الأحد، 3 أبريل 2016

من الخطأ أن تهدي فقيرا قطعة أرض



 الدكتور / محمد طاهر إيلا والي ولاية الجزيرة السودانية أهدى منتخب السودان للناشئين  المنتمي لمدرسة محمد عبد الله موسى بمدني الفائز ببطولة ج الدولية لكرة القدم التي أقيمت بقطر في فبراير الماضي أهدى كل لاعب قطعة تكريما لهم على هذا الإنجاز التاريخي ، التكريم وجد إستحسانا من القاعدة الرياضية بالجزيرة ومن جماهير الشعب السوداني قاطبة ، غير إن لنا وجهة نظر بشأن نظرية (التكريم) وفق المفهوم العربي سبق وأن أشرنا إليها في مقالنا الذي نشرناه بمدونتنا يوم 2 مارس الماضي بعنوان (التكريم بين العفة والنياشين) تعقيبا على مقال الزميل والصديق الكاتب العُماني / زاهر بن حارث المحروقي عن قصة أشهر متبرع عُماني بالدم الفاضل / أحمد بن محمد الخروصي ، والذي نال تكريما عُمانيا وخليجيا وعربيا لقاء جميل صنيعة ، غير إن الذين كرموا وإحتفلوا لم يلتفتوا للحقيقة المثلى وهي الحوجة الحياتية للمكرم وهل تم الوفاء بها في إطار التكريم وفق المفاهيم العربية ، للآسف نحن العرب نركز على ما أسميه بالتكريم السطحي والإعلامي وهنا تكمن مآسي التكريم العربي القومي .
دكتور إيلا كرم المنتخب بقطعة أرض لكل لاعب ، بيد أن المهم والمفيد والذي لم يتم الإلتفات إليه هنا ويكمن في الإجابة علي سؤال محوري ومفصلي ويتمحور حول هل يستطيع أفراد المنتخب من الناشئين أو ذويهم بناء تلك القطع السكنية وبالمواصفات اللآئقة ؟..
هنا تكمن أبعاد المأساة ، إذ أن كل الإحتمالات تشير الى أن القطع السكنية سيتم بيعها عاجلا أم آجلا للأسباب المعروفة ، وبمرور الأيام لن نشاهد بيتا أو منزلا على الأرض يعود لأفراد المنتخب الذي تم تكريمه ، وبذلك ستندثر الواقعة ، وسيندثر الحدث ، وسيغشاه النسيان ، هنا يمكننا أن نقول بأن التكريم نفسه قد طواه الزمان ، ولن يتذكره أحد من الأجيال القادمة .
الصورة المثلى للتكريم والتي يجب أن تكون هو بيان كامل صادر من مكتب الوالي يوم إعلان التكريم يفيد بإنه وبعد التنسيق مع شركات القطاع الخاص بولاية الجزيرة وباقي ولايات السودان سيتم بناء المدينة السكنية ووفق أرقى المواصفات العالمية في بناء المدن السكنية وتسليمها بعد ذلك لأفراد المنتخب في إحتفال ضخم يقام بإستاد ودمدني .
هذه المدينة السكنية ستبقى بعد ذلك قائمة على الأرض تحدث وتتحدث بلسان عربي مبين عن عظمة الإنجاز الكروي الذي تحقق ، وسيتم تخليد الحدث كما ينبغي ، وستبقى المدينة ملهما ودافعا وحافزا لكل الرياضيين السودانيين عبر التاريخ لتحقيق المزيد من الإنجازات للوطن وبإسم الوطن ، هكذا فقط يكتمل التكريم ، ومن ناحية أخرى كنا نود أن نسمع عن أهتمام عالى المستوى بهؤلاء الناشئين بإعتبارهم نواة ولا أروع للمنتخب الوطني السوداني في المستقبل ، لا نرغب في أن نراهم بعد عام أو بضعة أعوام قد هجروا كرة القدم ونسوها لهثا خلف لقمة العيش التي لا ترحم ، هذا قد نراه فعلا ، ولطالما فقدنا مواهب رياضية فذة في الماضي لإنعدام التخطيط التربوي الرياضي .
وإذا كان الشئ بالشئ يذكر ، فإنني لن أنسى أبدا إننا ويوم سافرنا لمعسكر كلمه للأجئين على أطراف مدينة نيالا بدارفور قبل سنوات على هامش المؤتمر العربي لدعم دارفور الذي إنعقد بالخرطوم في أكتوبر 2007 ، وقتها إستدعتني وزارة الخارجية السودانية علي عجل ممثلة في السفير / عمر حيدر أبوزيد مدير الدائرة العربية بالخارجية وقتها لمرافقة الوفد العُماني المتوجه ضمن عدة وفود لنيالا ، وبالفعل إستلمت الوفد العُماني بقاعة كبار الزوار بمطار الخرطوم الدولي والذي كان يضم الفاضل / علي الرئيسي رئيس الجمعية العُمانية للأعمال الخيرية وقتها والقنصل العُماني بسفارة السلطنة بالخرطوم ، وصلنا كلمه وهناك أقيم أحتفال ضخم داخل المعسكر ، إعتلى المنبر مسئول بالولاية متأبطا خريطة ضخمة ، ثم فجر النبأ السار وهو إن الولاية قررت منح كل لاجئ قطعة أرض سكنية  !! ، علي الرئيس وكان جالسا على يساري همس في أذني قائلا :

·        وهل سيبنون لهم هذه القطع ؟..
·        قالت : لا بالطبع
·        قال بالعُماني : عجب إيش الفايدة ؟..

وفي (إيش الفايده) هذه والتي قالها العُماني علي الرئيسي تكمن كل العبرة وكل المأساة ، ذلك إنه ومنذ العام 2007 حتى اليوم لم أسمع بنهوض المدينة السكنية للأجئي معسكر كلمه على الأراضي التي تكرمت بها الولاية عليهم ، ذهب الخبر السار أدراج الرياح مباشرة بعد إنفضاض سامر الحفل ، إذ لا يعقل أن يستطيع لاجئ بناء قطعة أرض وهو الذي يفترش الأرض ويتلحف بالسماء شتاء وصيفا ..
وهكذا يا سادتي فقد كرمت الدولة كل اللأجئين بمعسكر كلمه للأجئين بولاية شرق دارفور السودانية وعلى الطريقة العربية القومية ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب سوداني عُماني
هاتف وواتساب : 00249121338306

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق