الخميس، 19 مارس 2020

كان همسا في أخاديد الزمن


ها أنذا احفر عميقا وبعيدا في أخاديد الزمن بحثا عن (كلمة)، كلمة واحدة فقط تقال تحت هجير الشمس وتحت ضياء القمر، فتنزل بردا وسلاما على الحفاة المترجلين مشيا فوق أشواك الإحن، على التائبين القانعين القانطين المتعلقين والمتوسدين أهداب المحن، كلمة تقال همسا وفي طبول آذان تحاول دون جدوى أن تميط غشاوة الليل المريب، كلمة تقال للصدق ابن الصدق أبن الصدق أبن الصدق في أودية الضياع الثاكلات الواجمات الصارخات تحت أسنة المطر الصديد، كلمة تقال للجهر ابن الجهر حيث الجهر ينوح همسا تحت مقاصل الأنواء تهبط من أعالي الفجر تعوي ثم تذري ثم يندلق المداد، كلمة تحوم كالليل المجنح والمكلل بالسواد، تمضي إلى الأصقاع حيث الناس كل في فجاج الأرض، هامسة وغارسة شوكا في محاجر أعين يبست في مراجل الصدق المدندن تحت أغطية دخان الويل يعلو ثم يرنو ثم ينفجر العذاب.
باليت شعري ثم قولي، ثم فعلي، ثم عجزي، ثم ضعفي يمضي بي إلى خلد الخلود، حيث القول بعد القول عبر ضراعة الرمح المهشم في نزال الموت (كان) محاربا فذا تناوشته سيوف للمنايا لا تروم غير عصارة الجهد الجهيد، وإذ الأنات والويلات والطعنات في حنايا الصدر تعتمل السجايا الطيبات الماجنات الداعيات إلى السفور، تغتالهن رماح هولاكو وقد عبر المجاهل والدثور، وإذا بحور الدم تجرى ثم ينطفئ الشعاع، وعبر الدم كل الدم ويل الدم تنسل كالطوفان كالهذيان أطياف وأشباح تزمجر كالأسود، يتقاتلون تحت مسامع الحق حيث الحق ابن الحق مجندل ومضرج تحت أقدام مسننة الحواف، لا فض فوك ابن المقت ابن العهر، فقد جاء الذئاب الغبر من وادي الضباع، يتناوشون وليمة الجيفات تحت أضواء الشموع السود تنز أضواء تفوح روائح الغدر الأليم.
ما عاد في الأفق البعيد غير مرارة الألم الهصور، ما عاد في السفح البعيد غير أبخرة السراب، يا ابن من رضع الرحيق الأبلج الوجنات من ضرع أروية حنون.. هل تحن صغار الوعل إلى عشب أم إلى لحم قديد؟.. هل في الأرض كل الأرض بعد الأرض قبر للمزيد؟.. أم ترانا وفي وجوم السحق نمشي وفي العينان ترنيم حزين، نسعى في طلاب المجد حيث المجد مقموع الأنين، أم ترانا في سفور الإفك نمضي ثم نمضي ثم يطوينا الحنين، ليت شعري كيف تنبلج المباهج في القبور..
وعلى مدى البصر الكليل، وعلى امتداد الكوكب الأرضي حيث الناس كل الناس بين جماجم الأتراح يتصارعون على فتات أرغفة مبللة برحيق أعصرة الجنون، يتساءلون عن الرحيق الأنبل النبرات في هذا العثار، يتناوبون على السؤال، الكل بعد الكل يسعى للسؤال، الصامتون عن السؤال، في الخدين تعوي حمرة الخجل الكسيف، يتسامرون عن المقال، يتدافعون إلى الغناء الأروع الترديد والتلحين على مرآي من الصبح الوشيك، وبعد أن شاخت تباريح الجوى المغبون تحت مراجل اللهب الرهيب، فان الحق كل الحق إلا الحق بعض الحق حصرا لا يقال.
الشاردون النافرون إلى الطريق، في ظلام الليلة الليلاء هولا ما يسد عليهم سبل الطريق، طارق ابن زياد كان على الطريق، في الخلف يبدو البحر هائج الأمواج إذ لا مفر إلى الإياب، بيد إن القول بعد القول في رحم الزمان الأبشع القسمات في كل مفاصل الزمن الردئ، فإذا الأشعار لا تعني غير أحصنة الضياع الغبش تعدو ثم ينسحق الأمل، في الجيد في الكبد المحاصر بالضباب تمضي بنا الفرسان والركبان إلى حتف أكيد..

ضرغام أبوزيد
زاوية (شراع اليومية) بالوطن العُمانية الثلاثاء 6/03/2001
+249121338306

ثمة شئ ما حاصرني وهيج في دواخلي هذا البوح الأليم في ذلك الزمان بالعاصمة العُمانية مسقط 


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق