الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

السودان وإقصوصة التحالف الدائري



 هو مصطلح شرير إبتدعته العقلية العدوانية لجيش الدفاع والموساد الإسرائيلي ، ويعني فيما يعني تكريس المقت والعداء الذي تكنه الدولة العبرية للسودان الوطن وللسودان القارة بإعتباره الخطر الأكثر خطرا على تل أبيب ، كل الدراسات الإستراتيجية الإسرائيلية تؤكد على إن السودان هو بالفعل كذلك ، ثم إن السودان وفي المقابل يكن ذات القدر من المقت والكُره لإسرائيل ، غير إن السؤال الذي ينبثق تلقائيا هنا لماذا تنظر إسرائيل للسودان بإعتباره العدو الأول لها عربيا وقوميا ؟.. وهو وفي الأساس ليس من دول المواجهة المعروفة منذ بدء الصراع عام 1948 وليست لديه حدود مشتركة معها ، بل هو يبعد عنها جغرافيا وقاريا بقدر شاسع ، الإجابة على هذا السؤال المحوري والهام تكمن في إمكانات السودان البشرية والنفطية والزراعية والتعدينية والمائية والسياحية وفي مساحته التي تفوق كل مساحات أقطار العرب حتى بعد إنفصال الجنوب .
الزميل / زاهر بن حارث المحروقي ، الكاتب والإعلامي العُماني المعروف بعث لنا بمقطع فيديو يحمل تقريرا بالغ الخطورة من إنتاج قناة الجزيرة الفضائية ، قدم التقرير تفسيرا للعداء السافر الذي تكنه الدولة العبرية للسودان ، جنرالات جيش الدفاع الإسرائيلي والساسة هناك يرون بضرورة تطبيق مايعرف بـ (التحالف الدائري) وهو مصطلح يعني تسلل إسرائيل إلى إفريقيا من خلال إقامة تحالفات مع الدول المجاورة للتي تعتبرها خطيرة أو من الممكن أن تغدو كذلك ، والسودان علي رأس تلك القائمة ، عليه فإن إسرائيل وفي إطار سعيها الدؤوب لحصار السودان الخطير تحالفت مع إثيوبيا ويوغندا وإريتريا وكينيا.
ذلك كله كان واضحا وجليا في المحاضرة التي ألقاها إيفي ريختر وزير الأمن الإسرائيلي عام 2008 ، التي أوضح فيها النقاط التالية بجلاء :

حلفاءنا في جنوب السودان قادرون على تنفيذ الإستراتيجية الإسرائيلية والتي تنصب في الآتي : ـ

  •        السودان بموارده يمكن أن يصبح دولة إقليمية منافسة لمصر والعراق والسعودية .
  •       السودان شكل عمقا إستراتيجيا لمصر وتجلى ذلك بعد حرب عام 1967 حيث تحول إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية وأرسل قوات إلى منطقة القناة أبان حرب الإستنزاف .
  •         كان لابد من إضعاف السودان وإنتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة وجعله دوما مشغول بما يجري بحدوده ، وهذا ضروري لدعم وتقوية الأمن القومي الإسرائيلي .
  •        أقدمنا على إنتاج أزمة دارفور لمنع السودان من تعظيم قدراته .
  •       إستراتجيتنا التي ترجمت على أرض الجنوب سابقا وفي غربه نجحت في تغيير الأوضاع في السودان نحو التأزم والإنقسام .
  •         الصراعات الحالية في السودان ستنتهي عاجلا أو آجلا بتقسيمه لعدة كيانات ودول .

هذه أهم النقاط التي جاءت في محاضرة ريختر والتي تم تنفيذها بنجاح حتى الآن في جنوب السودان ويمضي تنفيذها على قدم وساق الآن في دارفور ، علي ذلك وفي إطار الغفلة السودانية وغفلة عواصم العرب وغفلة زعماء الحرب في دارفور ، فإن التحالف الدائري لا يزال ماض في تنفيذ ما تبقى من إستراتيجية إسرائيلية بعيدة المدى .
فما يحدث الآن في الحدود السودانية الأثيوبية من قيام ما يسمى بعصابات الشفته الأثيوبية من إحتلال لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بولاية القضارف وإختطاق وقتل للعديد من المواطنين السودانيين حيث أسمت الجهات الرسمية السودانية هذا الحراك بإنه لعصابات أثيوبية خارجة عن سيطرة أديس أبابا ، ونحن نؤكد عكس ذلك ، فما يحدث الآن في الحدود الشرقية للسودان هو تنفيذ للمخطط الإسرائيلي وبدعم إسرائيلي تسليحي لامراء فيه والقائل بجعل السودان دائما وأبدا مشغول بحدوده ، ونحن الآن بالفعل كذلك إذ لا نزال نلهث شمالا وجنوبا وشرقا وغربا من أجل تأمين الثغور الحدودية وما يصاحب ذلك من إستنزاف للموارد والأرواح ذلك كله على حساب التنمية وعلى حساب الإستقرار وعلى حساب الصحة والتعليم والأمن والأهم على حساب رغد العيش الذي بات بعيد المنال.
إسرائيل ستمضي في تنفيذ مخططاتها المعلنة غير هيابة لرادع من اي نوع كان ، إذ لن يهدأ لها على الإطلاق بال حتى ترى السودان وقد تشظى وتفتتب وأضحى في مهب رياح العدم .
وإذا كانت تلك هي الحقيقة المرة فإن السودان ومن جانبه لم يخف يوما هو الآخر عداءه لإسرائيل الغاصبة المحتلة لفلسطين العصية والأبية ، غير إن هذا العداء السوداني السافر للدولة العبرية كان أبدا ودوما عداءا لا تسنده أو تشد من عضده أي إستراتيجية كانت لا بعيدة ولا قريبة المدى ، ليست لنا حتى أي رؤى تذكر لمناهضة إستراتيجية ريختر التي أشرنا إليها بعاليه ، كنا ولا نزال نتلقى الصفعات والضربات واللكمات الإسرائيلية ثم ندير الخد الأيسر مع تمتمات مكبوته بأننا سنعيدها في الوقت والتاريخ المناسبين ، مع يقيننا الكامل بأن هذا الوقت والتاريخ ربما لن يأت أبدا ، ضربات سلاح الجو اليد الطولى لجيش الدفاع الإسرائيلي والمهينة للكرامة السودانية والتي نفذت مرارا وتكررا في بورتسودان حيث الميناء الرئيسي للسودان لخير دليل على ذلك .
ربما يسأل أحدهم لماذا نحن نعادي إسرائيل على هذا النحو السافر وبقدر يفوق عداء حماس والجهاد الفلسطيني أو حتى عداء طهران المعلن لا الذي يجري تحت التراب وتحت الرماد ، أو حتى عداء ما يسمى مجازا بدول المواجهة ، وفي ذلك نقول بأننا وفعلا ينقصنا الذكاء والدهاء السياسي والإستراتيجي والذي لم نتعلمه على الأقل من رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فهو قد قاتل اليهود في وقت ما ، وعاهدهم في وقت آخر ، وهادنهم في لحظات ما ، وتزوج منهم لهدف أسمى وأجل ، صحيح إننا لا نعادي اليهودية كدين بل الصهيونية كعقيدة عنصرية بغيضة غير إننا لم نتعلم أبدا كيف نمسك العصا من الوسط وبناء لمقتضى الحال ، لغتنا دائما فظة ولساننا أبدا عجول ، لم نتعلم يوما متى نقاتل ، ومتى نهادن ، ومتى نعاهد ، ومتى يحتار فينا العدو وبقدر لايعرف فيه إن كنا نحبه أو نمقته .
ريفي ريختر وهو يضع اللمسات الأخيرة لأستراتيجيته المعادية للوطن لم يجد في أوساط الصهيونية العالمية من يصف ما ذهب إليه بالخيال الجامح ، والسبب فصاحة ألسنتنا نحن السودانيين إذ أصوات العداء المقيت لإسرائيل وصلت بالفعل لمشارق الأرض ومغاربها بعد أن أمسينا فلسطينيين أكثر من ياسرعرفات ومحمود عباس أبومازن ومحاربين ومناهضين ومقاومين أكثر من حماس والجهاد ومن كل سكان قطاع غزه .
الآن وفي التو واللحظة وداخل أروقة قاعة الصداقة بالخرطوم ينعقد مؤتمر الحوار الوطني ، فيه وعبره قُدمت الكثير من الأوراق ومن كل القوى المعارضة والمهادنة والمقاتلة ، غير إننا لا ندري إن كانت قد قُدمت أي أوراق بشأن ما نحن بصددة وكيفية إرغام إسرائيل على نسيان السودان ، إذ من المفترض إنه مشغول حتى الثمالة بقضاياه وأوجاعه الداخلية وليس لدية في الوقت الحاضر على الأقل متسع من وقت لمعاداة أحد ، علما بان بعض الذين يشاركون في الحوار الوطني قد إستخدمتهم إسرائيل في وقت من الأوقات كرأس رمح بل كرؤوس رماح في تنفيذ إستراتيجية ريفي ريختر بعيدة المدى تجاه السودان ..


ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب مستقل
facebook.com/dirghama

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق