السبت، 31 أكتوبر 2015

حديث الإفك شاهدناه كحية تسعى في شوارع الخرطوم



حديث الإفك المذكور في القرآن الكريم وفي سورة النور تحديدا درسناه وإستوعبناه وفهمناه وإستخلصنا منه العبر والدروس وعميق الحكمة بعيدة المنال منذ أن كنا طلابا في المرحلة الثانوية وخرجنا منه بالموعظة القائلة أن علينا تلجيم ألستنا بقدر ما نستطيع ، فهذا اللسان قادر تماما على أن يقود الناس إلى نار جهنم مصداقا للحديث الشريف وماذا يكب الناس في نار جهنم غير حصائد إلسنتهم .
الحديث المذموم والذي شغل الناس هنا في الخرطوم وباقي ولايات السودان كان أقصوصة (فساد الجمارك السودانية) ، حكاية مجنونة وظالمة لنفر كريم من أبناء هذا الشعب أفنى عمره في خدمة وطنه بتجرد ونكران ذات ، كان ذلك مدير مكتب مدير الجمارك المقدم / طارق محجوب ، والمدير المظلوم اللواء / سيف الدين .
يقول الخبر الكارثي الذي تناولته صحيفة سودانية بإسهاب وتمت صياغته بلغة لا تخلو من ركاكة ونشر على نطاق واسع على الواتساب والفيسبوك ، يقول الخبر الكاذب وهذه مقتطفات منه :

( تم التحفظ على الممتلكات والأرصدة والمنقولات ، وبلغت  قيمة مبلغ التجاوزات  85 مليار جنيه ، وحتى الأن أكتشفوا أمتلاك 20 ضابطا لمحلات بيع التلفونات الحديثة والغالية الثمن ، التحدي الكبير في مواصلة القضية وجرجرة كل متورط مها علا شأنه ولن يتم ذلك إلا بمباركة ذات (الجهة العليا) وتحت جناحها هذا إذا رغبت فعلا في كبح جماح الفساد الذي ملأ وأصاب الأنوف كالسرطان ناهيك عن رائحته التي باتت معتادة ولا تحرك بهم ولا فيهم ساكنا ) .

وبما إن الخبر كان حديث الناس وشغلهم الشاغل هنا في الخرطوم إذ الكل بات يتحدث عن فساد الجمارك السودانية التي تعد المفصل الأساس في منظومة إقتصاد الدولة ، وزارة الداخلية التي تتبع لها الجمارك أخذت الأمر على محمل الجد بطبيعة الحال ، فالواقعة خطيرة بكل المقاييس ، وتم إجراء التحقيقات اللازمة والصارمة والدقيقة ، بعدها صدر البيان الختامي معلنا براءة اللواء سيف الدين ومدير مكتبه والجمارك من ناحية عامة من كل تهم الفساد المنسوبة إليها وإليهم ظلما ، ليرتد السهم وفورا إلى صدور مطلقيه بناء لمنطوق نظرية نيوتن القائلة (لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومعاكس له في الإتجاه) .
هنا فإن الذين أندفعوا كخيول جامحة لا تلوي علي شئ في إطلاق تلك الإتهامات فادحة العواقب هل تراهم قد سألوا أنفسهم عما خلفته كذباتهم الماحقات الساحقات على المستهدفين وأسرهم وأهليهم ، هل تخيلوا مقدار الألام المبرحة التي أشعلوها بغير رحمة في نفوس إولئك الأبرياء الأتقياء إذ كافأهم الوطن على حسن صنيعهم بالطعنات واللكمات وبالغمزات وبالهمسات الماجنات ، هل ياترى يعلمون ماذا كان حكم الله في الذين فقط تناولوا قصة حديث الأفك المذكورة في القرآن تناولا سطحيا ، هل يعلمون بإن الأمر الألهي قد صدر بجلد حمه بنت جحش أخت زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش التي زوجها الله له من فوق سبع سماوات طباقا ، وجلدت فعلا ، ثم هل يعلمون بأن شاعر رسول الله حسان بن ثابت قد جلد أيضا ، فإذا كان أولئك الصحابة الكرام قد جلدوا وهم ليسوا المصدر الأساس في الحديث كله فماذا عساه يكون الحكم واجب التنفيذ فيمن أكدوا بغير دليل على فساد الجمارك السودانية ورجالاتها المشار إليهم ؟..
أحد الأصدقاء سألني في رسالة على الواتساب قائلا (لماذا لا تكتب يا أستاذ عن فساد الجمارك ؟) ، كان ردي عليه بأن أرسلت إليه صورة (مسدس) مع صورة إبتسامة من تلك الباقة الموجودة ببريمج الواتساب ، وكان ذلك قبل صدور بيان وزارة الداخلية ، كنت أقول له (بأنني لست قاتلا ، ولن أعمد لتنفيذ القصاص بغير دليل دامغ وحتى في وجود دليل فلست أنا المسئول عن تنفيذ أي عقاب أو قصاص ، فما قرآته كان أبعد ما يكون عن التصديق ولم يقدم أي مستند أو بينة على إن ما حدث قد حدث فعلا ، وكنت كصحافي معتق مارست هذه المهنة وفي هذا الجانب تحديدا بمسقط عندما كنت أقدم في الثمانينات صفحة الحوادث والقضايا التي أثارت جدلا إيجابيا واسع النطاق وقتها بالسلطنة ، غير إن مستوى المصداقية في ما كنت أكتبه كان 100 %  ، إذ كنت أتوجه للمحكمة الجزائية بالخوير بمسقط وإستلم من أحد القضاة هناك صورا من الأحكام التي تم البت فيها قضائيا بصورة نهائية وأضحت موثقة تماما .
كل ما كنت أفعله وكان عذابا يوميا لا زلت أحس بألامه في ما بين حنايا الضلوع وتحت الحجاب الجاجز رغم عدو السنين ، هو إنني كنت أقدم صياغة سلسلة للوقائع مستفيدا من قدرات قلمي على التخيل والنسج والتصوير وبقدر يدفع القلوب لتخفق بسرعة غير معتادة ومع ما يتبع ذلك من تصبب للعرق وبرودة في الإطراف وما إلى ذلك ، وبالتالي لم يحدث قط إن جاءنا تظلم ما من إن ما كتبناه ليس حقيقة أو هو نسج خيال ، تلك هي الصحافة التي نعرفها وذاك هو الإعلام الذي نحترمه ونجله.
علي إن الواقعة أطلقت التساؤلات المحمومة عن ماهية الأسباب الموضوعية لإنحدار مستوى الصدق والمصداقية إلى هذا الدرك السحيق والمخجل والمؤسف في بعض الصحف وفي وسائط التواصل الأجتماعي ، ذلك إنني الآن بت أقرأ الأخبار الواردة على الواتساب والفيسبوك وأفترض بداية وجدلا بأن ما هو مكتوب غير صحيح بل هو كاذب وبمستوى يصل إلى 99% ، كأن نسج الأكاذيب وإتهام عباد الله ظلما بأت السلاح الأحدث في النيل من النظام الحاكم متناسين بأن هكذا وقائع تتجاوز الحاكم والمحكوم معا إذ عقابها وحسابها عند الله أفدح وأنكأ ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب مستقل
مدير جروب قدامى المحاربين الإعلاميين
واتساب : 00249121338306

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق