الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

لا مستقبل لنا يذكر في هكذا وضع



يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها هذه الأيام بذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وبالطبع فإن الإحتفال بهذه المناسبة العطرة يختلف من دولة لدولة ومن عاصمة لأخرى وبناء على المعتقدات المتوارثة والمتبعة بحكم العادة وبحكم الموروث وبحكم السائد .
نحن هنا في السودان نحتفل على طريقتنا بالمولد النبوي ، ولنا طقوسنا الخاصة إذ تُنصب السرادقات الضخمة في أكبر ساحات المدن والقرى ، وفيها تباع الحلوى الخاصة بالمولد فقط وتماثيل الحلوى على هيئة عرائس وأحصنة وخلافه ، صحيح إن كلمة تمثال تتعارض مع الشريعة فقد دمرها صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة كأيذان وتأكيد بأن لامكان لها في دنيانا .
وعلى الصعيد الشخصي فإنني لم ولن أنسى على الإطلاق كيف إنني زهدت بتلكم الإحتفالات وما يحدث فيها ، حدث ذلك عندما كنت في الصف الثاني الإبتدائي ، إصطحبني والدي عليه رحمة الله مع أخي الأصغر عباس إلى ساحة المولد بأمدرمان ، وقبل التحرك ألبسنا الوالد الجلابية (الدشداشة) الأنصارية مع العمامة السودانية المعروفة إضافة إلى الذنب الذي يتدلى  بالظهر ، وقال لنا بالحرف الواحد وكان أمرا لا يقبل النقاش : 
أنتم أنصار ..
 قلنا :  سمعا وطاعة يا أبي ..
أمسكني أبي من يدي اليمني وعباس بيده اليسرى ، إنطلقنا لساحة المولد بأمدرمان ، وتوجهنا مباشرة لسرادق الإنصار وهو خيمة ضخمة فيها بلورات مستديرة ملونة تشع ضياءا يأخذ بالأبصار ، ثم جاءنا صوت عالي النبرات يفيدنا بأن الأمام في طريقه إلينا ، ساد الهرج والمرج ، وإستطالت الأعناق ، وإشرأبت الرؤوس وتدافع الناس وعلا الغبار لحد الإختناق إذ الجميع يتمنى أن تقع عينيه عليه  ، بل إن بعضهم كان يتمنى أن يقبل يديه الكريمتين كأمنية أخيرة بعدها فإن غادر الحياة الدنيا فلا بأس ، بينما البعض الآخر كان سخيا وكريما في أمنياته إذ تمنى أن يمشى الأمام عليه في طريقه لداخل السرادق .
ومن على البعد كانت العربة السوداء الفارهة تتهادى وتشق الجموع شقا ، في هذه النقطة حدثت الطامة الكبرى والتحول المريع في دواخل طفل لم يبلغ العاشرة من عمره بعد ، فقد رأيت بأم عيني أولئك البسطاء ملح الأرض السودانية وهم يتمسحون بغبار السيارة وكل يأخذ حظه من الغبار ليمسح به وجهه وساعديه وقدميه إذ فيه البركة كل البركة ، بركة الدنيا والأخرة  هكذا يؤمنون ، عندها فقط كفرت يا سادتي بالأنصار وبإمام الانصار وبما يفعله الأنصار في أبناء وطني الذين يستحقون الأفضل بالتأكيد ، إذ لم يخطب فيهم هذا السيد محدثا بالحقيقة المثلى والقائلة بأنه بشر مثلهم لا يضر ولا ينفع ، وأن كان بالفعل قد ضرهم إذ سمح لهم بذلك ، كما إنه لم يبلغهم بأنه ليس بأفضل منهم بأي مقياس كان ، ولم يقل لهم أيضا بأنهم قد يكونون أفضل منه عند الله وفي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، تركهم في غيهم يعمهون ثم مضى إلى حال سبيله كما يمضى كل الناس ، وإن كان فعلا أفضل منهم لما رحل كما يرحلون ولما مات كما يموتون ، هذا ما يحدث يا سادتي في إحتفالاتنا بالمولد النبي الشريف للأسف .
وإذا كان الشئ بالشئ يذكر فإننا نتحدث بلسان فيه فقط طعم أمر من المر ، عندما واتتنا الأخبار بصور مؤسفة لقتلى من حركات دارفور المسلحة إشتركوا بغير وجه حق في القتال الدائر بليبيا المجاورة ، كان القتلى يتلحفون بما نسميه هنا بـ (الحجاب) أو الحجبان وهذا الشئ معروف أيضا في العالم العربي والإسلامي أيضا ، وهي التمائم التي يكتبها الدجالون لضحاياهم ثم تغلف بالجلود ثم تربط على السواعد أو حول الصدر والبطن ، المقاتلون الضحايا والمغرر بهم والذين سقطوا قتلى في ليبيا تم الإيعاز لهم بان هذه  التمائم قادرة على منع الرصاص من إختراق إجسادهم ، صدقوا وساوس شياطينهم البشرية ، ثم واجهوا الرصاص الحي في إطار رهان خاسر إذ وجدوا المؤت الزؤام يتربص بهم في صحاري ليبيا الجرداء ، صدقوا الحكاية ثم أندفعوا للقتال مستبسلين دفاعا عن قضايا الوهم لتجار الوهم زعماء الحركات المسلحة السودانية الدارفورية إذ هم يحملون في أعناقهم إلى يوم الدين وزر هؤلاء الضحايا الأبرياء الذين قضوا سدى في سحات الوغي الكذوب ، وفي هكذا وضع وفي هكذا حال هل يمكننا القول بأن ثمة مستقبل باهر ينتظر هذا الوطن في ظل هكذا معتقدات شيطانية لا يزال بعض السادة والساسة يصرون على إنها الطريق الأقصر لدخول جنات الله الرحيبة ..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب مستقل
00249121338306

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق