الاثنين، 26 أكتوبر 2015

العلاقات السودانية الإيرانية .. لماذا فشلت الخرطوم ونجحت مسقط ؟..



إلى وقت قريب كانت العلاقات السودانية الإيرانية في قمة عنفوانها ، وكان التعاون في كافة المجالات الإقتصادية والسياسية و (العسكرية) قائم على قدم وساق ، لطالما إثارت العلاقات ما بين الخرطوم وطهران القلق في الأوساط الأميركية والأوربية أو ما يسمى مجازا بـ (المجتمع الدولي) ، حدث ذلك عندما كانت إيران (إرهابية !!) وكانت قابعة في قائمة الخارجية الأميركية للدول المارقة راعية الأرهاب ، وكان يُنظر بالتالي لهذه العلاقات بإعتبارها تحالفا غير مقدس ما بين شياطين كوكب الأرض ، وهي علاقة يتعين ردعها وتقليم أظافرها الطويلة الحادة وبأي وسيلة وبأي ثمن ، على ذلك مضت العلاقات تأرجحا ما  بين نقمة الغرب وتحفظ دول خليجية ما برحت تنظر للخرطوم بإعتبارها مؤطئ قدم للمد الشيعي القادم لا محالة عبر البحر الأحمر وصولا لشواطئ السعودية والإنطلاق منها لإكتساح دول الخليج العربي ، وكانت علاقات الخرطوم والرياض تراوح مكانها ، فالرياض لم تخف أبدا أمتعاضها من تنامي هذه العلاقات المشبوهة ، إلى أن حدث التحول الجذري بعد عاصفة الحزم .
الآن يحق لنا كمراقبين للمشهد السياسي السوداني أن نتساءل عن الخلل والخطأ الذي أرتكبته الخرطوم وطهران معا وأدى في نهاية المطاف إلى إنهيار العلاقات الثنائية بينهما وبهذا النحو المريع ، كانت المفارقة مدوية بطبيعة الحال ، ففي الوقت الذي نأت فيه الخرطوم بنفسها من أكبر دولة متهمة برعاية الأرهاب ومن أكبر حليف إستراتيجي لها بعد الصين على أمل أن يجد هذا الموقف الثناء والإستحسان من واشنطن وأوروبا ،  نجد أن واشنطن وطهران راحتا في عناق حالم تحت ظلال أشجار ندية ،  ليعلن البيت الأبيض الأميركي بعدها بأن طهران لم تعد إرهابية بعد الإتفاق النووي التاريخي وإنها عادت بالتالي للحظيرة الدولية كدولة راعية للأمن والسلم الدولييين ، وليبقى السودان وحده هو الأرهابي الوحيد .
وما بعد الإتفاق تم الإفراج عن 180 مليار دولار علي حد تعبير الزميل / عبد الباري عطوان كأصول مجمدة في البنوك الغربية ، وتم رفع الحظر الإقتصادي القاسي ، وتم إعادة إيران للمنظومة الإقتصادية الدولية ، وهذا يعني تسارع عجلة النمو العلمي والإقتصادي والعسكري بها ، وستغدو أكبر منتج للنفط في الشرق الأوسط  بل ستسيطر على أسعاره إرتفاعا وهبوطا ، وفي المقابل لن يكون هناك منافس إستراتيجي شرق أوسطي يمكن تسميته ليغدو مؤهلا لمناطحة إيران الحجة بالحجة واللكمة باللكمة  هنا يحق لنا أن ننعى للملأ العراق الصدامي العتيد ، أخر قلاع القوة العربية البائدة .
ثم يمكننا القول بأن الخرطوم قد خسرت إيران في الوقت غير المناسب على الإطلاق ، وهذا من سؤ حظها بالتأكيد ، وهي بذلك تلعق مرارة أخطاءها في تحديد أطر هذه العلاقات وبجلاء ومنذ البدء ، تركت الحبل على الغارب ، والخطوط المعنية هي كالتي حددتها العاصمة العٌمانية مسقط في كل علاقاتها الخارجية القائمة على مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى ، شقيقة كانت أم صديقة وبأي صورة من الصور وبأي شكل من الأشكال ، والعكس صحيح بالطبع ، وهذا ما منح عُمان موقعها المتفرد في الخارطة السياسية الدولية ، فلا غرو أن يعلن صندوق النقد الدولي اليوم الإثنين 26 أكتوبر 2015 وكما أبلغتنا بذلك صحيفة الرؤية العُمانية بأن السلطنة هي أكثر دول المنطقة آمنا ، ذلك لم يأت من فراغ فهو نتاج طبيعي للسياسة الحكيمة والحصيفة لهذه الدولة ، والتقرير له إنعكاسات إقتصادية هائلة ستعود خيرا على عُمان إذ ستغدو في المرتبة الأولى كجاذبة للأستثمارات الأجنبية .
إيران تعرف وتعلم بأن السلطان قابوس بن سعيد لا يهادن في تلك المبادئ المقدسة عُمانيا إذ هي عنوان للسياسة الخارجية لبلاده ، وبالتالي لم تعمد أبدا إلى التبشير بالمذهب الشيعي داخل السلطنة رغم وجود مواطنين شيعة بعُمان يعيشون جنبا لجنب من إخوانهم الأباضية والسنة وبدون أن يعلم أي زائر لهذا البلد بأن هناك مذاهب دنية شتى إذ لا مظهر يشير لذلك فلا تفرقة دينية أو مذهبية أو عقائدية وفي كل مجالات الحياة ،  المواطنة هي الأساس هناك ، نقول ذلك بعد حوالي عقدين من الزمان مكثناها مكرمين أعزاء بمسقط وكنا فيها فاعلين كما يحب ربنا ويرضى في المنظومة الإجتماعية والفكرية والثقافية العُمانية .
هذا الإحترام الإيراني للشأن الداخلي العُماني هو السر في إستمرار العلاقات الثنائية بينهما رغم توترها مع باقي دول المنطقة ، وكانت مسقط هي اللأعب الأساس والوسيط الموثوق به ما بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي وباقي الدول العربية والأجنبية ، كما ساهمت وبإيجابية في الوصول للإتفاق النووي الأخير ، فطهران يهمها أن تبقى على علاقاتها الوثيقة مع السلطنة مع التأكيد على الإحترام المتبادل ، وهي علاقات قديمة وضاربة في عمق التاريخ والتبادل التجاري بينهما كان ولا يزال قويا وفاعلا .
وبما إن الأمر كذلك ، فإن السلطنة ستجد نفسها أول المستفيدين إقتصاديا عبر التبادل التجاري القديم الجديد مع إيران الجديدة كليا والتي تجري دماء الصحة والعافية في شرايينها هذه الأيام كما لم تجر من قبل ،  فإذا كان السودان أول الخاسرين لإيران فإن عُمان هي أول الفائزين لقد رفعت الأقلام وجفت الصحف .
فإذا كانت إيران لم تعمد أبدا للتبشير بالمذهب الشيعي في عُمان رغم القرب الجغرافي بينهما فلماذا فعلت ذلك وبقوة في علاقاتها مع السودان واليمن رغم بعدهما الجغرافي ؟..
سؤال ضخم وهائل ، وبالمنطق وفي محاولة الإجابة عليه لا بد من الإقرار بان الخرطوم لم توضح لطهران وبجلاء ومنذ البدء بان التبشير بالمذاهب هو خط أحمر ، وأن التدخل في الشأن الداخلي هو خط أحمر مزدوج ، ولأن التساهل السوداني كان في عنفوانه فكان إن إستغلته طهران وبنحو صريح ودفعت بكل إمكاناتها الشيعية لكل ولايات السودان السني منذ الأزل ، وكان من المفترض زمنيا أن تندلع وللمرة الأولى في السودان حرب أهلية مذهبية ، تماما كما هو واقع باليمن الشقيق ، إذ لم تستطع صنعاء الضعيفة في الوقت المناسب تلجيم التبشير الشيعي الإيراني فحدث ما حدث ، وبما إن الخرطوم قد إنتبهت بعد خروج القطار عن القضيب ، فوجدت نفسها بالفعل أمام مفترق طرق ، أما إختيار طهران أو الرياض ، ولا توجد منطقة أوسطى هنا علي الإطلاق ، فكان قرارها بإختبار الرياض لإعتبارات موضوعية معروفة .

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب مستقل
مدير جروب قدامي المحاربين الإعلاميين العرب
الراعي الرسمي لجميعة الصداقة السودانية العُمانية
 واتساب : 00249121338306

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق