الجمعة، 18 أغسطس 2017

عودة نظام الأبارتيد لجزيرة العرب



بغض النظر عن الإعتذار الذي قدمه وزير الصحة السعودي للطيب السوداني عبد الله البرقاوي بعد حادثة الإعتداء اللفظي الذي تعرض له من قبل مواطن سعودي غير منتج ، فإننا نرى بإن القضية أكبر وأضخم من الإعتذار ، بداية فإن التسمية الصحيحة والتي تعمدت وسائل الإعلام تجاهلها خجلا ، هي حقيقة إن الدكتور عبد الله قد تعرض لإعتداء (عنصري) شنيع ، تلك هي الحقيقة والتي لم يقلها أحد حتى الآن للسبب الذي ذكرته وهو (الخجل) .
فهذه الكلمة قد خرجت أصلا من قاموس التعامل الإنساني والبشري منذ عقود طويلة مضت هكذا إفتراضا ، بين إن الحقيقة المؤلمة هو إن العنصرية الداء  ، والعنصرية المعتقد ، والعنصرية المذهب ، والعنصرية السلوك ، لا تزال موجودة في الكثير من بلاد العرب ، وأشنعها بالطبع (عنصرية اللون) ، ولكن الأمر الأكثر إيلاما أن تكون لا تزال موجودة في السعودية مهبط الرسالة المحمدية الخالدة ، ومهبط الوحي بالقرآن الكريم ، الذي نهى وحذر وتوعد من هكذا سلوك منذ أكثر من 1400 عام مضت ، فإذا كان القرآن يُتلى في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة وفي كل مدن وقرى المملكة العربية السعودية منذ أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم وفيه مافيه من الوعيد والنهي ومع هذا لم يفلح هذا الكتاب الأعظم في إقتلاع عنصرية اللون من صدور القوم هناك ، فما هو السبيل لإنتزاعها إذن ؟..
سياسة الأبارتيد ، أو نظام الفصل العنصري القمئ الذي حكم جنوب أفريقيا عبر الأقلية العنصرية البيضاء منذ عام 1948 حتى تم جندلته بين عامي 1990 ـ 1993 ، هذا النظام الأشنع في التاريخ قسم سكان جنوب إفريقيا على أساس اللون فقط وليس على أساس الوطنية أو الكفاءة أو المقدرات العقلية ، وبالطبع كان البيض في المقدمة ، بينما تزيل السود أصحاب الأرض المرتبة الدنيا بإعتبارهم فئران بشرية ليس إلا ، العالم كله قاطع جنوب إفريقيا حينئذ بإعتبار إن النظام القائم فيها هو الأفظع في القرن العشرين ، وحتى جاء مانديلا العتيد لتعود جنوب إفريقيا لحظيرة البشرية ، ولكن جنوب إفريقيا وعندما كانت عنصرية لم تكن مسلمة ولا مسيحية متدينة ، كانت لا دينية وكانت علمانية لذلك صدقت وصادقت على نظام الأبارتيد كمنظومة حياة .
فماذا عسانا نقول والدين الإسلامي السمح وبكل جلاله لم يستطع أن ينتزع الأبارتيد العربية من أفئدة بعض مواطني السعودية حيث بيت الله الحرام وحيث قبر المصطفى صلى الله عليه ، لقد جاءت الحادثة والحجاج يصلون للأراضي المقدسة من كل فج عميق وبناء لنداء إبراهيم عليه سلام ، عندما أمره الله أن يؤذن بالحج فقال مخاطبا ربة وكم يبلغ صوتي ، فجاء الرد الإلهي يا إبراهيم عليك النداء وعلينا الإجابة ، فأذن في الناس بالحج فبلغ صوته كل فجاج الأرض ، في هذا الموضع المقدس ومن تلك الأرض الطاهرة وفي هذا الوقت بالذات سمعنا نداءا عنصريا فجا وفظا موجه لطبيب سوداني نعت بالأسود وبالعبد جهارا نهارا ، ونحن وفي السودان لانعلم يقينا من هو السيد الذي أستعبد الدكتور عبد الله ، ومتى حدث هذا على وجه الدقة والتحديد ، فإن كان ذلك العنصري يعلم فليخطرنا بذلك لنضيف هذه الجزئية للتاريخ السوداني التليد .
إذن فإن الواقعة تؤرخ وتؤكد لوجود شئ ما خاطئ في المناهج التربوية والتعليمية السعودية وعلى السلطات هناك أن تجري الدراسات اللازمة للوصول لتلك النقطة السوداء ، وبالطبع ليست كسوداد دكتور عبد الله ، فالقائل كان راشدا وكان يعني مايقول إيمانا بكل كلمة خرجت كالسم الزعاف من بين فكيه وإذ هو لا يعلم بان مقتل الرجل بين فكيه ، فهو يؤمن بقناعة بإنه أبيض ونظيف ومستقيم وسيد لهذا الدكتور العبد الذي جاء من خلف البحر الأحمر ليقدم خدماته الإنسانية له .
مناهج التعليم هناك من المؤكد إنها فشلت في إقناع أولئك القوم بأن الإسلام قد أكد بإن لافرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ، فهذا العنصري لايؤمن بهكذا أقوال ، ولا يرى غير إنه أفضل وأسمى وأعلى مرتبة ومنزلة من هذا الأسود ، ولا ندري إن كان يرى مقعدة في الجنة أم لا .
نحن على ثقة بأن الجهات المعنية في السعودية ستعمل على تنقيح مناهجها الدراسية والتربوية من فيروسات وبكتيريا العنصرية ، لتتوائم على الأقل مع روح الحج في هذا الأيام حيث هناك في مكة الآن الكثير من الحجاج السود جاءوا من كل فج عميق تلبية لأمر الله ، ونخشى أن يسمعوا ما سمعه دكتور عبد الله .
إذن لابد من تمزيق تلك المناهج التربوية المستمدة من نظام الأبارتيد الجنوب أفريقي فيما قبل مانديلا .
وإذا كانت السعودية الآن قد تبنت نظام وطن بلا مخالف وهذا من حقها بالطبع ، فإن الواقعة تشير إلى إن التجربة في طريقها للفشل الذريع ، فهذا المواطن السعودي آل على نفسه إيمانا بالفكرة التهرب من العمل ، وحكومته تخلت عن العمالة الأجنبية لتضعه في مواقع العمل والإنتاج بديلا عن الأجانب ، وهاهو المواطن قد قرر الهروب من العمل ومن الإنتاج عبر إرغامه للعبد السوداني الدكتور عبد الله ليمنحه إذن بالتغيب عن الإنتاج .
فإذا كان الأمر كذلك وإذا كان هذا السلوك سائدا وسط المواطنين هناك ، فما من شك إن المناهج التربوية والتعليمية وللمرة الثانية فشلت في تلقين المواطنين معنى قدسية العمل ، وإذا إستمر الوضع كذلك فإن الحكومة ستجد نفسها مضطرة لإعادة الأجانب تارة أخرى لعدم وجود من يعمل من المواطنين ، تلك حقيقة مثلى ومؤسفة أيضا .
لتبقى الموعظة الأخيرة وهي إن الجنود السود والعبيد السودانيين يقاتلون الآن دفاعا عن الحرمين الشريفين في حرب اليمن ، فهل ياترى ومن الناحية الشرعية البحته يجوز الإستعانة بهم في هذه الحرب الضروس ، ننتظر فتوى من علماء الدين في المملكة ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب
الخرطوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق