الأربعاء، 3 فبراير 2016

لماذا لم نستوعب إسرار الغموض النووي الإسرائيلي ؟..



 كنا قد كتبنا مقالا بمدونتنا  تحت عنوان (السودان وأقصوصة التحالف الدائري) يوم الثلاثاء 29/12/2015 وتحت الرابط  : http://25dirgham.blogspot.com/2015/12/blog-post_29.html
تحدثنا فيه عن النظرة الإستراتيجة بعيدة المدى التي تنظر عبرها إسرائيل للسودان بإعتباره العدو الأول لها قوميا وعربيا ، وكيف تسعى عبر ما يسمى بإستراتيجية رختر وزير الأمن الإسرائيلي السابق إلى تفتيته وصولا إلى تدميره كليا إذ هو يمثل الخطر المستقبلي الأكثر فداحة لها على المدى الطويل بحكم ما يملكه من موارد تؤهله ليغدو دولة عربية عظمى ويحتل المركز الأول من حيث الثراء والعداء لها .
وفي المقابل تحدثنا عن العداء السافر الذي يكنه السودان لإسرائيل رغما عن إنه ليس من دول المواجهة ، بل إن السودان هو أكثر الدول العربية المهمومة بفلسطين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم أو أكثر من عرفات ومحمود عباس أبومازن ومن حماس ومن خالد مشعل ، لذلك ولكل ذلك فإن تل أبيب تضع هذا القطر العربي المشاغب دوما في قائمة أولوياتها الأمنية والإستراتيجية .
في الأونة الأخيرة وكما نعلم جميعا بتنا نسمع أطروحات صادرة من الخرطوم ومن اوساط نافذة تتحدث وللمرة الأولى عن التطبيع مع إسرائيل ، تصريحات صدرت من مسئولين في الجهاز التنفيذي السوداني ، وسرعان ما جاءت الأصداء صاخبة من عواصم عربية وأجنبية عبر مقالات وتحليلات وتقارير لكٌتاب وصحافيين يتحدثون فيه عن الإنبطاح السوداني الوشيك في بلاط الكنيست الإسرائيلي ، بل ذهب البعض إلى التأكيد بأن الأيام القادمة قد تشهد زيارة لوزير إسرائيلي للخرطوم كبداية البداية للتطبيع الوشيك والأكيد ، الزميل والصحفي نقولا ناصر كتب في إحدى الدوريات العربية قائلا :
ليس هناك شك في أن فكرة التطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلي قد غزت العقل والفضاء الإعلامي السوداني بحيث قد لايمضي وقت طويل قبل أن تتحول المسألة من فكرة قيد الدرس إلى قرار سياسي، اللهم إلا إذا أدركت القوى الحريصة على القضية الفلسطينية الأمر قبل فوات الأوان .
ومضى نقولا للقول : قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في مؤتمر الحوار الوطني إبراهيم سليمان لا نستبعد إن يكون التطبيع مع إسرائيل من ضمن التوصيات النهائية لمؤتمر الحوار الوطني ، وحال أٌفر الأمر فسيتم تضمينه في الدستور الجديد ، وذلك في إطار مساعي تطبيع العلاقات من الولايات المتحدة الأميركية تمهيدا لرفع العقوبات الأميركية المفروضة علي السودان .
علي ذلك فإن الغموض كان ولا يزال يكتنف الموقف السوداني إزاء التطبيع مع إسرائيل وبإعتبار إن الخرطوم باتت مقتنعة تماما بإن رفع العقوبات الأميركية عليها سيغدو سهلا وميسورا ومتاحا بعيد التطبيع مباشرة وبإعتبار إن اللوبي الصهيوني بواشطن سيضغط في هذا الأتجاه ، إسرائيل من جانبها كان التطبيع مع السودان هو الحلم الذهبي الذي تتمناه وترجوه وتسعي إليه وقد ضربت في سبيل تحقيقه أكباد الأبل عبرالترغيب والترهيب والصفعات واللكمات فوق وتحت الحزام ، فما لبثت تحت هذا العثار والغبار الذي سد منافذ الرؤيا أن تعلن للملأ ترحيبها بالمساعي السودانية للتطبيع معها وهذا كان جيدا .
نترككم هنا قليلا لنعود إلى ما كتبناه في مقالنا المشار إليه أعلاه حيث قلنا بالحرف الواحد :
(إننا فعلا ينقصنا الدهاء السياسي والإستراتيجي ، والذي لم نتعلمه على الأقل من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فهو قد قاتل اليهود في وقت ما ، وعاهدهم في وقت ما ، وهادنهم في لحطات ما ، وتزوج منهم لهدف أسمى وأجل ، إننا لم نتعلم أبدا كيف نمسك العصا من الوسط وبناء لمقتضى الحال ، لغتنا دائما فظة ، ولساننا أبدا عجول .
لم نتعلم يوما متى نقاتل ، ومتى نهادن ، ومتى نعاهد ، ومتى يحتار فينا العدو وبقدر لا يعرف إن كنا نحبه أو نمقته ) .
تلك كانت نصيحتنا التي لم يتم الإلتفات لها وتقديرها حق قدرها ، فأضعنا فرصة ماسية ربما لن تتكرر أبدا لتمرير أجندتنا الخاصة ووفق دهاءنا السياسي المفتروض والمفتقد عمليا ، لم نستطع التماسك بما يكفي وسط هذا الغموض الذي عم عواصم العالم والخاص بالتطبيع الوشيك مع إسرائيل ، لم نتعلم أبدا كيف ننسج الأحاجي والأساطير حول تطبيعنا الوشيك ومن ثم نؤطره بهالة الغموض البديع ، تماما كما فعلت تل أبيب مع أسطورة إمتلاكها لقنبلة نووية ، فهي لم تنف أو تؤكد أبدا وعلى الإطلاق إن كان مفاعل ديمونه الكائن بصحراء النقب قد أنتج بالفعل قنبلة أو قنابل نووية أم لا ، هي ترفض أي تفتيش دولي لمفاعلها الأسطوري ، وتطالب في الوقت ذاته بتفتيش مفاعلات الآخرين ، أبدا وعلى مر تعاقب الحكومات الإسرائيلية من عمالية إلى ليكودية لم يصرح أي مسئول بأن دولته تمتلك هذا الشئ المرعب .
صحيح إن الغموض الدخاني الإسرائيلي قد أهتز علي يد مردخاي فعنونو الخبير النووي الإسرائيلي والمغربي الأصل والذي أكد أمتلاك إسرائيل لترسانة نووية متقدمة تحتوي ما بين 100 إلى 200 رأس نووي ، ومن بعد ذلك صنفت إسرائيل كسادس أكبر قوة نووية في العالم ومن بعدها أصطاده الموساد كعصفوره في روما وأعاده في قفص لتل أبيب .
ومع هذا لم تؤكد الدولة العبرية إنها بالفعل نووية ولن تفعل ذلك أبدا إذ هي حريصة على أن يظل كابوس الغموض النووي كسحابة  ضخمة كالحة السواد تغطي سماوات عواصم العرب من المحيط للخليج ، تلك سياسة وإستراتيجية متفق عليها إسرائيليا وتندرج في أطار صاعقة الردع المفضية إلى منع أي تهور عربي بمهاجتمها عسكريا ونجحت بالفعل في هذا الجانب .
ليبقى كل الذي تتلقاه من عدوان عربي سافر علي هيئة كلمات وهمسات وهمزات وغمزات ليس إلا ، وأغلبها صادر من العاصمة السودانية الخرطوم وليس من فلسيطن المحتلة .
الخرطوم لم تدرس إستراتيجية الغموض النووي الإسرائيلي ومن ثم لم تعمد لمحاكاتها على الأقل من أجل تمرير أجندتها الوطنية والخاصة برفع العقوبات الأميركية الأحادية المفروضة عليها ، لم تعمد لإستثمار الجدل والصخب الدائر قوميا وعربيا وإقليما ودوليا والخاص بإنبطاحها المزعوم وبيعها للقضية الفلسطينية بثمن بخس ، لم توازن بين ما يحدث الآن في الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض الأميركي من تصويت قائم على قدم وساق ومفتوح للسودانيين وغيرهم في مشارق الارض ومغاربها ويطالب الإدراة الأميركية برفع العقوبات إذ هي قد أثرب بنحو فادح على الشعب ولم تؤثر على الحكومة المستهدفة بالعقاب .
حدث هذا عندما أعلنت رئاسة الجمهورية السودانية قبل أيام رفضها التام للتطبيع مع إسرائيل وهذا هو قرار الخرطوم النهائي بشأن الجدل الدائر حول الأمر الأن ، هنا أسأل أين الدهاء السياسي السوداني الذي قلت في مقالي السابق بأننا نفتقده ويجئ تصريح الرئاسة السودانية كتأكيد على إننا بالفعل كما قلت وكما أكدت .
أما كان من الممكن أن نلوذ بتلابيب الصمت الجميل كأستراتيجية مدروسة ونترك البالونات تكبر وتتضخم وتطير لعاصم العالم ولواشنطن وتل أبيب تحديدا مبشرة بتطبيع وشيك مع تل أبيب ؟.. إلا يمكننا أن نوعز لبعض وسائل الإعلام بضرورة تضخيم الأقصوصة وفي هذا الوقت بالذات حتى إكتمال المخطط برفع العقوبات وبعدها لكل حادث حديث ؟..

ضرغام أبوزيد
صحفي وكاتب
dirgham@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق