السبت، 18 أبريل 2015

ما كان الإسلام أبدا بهذا العنف



صحيفة المجهر السودانية طالعتنا بعددها رقم 1035 بتاريخ 17 إبريل 2015  الصادر يوم الجمعة بمانشيت بعرض ثمانية أعمدة وباللون الأحمر (الحكومة ترفض إجلاء إسرائليين من اليمن عبر الأراضي السودانية) ، ثم وبعد تتبع باقي الخبر (النبأ) بالصفحة الثانية قرأنا :
علي الصادق ـ المتحدث الرسمي بإسم الخارجية السودانية
وفق الناطق الرسمي بإسم الخارجية السودانية علي الصادق أن لديهم موقفا مبدئيا من تل أبيب وزاد يستحيل أن توافق الخرطوم علي إجلاء أي إسرائيلي حتى ولو لظروف إنسانية عبر أجواء السودان ، ونبه الصادق حسبما نقلت سودان تربيون إلى أن السودان أصلا لا يقيم أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل فضلا عن إن منظمة الهجرة الدولية لم تطلب منه إجلاء رعايا إسرائليين .
لا أخفيكم سرا بأن حالة من الغضب الشديد إنتبابتني وأن أقرأ هذا الخبر الكارثة ، غير إن المتحدث بإسم الخارجية السودانية لم يفطن لحقيقة إنه قد إرتكب أكبر الأخطاء الدبلوماسية السودانية ومنذ أن نال السودان إستقلاله عام 1956 ، فالرفض المحموم لنقل رعايا إسرائليين مدنيين محاصرين في اليمن المشتعل لا علاقة له إصلا بالسياسية أو بالعلاقات الدبلوماسية ما بين الخرطوم وتل أبيب ، كما ليس له علاقة بمنظمة الهجرة الدولية بإعتبار أن الخرطوم أصلا كان له جسر عبر جده برا ثم إلى الخرطوم جوا ، وأن العديد من الجنسيات الأجنبية إستفادت من هذا الجسر ، وبغض النظر عن أسماء الدول التي ينتمي إليها هؤلاء الرعايا إذ الشرط الوحيد للنقل هو أن يكون المنقول بشرا ، والذبن رفضنا نقلهم من اليمن هو بالقطع كذلك وينتمون إلى منظومة الإنسانية بل إن جميعنا نحن وهم أبناء سام بن نوح بن آدم عليه السلام  .
كان الأجدر بالمتحدث الرسمي للخارجية السودانية إن لا يذكر الواقعة أصلا ، وأن ينفيها إن تسربلت لوسائل الإعلام بإعتبارها موقفا يتعارض مع مبادي ديننا الإسلامي الحنيف ، صحيح إن المسلم لا يكذب غير إن الكذبة نحسيها خيارا مريحا وأفضل من أن نصيب كل الدين في مقتل ، وبإعتبارنا في الأصل نفاخر ونجاهر بأننا مسلمون حتى الثمالة ، وأننا نتبع في أفعالنا وأقوالنا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لنكن واقعيين إذ أن المصطفى عاهد وصادق اليهود في المدينة وعاملهم بالحسنى وبالموعظة الحسنة ، ثم تزوج منهم ، إنطلاقا من القاعدة الإسلامية الرصينة والقائلة (الدين المعاملة) ، فكان أن دخل الكثير من اليهود الإسلام بل حسن إسلامهم دخلوه لا بالسيف ولا بالقهر ولا بالإصرار علي تركهم يواجهون النار والحصار والموت ،  بل إقتناعا به وبما وجدوه من حسن معشر المسلمين ودماثة خلقهم وأخلاقهم والتاريخ الإسلامي يعج بقصص لا تعد ولا تحصى من هذا القبيل .
لنا أن نتخيل لو إننا نقلنا بالفعل أولئك الإسرائليين وبدواعي إنسانية لا سياسية خلافا لما قاله المتحدث الرسمي لخارجيتنا (إننا لا نقلهم حتى لأسباب إنسانية) ولم يوضح لنا لماذا نحن بهذا القدر من الضراوة ، هو العنف عينه ، وهو تطرف لا يقبله الإسلام الدين مطلقا بل هو تصرف لا يشبه هذا الدين السمح ، كما إنه لا شبهنا نحن السودانيين أبدا أبدا ، نحن أهل الكرم وأهل الجود وأهل النخوة وأهل الإنسانية في الإنسانية ، ما كنا يوما كذلك ، هذا فكر دخيل علينا ومنهج ما عرفناه قبلا عبر تاريخنا الطويل الناصع بالمواقف الإنسانية حتى مع الأعداء ، تماما كما أوصانا رسولنا الكريم ، فلو نحن نقلنا هؤلاء اليهود من اليمن عبر الخرطوم ، فقد يكون ذلك مدخلا ملائما لهم لدفعهم سلما لإعادة التفكير في الإسلام الدين وقراءته من جديد بعيون مفتوحة وقلوب يقظة ، وقد يسلمون بعد أن رأوا نخوة الإسلام وقد تمثلت عبر سماحة السودانيين ، وعندما يصلون لتل أبيب فإنهم سيتحدثون حكما وقطعا عن كيف أن هناك مسلمون في قطر عربي إسمه السودان هم الذين أنقذوهم من الجحيم في صنعاء وعدن ، كنا سنقلب الطاولة على الفكر الصهيوني المتطرف والمسيطر على العقل الإميركي والأوربي تماما ، وعبر شهادة شاهد منهم لا منا ، تلك هي السياسة وهكذا تمارس ، وهكذا يتم إقتناص الفرص والسوانح في عرف الدبلوماسية الحقة التي لم نتعلمها بعد للآسف .
لقد أضعنا أكبر وأضخم فرصة تتاح لنا في هذا القرن الجديد كمسلمين وكسودانيين وكأمة عربية لا مجيدة وكأمة إسلامية مقعدة عبر فكر قادتها لا غيرهم ، فأن كانوا يصفون الإسلام بالتطرف فنحن وبعد ما فعلناه معهم في اليمن فنحن بالفعل كذلك ، وإن كانت داعش تمثل الآن صورة الإسلام الكالحة في نظر الغرب فقد أضفنا إليها بعدا ثالثا أشد قتامة مما فعلته وتفعله داعش في العراق وسوريا ، فتصرفنا كان تصرفا (داعشيا) صرفا ومحضا ، ولا نستطيع الدفاع عنه بأي صيغة بلاغية كانت أو أي لفظ  كان ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب مستقل
واتساب : 00249121338306

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق