدا من عمر النبوه هكذا إفتراضا ، لقد أضرم النار في كل عضوية
حزبه ثم إنتحر على طريقته الخاصة ، وكانت الـ 30 عاما التي قضاها ملتصقا بالكرسي
كانت في التاريخ هباء منثورا ، هذا هو إنجازه الأََضخم .
كان على الأقل لو تركها عام 2015 كما نصحته لكان ذلك الحدث يعتبر
إنجازا يحسب له لا عليه ، وقد يغفر له الشعب كل عثراته المهلكات الماضيات ، ولكنا
كوطن قد إنجزنا شيئا في الأعوام الأربعة التي فصلت مابين تاريخ النصيحة وتاريخ النزع
.
وعلى الصعيد الشخصي كان سيجنب نفسه إرهاصات المحاكمات لا المحاكمة
التي تنتظره هو وزوجته الأحدث ورفاق دربه الميمامين الذين أثروا على حساب قوت
الشعب وعلاج أفراد الشعب ومستقبل شباب الشعب ، وتعليم أبناء الشعب ، والتعليم أضحي
للقادرين عليه لا لكل أبناء الشعب ، وتلك الطامة الكبرى وقد أرعدت ، لقد تم تخصيص كل الخدمات التي كانت في يوم من
الأيام مجانية لكل الناس ولم يعد الفقراء يستطيعون شراء دواء أو مقابلة طبيب إلا
بعد الدفع ، وبدون الدفع الموت الرحيم في الإنتظار ، ولطالما إنتقلت أرواح علينا
عزيزة للرفيق الأعلى بسبب أنهم لايملكون ثمن العلاج في وطن يفترض أنه الأغنى
إفريقيا ، ولطالما غردنا وكتبنا وإنتقدنا تلك الوقائع السوداء بدون أن نجد آذانا
صاغية ، كل الذين قضوا نحبهم لضيق ذات اليد في عهد البشير ملفاتهم مفتوحة أمام المحاكم
التي ينتظرها البشير ، والأخطر أن ذات الملفات مفتوحة أمام رب العزة فإلى أين
المفر ؟!..
ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب ـ الخرطوم
dirgham@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق